الطابعات الثلاثية الأبعاد

(آلية العمل وكيفية الاستخدام)


من المؤكد أنّك سمعت عن الطابعات الثلاثية الأبعاد من الأخبار أو الصحفيّين أو مواقع التواصل الاجتماعيّ، ذلك الشيء السحريّ الّذي يمكنه خلق الأشياء من العدم، والّذي يمكنه الطباعة على البلاستيك والمعادن والنايلون وعلى أكثر من مئة مادة أخرى، كما يمكنك استخدامها لطباعة أيّ شيء صغير أو عبثيّ لمجرد التسلية، إلّا أنّها قادرة أيضًا على طباعة النماذج الأوّليّة للصناعات ومنتجات نهائية للمستهلك وأسلحة شبه قانونية وأجزاء من محركات الطائرات وحتى أعضاءَ بشرية باستخدام خلايا من الشخص نفسه.

أليس ذلك مدهشاً؟

نحن نعيش في عصر يسمّيه الكثيرون الثورة الصناعية الثالثة، وباستخدام الطابعات الثلاثية الأبعاد سنبحر بعيدًا عن عصر الإنتاج التقليديّ والتجهيزات العملاقة، لنصل إلى واقعٍ جديدٍ من الإنتاج السريع والفوري والبسيط.
إذن، دعنا نلقي نظرة على هذه الطفرة التقنية عن كثب.

ماهي الطابعات الثلاثية الأبعاد؟

الطباعة الثلاثية الأبعاد هي بكل بساطة عملية صنع جسم صلب بالأبعاد الثلاثة بناءً على ملف رقمي يقدم مسبقًا لبرنامج التشغيل، ويحتوي الملف على كافة المعلومات المطلوبة عن الجسم المراد صنعه.
ويتمّ إنشاء الأجسام باستخدام العمليات المتلاحقة، فيُنشأ الكائن عن طريق وضع طبقات متعاقبة من المواد لحين الحصول على الجسم كاملًا، وتظهر هذه الطبقات على شكل شرائح رقيقة متعاقبة بالمقطع العرضي للجسم.
يمكن للطابعة الثلاثية الأبعاد صنع أي شيء تقريبًا، بدءًا من أكواب السيراميك إلى الألعاب البلاستيكية وقطع غيار الآلات المعدنية والمزهريات الحجرية والشوكولا الفاخرة وحتى أجزاء من جسم الإنسان.
إذن، وباستخدام جهاز واحد سنستغني عن خطوط الإنتاج التقليدية، وسيكون مصنعك الكامل عبارة عن قطعة منزلية سهلة الاستخدام مثل أيّ طابعة منزلية حبرية، ولكن سنستبدل زجاجة الحبر وورق الطباعة بأنواع من المواد الأولية ورف من أجل التبريد والتجفيف.

لماذا تسمى طابعة؟

إذا نظرنا عن كثب -باستخدام المجهر- على ورقة مطبوعة بواسطة طابعتك المنزلية، سترى أنّ الأحرف ليست علاماتٍ على الورق فقط، إنّها تشكل طبقة رقيقة فوق سطح الورق فعليًّا.
لذا نظريًا، إذا قمت بالطباعة على نفس الورقة لآلاف المرات، ستتراكم طبقات الحبر فوق بعضها لتشكل مجسمًا ثلاثي الأبعاد من تلك الأحرف في نهاية المطاف، بهذه الطريقة بالذات (بناء جسم مادي من طبقات رقيقة متعاقبة) تعمل الطابعات الثلاثية الأبعاد.

كيف تعمل الطابعات الثلاثية الأبعاد؟

عليك أولًا البدء بتصميم كائنٍ ثلاثي الأبعاد على أي حاسوب منزلي عادي، وذلك عبر إنشاء ملف «كاد-CAD» (التصميم بمساعدة الكومبيوتر) والّذي يعتمد أسلوب النمذجة الثلاثية الأبعاد، لتحصل على النموذج المراد طباعته، ثم تقوم بوصل الطابعة الثلاثية الأبعاد به، وأضغط على زر الطباعة ثم أجلس واستمتع بمشاهدتها تعمل.
أو يمكنك استخدام الماسحات الضوئية الثلاثية الأبعاد الّتي تستخدم تقنيات مختلفة لتوليد نماذج ثلاثية الأبعاد، لتحصل على النموذج المراد طباعته بأقل جهد ممكن.
عملية الطباعة الثلاثية الأبعاد تحول الكائن إلى آلاف الطبقات الرقيقة والصغيرة، ثم تقوم بطباعة تلك الطبقات طبقة تلو الأخرى من الأسفل إلى الأعلى، وتلتصق تلك الطبقات بعضها ببعض لتشكل في النهاية الجسم الصلب المطلوب.
كل طبقة يمكن أن تكون معقدة جدًّا، إذ أنّ الطابعة من الممكن أن تشكل المفاصل والعجلات أو أي جسم صغير ومعقد ينتمي إلى المجسم المراد تكوينه.
يمكنك طباعة دراجة هوائية كاملة (المقود-المقعد-الإطارات-الفرامل-السلاسل-الدواسات) وتجميعها بدون أيّ أدوات. إّنها فقط مسألة ترك فراغات في الأماكن المناسبة لتعمل على تماسك القطع ببعضها.

ماهي المجالات المتاحة؟

هل سبق لك أن كسرت شيئًا ما، لأنك لم تتمكن من إصلاحه ولا يوجد له قطع غيار في السوق؟
الطابعات الثلاثية الأبعاد ستمنحك الإمكانية لطباعة قطعة جديدة بكل بساطة. تخيل وجود عالم يمكنك فيه صنع أي شيء في المنزل! عالم ستختلف فيه كل مفاهيمنا الحالية عن السوق التجاري والتسوق، عالم لا يحتاج لمخازن أو معامل عملاقة، ولا شاحنات لنقل البضائع، وستنخفض فيه كميات النفايات إلى أدنى المستويات، فلن نحتاج بعد اليوم إلى مواد التغليف والتعبئة، وستصنع فيه احتياجاتك اليومية حسب متطلباتك وكمية استهلاكك فلا مكان للهدر بعد اليوم.

الطابعات ثلاثية الأبعاد الصناعية

أغلب الناس لم تشاهد بعد الطابعات الثلاثية الأبعاد في الاسواق لكنّها متوفرة في الأسواق منذ عقد من الزمن.
تستخدم المصانع الطابعات الثلاثية الأبعاد منذ وقت طويل في عملية التصميم لتنتج نماذج للمنتجات الّتي تصنعها. لكن حتى السنوات القليلة الماضية كانت المعدات مكلفة والعملية بطيئة بشكل عام.
أمّا اليوم فيمكن الحصول على طابعات ثلاثية الأبعاد بسعر منافس جدًّا، على سبيل المثال، تستخدم شركةNIKE) ) الطابعات الثلاثية الأبعاد لتنتج نماذج بألوان مختلفة للأحذية الّتي تصنعها. سابقًا، كانت تصرف آلاف الدولارات للحصول على النموذج الواحد وتنتظر أسابيع لتنتجه. لكن التكلفة حاليّا هي عدة مئات الدولارات، ويمكن تعديل النموذج لحظيًا عبر تعديل التصميم بالحاسوب والحصول على النموذج المعدل بنفس اليوم.
تستخدم بعض الشركات هذا النوع من الطباعة لطباعة المنتج النهائي وليس لطباعة النماذج فقط، يمكنها بهذه الطريقة تعديل المنتج حسب رغبة الزبون ليحصل على نسخة خاصه به. أصبح أمر كهذا شائعًا جدًّا مع زيادة سرعة الطباعة وانخفاض أسعار الطابعات.

الطابعات الثلاثية الأبعاد الشخصية

كان الكلام حتى اللحظة حول الطابعات المستخدمة صناعيًا. لكن هناك عالم آخر من الطابعات الثلاثية الأبعاد للاستخدام الشخصي، والّتي تنخفض أسعارها مع الزمن، وتبلغ أسعارها بحدود 300-2,000$.
أشعل مشروع (RepRap) مفتوح المصدر السوقَ للطابعات الثلاثية الأبعاد كما أشعلته شركة (Apple) في نهاية السبعينيّات. إذ أصبح بإمكان أي شخص أن يحصل على عدة لتركيب الطابعة الثلاثية الأبعاد الخاصة به مقابل ألف دولار، ويمكنه تعديل هذه الطابعة بأي خصائص أو قطع يرغب بها أيضًا، لتلبي احتياجات المستخدم بشكل كامل.

مستقبل الطابعات الثلاثية الأبعاد

هذه التقنية الثورية ذات أبعاد هائلة، فهي ستأثر على قطاع الطاقة والنفايات وتلبية احتياجات المستهلك وتوافر المنتجات والفن والطب والبناء والعلوم والتصنيع بالطبع، وعلى المدى القريب ستغير هذه التقنية العالم الّذي نعرفه، قبل أن تشعر بذلك حتى.


إعداد: مجد الباشا
تدقيق: عبدالسلام الطائي
المصدر 1
المصدر 2
المصدر 3