الواقع الافتراضي: ما هو؟ وكيف يعمل؟


هل سبق لك وتمنيت القيام بجولة حول العالم أو زيارة أماكن تحلم بالوصول إليها؟ كل هذا أصبح ممكنًا بفضل الواقع الافتراضي والذي يعتمد على خلق بيئاتٍ افتراضيةٍ محاكيةٍ تمامًا للبيئات الحقيقية باستخدام الحاسوب، بحيث يحيط المستخدم ببيئة ثلاثيةِ الأبعاد تبدو وكـأنها واقعيةٌ وتكون مقنعةً تمامًا للمستخدم حيث أنه يقوم بالتصرف بنفس الطريقة التي يقوم بها في البيئة الواقعية، وقد تكون هذه البيئات وهمية مثل لعبة فيديو أو مماثلة لمواقع حقيقية كمتحف أو موقع تاريخي. تكمن الفكرة في فصل المدخلات الحسية عن الخارج أي جعل المستخدم منغمسًا تمامًا ضمن بيئة افتراضية ومنعزلٍ عن عالمه المادي. يتم استخدام المدخلات السمعية والبصرية وأحيانًا اللمسية لجعل العالم الافتراضي أكثر واقعية. يبدو المبدأ بسيطًا للوهلة الأولى، إلا أنه، وحتى وقت قريب، أثبتت نظم الواقع الافتراضي أنه من الصعب إنشاءها.

وبحسب قول مطور ألعاب الفيديو «إريك غيويرتز- Eric ‘Giz’ Gewirtz»، مدير المكتب الإبداعي ل<> في لوس أنجلوس: <<الفارق هنا بين البيئات الافتراضية والبيئات الواقعية هو التجريد الحسي، حيث أنك تكون أكثر عرضة لاختبار الحياة الواقعية، بحيث تقوم وبشكل بسيط جداً بالتحكم في كل شيء».

المحاولات السابقة:

ظهر مصطلح «الواقع الافتراضي» في أوائل الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان حينها يرمز للمسرح. في عام 1960، ابتكر المصور السينمائي «مورتون هيليغ – Morton Hellig» آلة دعاها ب <>. استخدمت هذه الآلة شاشات عرض تلتف حول المستخدم مع جهاز يشبه المجهر لإعطاء تأثير ثلاثي الأبعاد، بالإضافة إلى مقعد متحرك وفتحات تقوم بنفث الهواء للمستخدم، كما أنها مدعمة بتقنية الصوت المجسم «ستيريو – Sterio» (الجديد آنذاك) يطلق الأصوات لمحاكاة بعض الأنشطة مثل ركوب الدراجة النارية. وقد ظلت هذه الآلة عبارة عن إبداع رغم ذلك.

الصورة 1: عن صورة ملتقطة لجهاز Sensorama

الصورة 1:عن صورة ملتقطة لجهاز Sensorama

عندما ظهرت الحواسيب الحديثة لأول مرة، بتزامن مع ظهور التلفاز والأفلام الثلاثية الأبعاد، أجمع مؤلفو كتب الخيال العلمي على إمكانية خلق بيئات تبدو حقيقية. حيث تحكي القصة القصيرة «The Veldt» للكاتب «راي برادبوري – Ray Bradbury» في عام 1950 عن حضانةٍ يديرها ذكاء اصطناعي خرج عن السيطرة. مفهوم الواقع الافتراضي (خلق الحاسوب لبيئةٍ تحاكي الواقع) واحد من أقدم المفاهيم التي ندركها اليوم، إلا أنه لم يصبح شائعاً حتى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. وقد كان كاتب الخيال العلمي «ويليام جيبسون – William Gibson» من أوائل المروجين لهذا المفهوم، خاصة في روايته «Neuromancer». فقد كان هناك معنًى واضحًا لهذا المفهوم وهو «محاكاة العالم».

ظهور حواسيب أفضل ومعالجات رسومية معقدة أكثر جعل مصممي ألعاب الفيديو ينكبون على صناعة ألعابٍ أكثر واقعية. والمثال الشهير على ذلك هو «Atari’s Battlezone»، حيث أن بعض إصدارات هذه اللعبة كانت تتضمن مشاهد يتم مشاهدتها من خلال ما يشبه المنظار.

سماعات الواقع الافتراضي (VR Headsets) لم تظهر حتى عام 1990، فحاولت شركة «SEGA» طرحها في الأسواق عبر دمجها ضمن منصات اللعب. وهي عبارة عن أجهزة خاصة تغطي عيني المستخدم وغالباً ما تغطي أذنيه أيضا، وتقوم بتتبع حركات المستخدم لتحافظ على مجال الرؤية محاذي لمكان تواجد الرأس في الواقع الافتراضي، فترفع درجة الشعور بالوجود لديه من خلال السماح له بالنظر حوله ومشاهدة كل ما يمكن رؤيته كما لو كان ينتمي فعلا لذلك المكان. كما أن بعضها مزود بتقنيات تمكن المستخدم من التفاعل مع عناصر البيئة الافتراضية باستخدام اليدين لجعل التجربة أكثر متعة. أطلق على هذا الجهاز اسم «Sega VR» وقد فشل بالدخول إلى السوق.

حتى وزارة الدفاع الأمريكية استخدمت أجهزة محاكاة الواقع الافتراضي من أجل تدريب الطيارين. واتضح أن أجهزة محاكاة الطيران التقليدي كانت أفضل، حيث أن مستخدمي ال headsets VR أصيبوا بالغثيان.

عودة الواقع الافتراضي:

يبدو أن سماعات الواقع الافتراضي السابقة كانت تتبع حيلة «Smell-O-Vision»، إلى حين ابتكار Oculus VR لجهاز Oculus Rift وطرح HTC لجهاز (Vive).

الصورة 2: Oculus Rift و HTC VIVE

الصورة 2: Oculus Rift و HTC VIVE

كلتا السماعتين الجديدتين كانتا عبارة عن تقدم كبير مقارنة بالجهود المبذولة سابقا. حيث أصبحت المرئيات أكثر واقعية، وتطور تصميمها ليصبح أفضل في حجب المؤثرات الخارجية. ويضيف غيويرتز أن التعامل مع الغثيان قد قطع شوطاً كبيراً، وقد ساعد في ذلك تغيير معدل إطارات الرسومات المتحركة، فضلاً عن تصميم الحركة ضمن اللعبة بحيث تكون أكثر تدرجاً. يقول: «إنها الحركة الجانبية»، فعيونك تخبرك شيئًا ودماغك يخبرك شيئًا آخر من خلال مستشعرات التوازن في الأذن الداخلية.
سماعات الواقع الافتراضي الجديدة أصبحت أفضل من ناحية تركيزها أكثر على الحاستين الأكثر جذبًا للمستخدمين: السمع والبصر. أولى الأفكار حول الواقع الافتراضي كانت تتضمن بدلات كاملة، وهناك حتى الآن أناس يعملون على إضافة المزيد من الأحاسيس عن طريق اللمس. بشكل عام وبرغم ذلك، أصبحت التكنولوجيا أكثر صغراً وقابليةً للحمل. يقول غيويرتز: «لقد ذهبنا في اتجاه معاكس تماماً للبدلات الكاملة. لكن يبقى من المحتمل تغير ذلك في المستقبل».
«هذا يجعل الواقع الافتراضي الحالي مختلفًا عن ألعاب الفيديو السابقة والتي كانت تسمح لنا بالجلوس في مقعد الطيار، طالما أنه لا يوجد «إلهاء» من الوسط الخارجي. هذه الألعاب التي كنت تلعبها وأنت واعٍ تمامًا داخل حجرة» يضيف غيويرتز.

ويضيف غويرتز: «يقدم الواقع الافتراضي مجموعة من الخيارات لمطوري الألعاب والتي لا توفرها حتى أفضل ألعاب منصات اللعب (Console Games). تستطيع VR Headset تعقب أين تركز عيون المستخدم، مما يمكن شخصيات اللعبة من التواصل مع المستخدم من خلال الأعين، مما يثير استجابة داخلية أكثر عند اللاعبين. كما تستطيع أيضًا «الشخصيات غير القابلة للعب» (Non-Player Character – NPC) الشعور بأنها أقرب. حيث تستطيع اجتياح الفضاء الشخصي للمستخدم، الأمر الذي يجعله مرتبكًا».
يمكن للواقع الافتراضي محاكاة أمر ما يجري في مكان آخر، والمعروف باسم «التواجد عن بعد». على سبيل المثال، يمكن خلقُ بيئةٍ افتراضيةٍ محاكيةٍ لقمة جبل، مما سيمكن المستخدم من القيام برحلة افتراضية على قمة ايفرست أو جراند كانيون.
تقوم اليوم Oculus VR بعرض Oculus Rift بالتعاون مع HBO، من خلال المعرض المتنقل «اصعد الجدار – Ascend the Wall»، والذي يستخدم قدرات المحاكاة الخاصة بالجهاز Rift لمنح الجمهور تجربة ركوب مصعد يصل إلى قمة جدار جليدي يصل ارتفاعه إلى 700 قدم.
يقول غيويرتز: «الاحتمالات لا حصر لها، لا توجد لغة حقيقية لخلق محتوًى تفاعلي للواقع الافتراضي. لا أحد يعلم كيف يبدو مثل السينما التقليدية أو الألعاب، كما أنه لن يكون مثل النظارات ثلاثية الأبعاد».


إعداد: نغم الماغوط
تدقيق: المهدي الماكي

المصدر الأول
المصدر الثاني
المصدر الثالث