كان غزو خليج الخنازير، الذي وقع في أبريل عام 1961، هجومًا فاشلًا أطلقته إدارة المخابرات المركزية الأمريكية في عهد الرئيس كينيدي لإزاحة الزعيم الكوبي فيدل كاسترو (1926-2016) عن السلطة.

في 1 يناير 1959 قاد وطني كوبي شاب يُدعَى فيدل كاسترو جيشه الفدائي إلى مدينة هافانا وأطاح بالرئيس المدعوم من أمريكا فولغينسيو باتيستا (1901-1973). خلال عامين، حاول مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية وإدارة المخابرات المركزية الإطاحة بكاسترو. في 17 أبريل 1961 أطلقت المخابرات المركزية «هجومًا حاسمًا» حسب اعتقاد قادتها، بهدف غزو كوبا بالكامل، شارك في الهجوم 1400 كوبي دربتهم الولايات المتحدة، كانوا قد فروا من البلاد حين اعتلى كاسترو الحكم، لكن الهجوم لم يؤتِ ثماره، إذ تفوقت قوات كاسترو على الغزاة عدديًا، ما أدى إلى استسلامهم بعد أقل من 24 ساعة من القتال.

خليج الخنازير: الرئيس كينيدي والحرب الباردة

رحب الكثير من الكوبيين بالإطاحة بالديكتاتور فولجنسيو باتيستا عام 1959 على يد فيدل كاسترو، إلا أن النظام الجديد في الجزيرة القريبة من الولايات المتحدة أقلق المسؤولين الأمريكيين. مع أن باتيستا كان فاسدًا وديكتاتورًا قمعيًا، فإنه كان مؤيدًا للأمريكيين وحليفًا للشركات الأمريكية. امتلكت الشركات الأمريكية آنذاك نصف مزارع السكر الكوبية تقريبًا، وغالبية قطعانها من الماشية، إضافةً إلى المناجم والمرافق. أطلق باتيستا العنان للنشاط الأمريكي في الجزيرة، وكان معارضًا للشيوعية.

أما كاسترو فقد رفض الأسلوب الذي اتبعه الأمريكيون لإدارة أعمالهم ومصالحهم في كوبا، إذ حان الوقت –حسب اعتقاده- ليتولى الكوبيون زمام الأمور في بلادهم، ورفع شعار «نعم لكوبا، لا لأمريكا».

حين اعتلى كاسترو كرسي الحكم، اتخذ خطوات للحد من النفوذ الأمريكي في الجزيرة، إذ أمّم الصناعات التي هيمن عليها الأمريكيون مثل السكر والتعدين، ووضع خططًا لإصلاح الأراضي ودعا حكومات أمريكا اللاتينية الأخرى لتتجه نحو الاستقلال في إدارة بلادها. ردًا على ذلك، فوَّض الرئيس أيزنهاور المخابرات المركزية عام 1960 بتجنيد 1400 كوبي يعيشون في المنفى، وتدريبهم للإطاحة بكاسترو.

في مايو 1960، أقام كاسترو علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفيتي وردّت الولايات المتحدة بمنع استيراد السكر الكوبي. لمنع انهيار الاقتصاد الكوبي -إذ شكلت صادرات السكر إلى الولايات المتحدة 80% من إجمالي الصادرات- وافق الاتحاد السوفيتي على شراء السكر من كوبا.

في يناير 1961 قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية مع كوبا وباشرت التحضير للغزو. أكد بعض مستشاري الرئيس كينيدي أن كاسترو لا يمثل تهديدًا حقيقيًا، إلا أن كينيدي رأى أن تنظيمه غزوًا للإطاحة بكاسترو سيكون درسًا لروسيا والصين وللأمريكيين المتشككين، وخطوةً للانتصار في الحرب الباردة.

خليج الخنازير: الخطة

ورث كينيدي الحملة التي بدأتها المخابرات المركزية في عهد أيزنهاور لتدريب ميليشيا من الكوبيين المنفيين، لكنه كان متشككًا من نجاح الخطة، إذ كان التدخل العلني آخر ما يريده للجيش الأمريكي في كوبا، إذ سيعد السوفييت هذه الخطوة اعتداءً ويسعون للانتقام. أخبر رجال المخابرات كينيدي أن الدور الأمريكي في الغزو سيبقى سرًا. وإذا جرت الأمور حسب الخطة فإن الحملة ستطلق شرارة تمرد في وجه كاسترو في الجزيرة.

لماذا فشل غزو خليج الخنازير فشلًا ذريعًا؟

هدف الجزء الأول من الخطة إلى تدمير القوة الجوية الصغيرة لدى كاسترو، ما يجعل مقاومة جيشه للغزاة مستحيلة. في 15 أبريل 1961، انطلقت مجموعة من الكوبيين من نيكاراغوا في سرب قاذفات بي-26 أمريكية، طُليَت لتبدو كأنها طائرات كوبية مسروقة. نفذت القاذفات هجومًا على المطارات الكوبية، لكن تبين أن كاسترو ومستشاريه كانوا على علم مسبق بالغارة، وقد نقلوا الطائرات بعيدًا وجنبوها الدمار. أُصيب كينيدي بالإحباط وبدأت تراوده الشكوك حول سرية العملية ونجاحها، الذي وعد به رجال المخابرات المركزية.

لكن كان أوان التراجع قد فات، في 17 أبريل بدأت سرية الكوبيين المنفيين الغزو انطلاقًا من منطقة معزولة على شاطئ الجزيرة الجنوبي، المعروف بخليج الخنازير. كان فشل الغزو كارثيًا منذ البداية، إذ أرادت المخابرات الأمريكية إبقاء الأمر سرًا، لكن كان لمحطة راديو على الشاطئ -فشل فريق الاستطلاع في اكتشافها- رأي آخر، إذ بثت تفاصيل العملية بالكامل على مسمع الجميع في كوبا. سبب آخر لفشل الحملة كان وجود بعض الشعاب المرجانية غير المتوقعة التي أغرقت بعض سفن القوة المغيرة في أثناء توجههم نحو الشاطئ. سبب ثالث كان إنزال جنود الدعم المظليين في المكان الخطأ. كانت قوات كاسترو قد حددت بالفعل مكان القوة الغازية، التي استسلمت في غضون أقل من يوم من القتال، الذي نتج عنه مقتل 114، وأسر أكثر من 1100 من الجنود الغزاة.

ما بعد غزو خليج الخنازير

يرى فريق من المؤرخين أن المخابرات المركزية وفرقة الكوبيين المنفيين ظنوا أن كينيدي سيسمح في النهاية للجيش الأمريكي بالتدخل، لكنه كان حاسمًا بهذا الشأن، رغم رغبته بعدم «ترك كوبا تقع فريسة للهيمنة الشيوعية» كما قال، فإنه ما كان ليبدأ صراعًا قد يؤدي إلى حرب عالمية ثالثة. مع ذلك لم يكف كينيدي عن السعي للإطاحة بكاسترو، ففي نوفمبر عام 1961 وافق على عملية مونوغوس «النمس» التي كانت حملة هدفها التجسس والتخريب، لكن لم يتطور الأمر قط إلى حرب حقيقية. وفي عام 1962 رفعت أزمة الصواريخ الكوبية من حدة التوتر الأمريكي/السوفيتي.

اقرأ أيضًا:

الحرب الباردة وتقارب القوى المتصارعة خلالها

ما أسباب الحرب الباردة؟

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: عبد الرحمن داده

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر