يعمل فحص الأبوة عبر الحمض النووي بطريقة مشابهة إلى حد كبير للاختبارات الجينية الأخرى، مثل اختبارات اكتشاف الأقارب البعيدين، أو أصول الأجداد، أو حتى المخاطر الصحية. تُقارن هذه الفحوص -المتوفرة بسهولة- بين عينات من الشفرة الوراثية للأب والطفل لتوفير مؤشر دقيق للأبوة. يعد اختبار الأبوة عبر الحمض النووي طريقة موثوقة جدًا لتحديد الأبوة، إذ إن الاختبارات التي تستخدم التكنولوجيا الحالية دقيقة بنسبة 100٪ تقريبًا، وفقًا لدراسة أجرِيت عام 2013، ونُشرت في مجلة Genetics in Medicine.

من الواضح أن فحص الأبوة عبر الحمض النووي ليس للجميع، ولكن مع تزايد دقة هذه الأدوات، فإنها تصلح طريقة لتحديد النسب في جميع الظروف. وفي هذا المقال، نقدم دليلًا حول كيفية عمل اختبار الأبوة وأنواع الاختبارات المتاحة.

كيفية اختيار فحص الأبوة عبر الحمض النووي

بالنسبة لمن يتطلعون إلى إجراء فحص الأبوة عبر الحمض النووي، فإن السوق أمامهم مليء بالخيارات. يمكن إجراء الاختبار الجيني في العيادات أو المستشفيات أو حتى في المنزل. إذ تُجرى جميع الاختبارات باستخدام التقنيات المخبرية نفسها، و طالما يعالج الاختبار في مختبر معتمد من قبل الجمعية الأمريكية لبنوك الدم (AABB)، فإن دقة النتائج لن تختلف كثيرًا بين مراكز الاختبار والمنزل.

يعتمد نوع الاختبار المختار على الغرض المرجو من نتائجه. يمكن إجراء اختبارات الحمض النووي للاطمئنان من خلال مجموعات الاختبار في المنزل، التي تسمى HomePaternity، إذ تجمع مسحات من اللعاب أو الوجنتين وتعبئتها وإرسالها إلى موقع الاختبار لتحليلها.

إذا كان الاختبار ضروريًا لأغراض قانونية، فيجب إجراؤه في مستشفى أو عيادة، وبحسب LabCorp، وهو مختبر لفحص الحمض النووي يقع في عدة مواقع في جميع أنحاء الولايات المتحدة، فإن الفرق بين الاختبار في المنزل والاختبار المعروض في العيادة، هو أن الاختبار المجرى في العيادة ستكون له كفالة أكبر، أي أن المختبر نفسه يتحقق من هويات جميع المتبرعين بالعينات، وفي كل مرة تتغير فيها العينة يُسجل التغيير، وهذا أمر بالغ الأهمية في حال كانت نتائج اختبار الأبوة ستستخدم في المحكمة.

اختبار الأبوة في أثناء الحمل

يمكن إجراء اختبار الأبوة في وقت مبكر، حتى أثناء الحمل. في هذه الحالة، سيُجرى الاختبار في المشفى، وستجمع عينات الحمض النووي للاختبارات الجينية في أثناء الحمل بإحدى الطريقتين:

  •  الأولى هي أخذ عينات من الزغابات المشيمية التي يمكن أن تحدث ما بين الأسبوع (10 – 13) من الحمل. تتضمن هذه العملية إدخال إبرة في الرحم من طريق المهبل أو جدار البطن لإزالة قطعة صغيرة من المشيمة. ستحتوي هذه العينة على كميات كبيرة من الحمض النووي للجنين يمكن تحليلها بسهولة وسرعة.
  •  تتضمن التقنية الأقل توغلًا سحب عينة من دم الأم، التي تحتوي على كميات ضئيلة من الحمض النووي للجنين الخالي من الخلايا. ترسل هذه العينات إلى المختبر لتحليلها، سواءً جمعت في المشفى أو العيادة أو المنزل.

كيف تعمل اختبارات الأبوة؟

يقول آرناب شودري، عالم الفيزياء الحيوية ونائب رئيس التكنولوجيا الوراثية لدى 23andMe: «بالنسبة لاختبار الأبوة، فإن ما يستخدم عادةً يسمى بتحليل التكرارات المترادفة القصيرة، أو اختبارات STR».

يوضح شودري أن التكرارات المترادفة القصيرة هي مناطق طويلة في الجينوم البشري تتكون من أجزاء قصيرة، عادةً ما تكون بطول يتراوح من حرفين إلى أربعة أحرف، تتكرر مرارًا وتكرارًا. نظرًا إلى أن هذه المناطق تتغير من وقت إلى آخر، فإنها تختلف كثيرًا في الطول من شخص إلى آخر.

بطريقة ما، يمكن أن تكون التكرارات المترادفة القصيرة بمثابة «بصمة وراثية»، لأن كل شخص سيكون لديه شرائح التكرارات المترادفة القصيرة (STR) نفسها، لكن تركيبة طول التكرارات المترادفة القصيرة التي يرثها الشخص ستكون فريدة من نوعها. والأهم من ذلك، نظرًا إلى أن 50٪ من الحمض النووي للطفل يأتي من والده، يجب مشاركة ما يقرب من 50٪ من التكرارات المترادفة القصيرة بينهما.

بعد ذلك تُقاس هذه الأجزاء باستخدام عملية تسمى تفاعل البوليميراز المتسلسل، أو PCR (مثل اختبار تفاعل البوليميراز المتسلسل لكوفيد-19). هذه العملية يستخدمها علماء الوراثة لتضخيم مناطق معينة من الحمض النووي. في حالة اختبارات الأبوة ، تُنسخ بعض مناطق التكرارات المترادفة القصيرة (STR) مرارًا وتكرارًا.

في نهاية هذه العملية، ستكون الغالبية العظمى من الحمض النووي الموجودة في العينة نسخًا من التكرارات المترادفة القصيرة (STR) المصنوعة من الحمض النووي الأصلي. عند التحليل تُشغل هذه التكرارات المترادفة القصيرة (STR) المضخمة عبر عملية تسمى الرحلان الكهربائي الهلامي، التي تستخدم تيارًا كهربائيًا لفرز التكرارات المترادفة القصيرة حسب الطول.

فكر في كيفية تحرك الصخور ذات الأوزان المختلفة على قاع مجرى سريع التدفق. ستدفع الصخور الأصغر والأخف وزنًا لمسافة أبعد وأسرع من الصخور الأكبر والأثقل. الأمر نفسه ينطبق على التكرارات المترادفة القصيرة الأطول والأقصر. فور فصل التكرارات المترادفة القصيرة، يمكن مقارنة العينات الناتجة من الطفل بعينات الوالدين المحتملين.

التكرارات المترادفة القصيرة ليست المناطق الجينية الوحيدة التي يمكن استخدامها في اختبارات الأبوة، ولكنها الأكثر استخدامًا لهذا الغرض إلى حد كبير. وفقًا لدراسة أجريت عام 1997 في المجلة الدولية للطب القانوني، يمكن تضخيم التسلسلات الجينية على كروموسوم Y من طريق تفاعل البوليميراز المتسلسل أيضًا، اعتمادًا على الجنس الكروموسومي للطفل.

بقدر ما تذهب الاختبارات الجينية، فإن اختبارات الأبوة واضحة إلى حد ما. يقول شودري: «لا يخبرك كثيرًا عما يحدث في الجينوم، إنه يقول فقط إن هذا الشخص يختلف بالتأكيد عن هذا الشخص الآخر، وهذا ما تريده من اختبار الأبوة».

تستفيد تقنيات الاختبارات الجينية الحديثة، مثل تلك المستخدمة في مختبرات شودري، من اختبار رقاقة الجينات. ووفقًا للمعاهد الوطنية للصحة، تعتمد هذه التقنية على الرقائق الدقيقة وهي قادرة على قراءة مئات الأجزاء من المواد الجينية في وقت واحد. هذه التقنية ليست فقط قادرة على إقامة علاقات بين الوالدين والطفل، بل أيضًا على استخدام التشابه الجيني لتأسيس علاقات عائلية أبعد وعلاقات عائلية بين الأجداد حتى. في حين أن استخدام اختبار رقاقة الجينات للحمض النووي سيكون بالتأكيد قادرًا على إثبات الأبوة، وفقًا لشودري، فإن هذه التقنيات ستكون «مبالغة».

تاريخ اختبارات الأبوة

منذ مائة عام، لم يكن بإمكانك وضع ثقة كبيرة في اختبار الحمض النووي للأبوة. في ذلك الوقت، كانت معرفتنا بعلم الوراثة البشرية لا تزال في مهدها، وبينما كان بإمكان العلماء استنتاج كيفية انتقال الجينات من الأب إلى الطفل، لم يتمكنوا بعد من ملاحظتها مباشرة.

تضمنت اختبارات النسب المبكرة أخذ عينات دم من الطفل وأم الطفل وآبائه المحتملين. نظرًا إلى أن الجينات تنتقل من الوالدين إلى الطفل، سيكون من الممكن استبعاد الآباء المحتملين استنادًا إلى فحص فصيلة دم الطفل. مثلًا، إذا كانت الأم تحمل فصيلة الدم “A” بينما يحمل الطفل فصيلة الدم “AB”، فمن المتوقع أن يكون والد الطفل يحمل فصيلة الدم من النوع “B”.

ونظرًا إلى التنوع المحدود لفصائل الدم، إذا امتلك جميع الآباء المحتملين فصيلة الدم نفسها أو ما شابهها، فسيستخلص عدد محدود من النتائج فقط من الاختبار. يمكن إجراء اختبارات الأبوة بهذه الطريقة، لكن طورت اختبارات أكثر دقة منذ ذلك الحين.

في الخمسينيات من القرن الماضي، بدأ العلماء بإجراء أول اختبارات جينية قبل الولادة من خلال جمع عينات من السائل الأمنيوسي لاختبار تشوهات الكروموسومات. بعد اكتشاف بنية الحمض النووي في عام 1953، بدأ علماء الوراثة في فك تشفير المعلومات الموجودة داخل الجزيء من طريق النظر في الأحرف الفردية، و هي As و Ts و Cs و Gs، التي توضح السمات الجينية للشخص.

اقرأ أيضًا:

اختيار الجنين اعتمادًا على جيناته

ترجمة: ديانا بريمو

تدقيق: نايا بطاح

مراجعة: حسين جرود

المصدر