كان كِلا البلدين، روما القديمة واليونان القديمة، مُطلًّا على البحر المتوسط، وأدى تشابههما من جهة الموقع الجغرافي إلى تماثل المحاصيل الزراعية، فأنتجا محاصيل العنب -المستخدم لإنتاج النبيذ- والزيتون. مع ذلك، كانت التضاريس مختلفة تمامًا؛ إذ فصل ريف جبلي ولايات اليونان القديمة عن بعضها، وجميعها كانت على مقربة من البحر، في حين قبعتْ روما القديمة داخل البلاد على إحدى ضفتي نهر التايبر، ولكن القبائل في شبه الجزيرة الشبيهة بالحذاء، المعروفة الآن بإيطاليا، لم يكن لديها الحدود الجبلية الطبيعية لإبقائهم خارج روما.

الفن:

يُعد الفن اليوناني متفوقًا على الفن الروماني، المعتمد على المحاكاة والزخرفة. في الواقع، الكثير من الفن الذي نعده فنًا يونانيًا هو نسخة رومانية لأصل يوناني. كان هدف المنحوتات الكلاسيكية اليونانية إنتاج صيغة مثالية للفن، في حين كان هدف الفنانين الرومان إنتاج صور واقعية لوجوه الأشخاص، غالبًا من أجل الزينة.

ولكن هذا تبسيط مخل. لم يكن الفن الروماني كله محاكاةً للفن اليوناني، ولم يكن كل الفن اليوناني واقعيًا جدًا أو غير عملي. صوّر الكثير من الفن اليوناني أشياء نفعية، كما صوّر الفن الروماني الطبيعة. ينقسم الفن اليوناني إلى الفترات الميسينية والهندسية والعتيقة والهيلينستية، وبلغ ذروته في الفترة الكلاسيكية. خلال الفترة الهيلينستية، وُجد طلب على نسخ من أعمال سابقة، لذلك يُمكن وصفها بأنها مُقلدة.

نربط ذهنيًا المنحوتات، مثل منحوتة فينوس دي ميلو -أشهر التماثيل الكلاسيكية المنحوتة من الرخام- باليونان، في حين نربط الفسيفساء والجداريات بروما. مع ذلك، استخدم فنانو الثقافتين أدوات مختلفة. مثلًا، كانت الآنية الفخارية اليونانية سلعة شائعة في إيطاليا.

الاقتصاد:

اعتمد اقتصاد الثقافات القديمة -متضمنةً روما القديمة واليونان القديمة- أساسًا على الزراعة. عاش اليونانيون عمومًا في مزارع صغيرة لإنتاج القمح، مكتفية ذاتيًا، مع أن الممارسات الزراعية السيئة جعلت العديد من الأسر عاجزة عن إطعام أنفسها. استولت الملكيات الكبيرة على إنتاج النبيذ وزيت الزيتون، وهي الصادرات الرئيسية لروما أيضًا، وليس ذلك غريبًا لتشابه الظروف الجغرافية بين البلدين.

استورد الرومان محاصيل القمح، واستولوا على المقاطعات التي تؤمن لهم المحاصيل الزراعية المهمة، وإلى جانب ذلك عملوا بالتجارة، وهو ما ترفّع عنه اليونانيون. ومع تطوّر روما بوصفها مركزًا حضريًا، قارن الكتّاب بين البساطة -الفظاظة- المرتبطة بالحياة الزراعية الرعوية، وبين الحياة المرتبطة بالسياسة والعيش في المدن الكبرى، المراكز التجارية.

كانت الصناعة أيضًا مهنة حضرية، وعملت كل من اليونان وروما في التعدين.

في حين استعبدت اليونان السكان، اعتمد اقتصاد روما على العمالة المستعبدة من الإمبراطورية المتوسعة. امتلكت كلتا الدولتين عملة، وقللت روما من قيمة عملتها لتمويل الإمبراطورية.

الطبقات الاجتماعية:

بمرور الزمن، تغيّرت الطبقات الاجتماعية الرومانية واليونانية، ولكن المجتمع عمومًا -في كل من اليونان القديمة وروما القديمة- انقسم إلى الأحرار والمحررين والعبيد والأجانب والنساء. القليل فقط من تلك المجموعات عُدُّوا من المواطنين.

دور المرأة:

تُظهر الصورة النمطية في الثقافة الأثينية أن المرأة قيّمة، تمتنع عن الثرثرة إذ تتفرغ لرعاية الأسرة، والأهم، لجلب أبناء شرعيين. كانت المرأة الأرستقراطية منعزلة في حي النساء، ويجب أن تُرافَق في الأماكن العامة. المرأة تستطيع التملك، ولكنها لا تستطيع بيع ممتلكاتها. تخضع المرأة الأثينية لأبيها، وله حق المطالبة بعودتها حتى بعد الزواج.

في حين لم تُعد المرأة الأثينية مواطنة، عُدّت المرأة الرومانية مواطنة رومانية. كانت المرأة الرومانية تخضع لرب الأسرة، سواءً أكان راعي أسرتها التي وُلدت لها أم عائلة زوجها، ويمكنها أن تتملك وتتصرف فيما تمتلكه كيفما شاءت. كانت المرأة الرومانية قيّمة إذ تتسم بالتقوى والتواضع والمحافظة على الود، وكونها امرأة رجل واحد.

الأبوة:

كان الأب هو رب الأسرة المهيمن وبوسعه أن يقرر الاحتفاظ بطفله المولود حديثًا أو لا. في روما، يظل الأب مهيمنًا على أبنائه، ويخضعون له ما دام حيًا، حتى بعد زواجهم. أما في اليونان القديمة، فكان تكوين الأسرة يُعد أقرب إلى نواة الأسرة الطبيعية كما نعرفها، ويستطيع الأبناء التحرر من سلطة آبائهم.

الحكومة:

كان الحكم في أثينا ملكيًا أولًا، ثم تطور إلى حكم الأقلية، ثمّ إلى الديمقراطية. انضمت ولايات المدينة معًا لتشكّل تحالفات انخرطت في صراعات، ما أضعف اليونان، وأدى إلى غزوها على يد المقدونيين، ثم الرومان لاحقًا.

كذلك كانت روما ملكيةً. راقبت روما القديمة نظم الحكم في البلدان المختلفة التي احتلتها، فنشأ حكم جمهوري مختلط، يجمع بين الديمقراطية وحكم الأقلية والملكية. لاحقًا، عادت روما إلى حكم الفرد المطلق، مع نظام دستوري في ظل الإمبراطورية. قُسِّمت الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية وغربية، ثم انقسمت الإمبراطورية في الغرب متحولةً إلى ممالك صغيرة.

اقرأ أيضًا:

كيف قاد نظام المحاسبة في بلاد الرافدين إلى اختراع أول كتابة في التاريخ؟

الأمم المتحدة: تاريخ موجز

ترجمة: عطاء نضال الصوفي

تدقيق: أكرم محيي الدين

مراجعة: حسين جرود

المصدر