فيروسات ما بعد زيكا
لازال الباحثون قلقين إزاء أربعةُ فيروسات تنتقل عن طريق الحشرات والقراد، والتي ربما لم نسمع بها بعد.

يراقبُ باحثو الأمراض الفيروسات المجهولة التي يمكن أن تنتشر بين البشر عن طريق الحشرات المتنقلة، والتي قد تشكلُ مشكلةً حقيقية، إذ تمتلئ الأبحاث العلمية بالأمراض التي تستدعي المراقبة، وتبرز الآن أربعة فيروسات نوعية لعلماء الفيروسات والأوبئة، بالرغم من عدم حتمية اعتبار أي منها المرشح التالي ليكون الزيكا- Zika أو فيروس غرب النيل- West Nile virus، ولكن يعطي الباحثون العديدَ من الأسباب لوجوب مراقبة هذا الرباعي الفيروسي:

“مايارو- Mayaro”

“على مدى عشر سنين اعتقدتُ أن مايارو على وشك أن يكون قادراً على التفاقم عند البشر والانتقال بشكل فعال بواسطة بعوضة Aedes aegypti (بعوضة الحمى الصفراء)،” يقول Scott Weaver، عالم فيروسات في جامعة Texas Medical Branch في غالفيستون.

يسبب مايارو مرضًا لا يمكن تمييزه سريريًّا عن فيروس شيكونغونيا- Chikungunya الذي ينتقل بواسطة البعوض، إذ تكون الأعراض نفسُها: حمى، قشعريرة، طفح، وألم مميز في المفاصل يدوم لأكثر من سنة، ولكن لا يهم في كل حال أيٌّ من هذين الفيروسين يوجد في جسمك، إذ لا تتوفر لحد الآن لقاحات ضد أي منهما.

وتعد نقاط التشابه مع شيكونغونيا سببًا آخر لاحتمالية تحول فيروس مايارو إلى مشكلة واسعة الانتشار، فكلاهما نُقِل في الأصل بواسطة بعوض الغابات، مُعديًا البشر في مناطق مثل أمازونيا، ولكن شيكونغونيا تأقلمَ سلفًا ليتم نقلهُ بواسطة بعوض المدن؛ مثل A. aegypti أو  Aedes albopictus، إذ سجلت أكثر من 100,000 حالة إصابة بالمرض في الأميركيتين لوحدهما في سيبتمبر 2016، ومثل هذا التأقلُم ربما يطرأ على مايارو أيضاً، إذ أظهرت التجارب المخبرية كون A. aegypti و  A. albopictus ناقلات محتملة لمايارو، بالإضافة لتسجيل حالات إصابة في مدن برازيلية كبيرة وبعيدة عن مناطق الغابات في السنوات الأخيرة، وتم تحري الفيروس في هاييتي في سبتمبر الماضي، مما يظهر المزيد من احتمالات تأقلم الفيروس مع دورة الحياة المدنية، “ربما تطور الفيروس ليَسهُل انتقاله في المدن.” يقول Weaver .

“حمى الوادي المتصدع-Rift Valley Fever”

تعتبر الإصابة بحمى الوادي المتصدع مرضًا بسيطًا يتمثل بحمى وقشعريرة بالنسبة لأغلب الناس، لكن يمكن أن تتطور لدى البعض إلى مرض نزفي شاذ أو التهاب الدماغ، وتكون نصفُ الحالات النزفية لحمى الوادي المتصدع قاتلة، ولا علاج لها.

منذ اكتشافه في كينيا في بدايات القرن العشرين، اقتصر وجود فيروس الوادي المتصدع على إفريقيا، ولكنه ترك هذه القارّة في عام 2000 فوصل إلى شبه الجزيرة العربية، وبحلول 2014 كان هناك عشرات الآلاف من إصابات البشر وملايين الوفيات من المواشي، وفي الأعوام الأخيرة تعرض الكثير من البشر للإصابة بالمرض النزفي (10% مقابل 1% من التشخيصات المبكرة)، “ما زال الباحثون لا يعلمون ما إذا كان الفيروس يتطور ليصبح أكثر قوة، أو أنهم أصبحوا أكثر خبرة في تحري الإصابات الشديدة في أفريقيا.” يقول Brian Bird، عالم فيروسات في جامعة كاليفورنيا، كلية دافيس للطب البيطري ومؤسسة الصحة.

تكمن مشكلة حمى الوادي المتصدع في إمكانية انتشارها بواسطة 30 نوعاً من البعوض، 19 منه يعود أصله لأمريكا الشمالية، ويمكن للحيوانات البرية والمنزلية على حد سواء أن تقوم بدور المخزن لهذا المرض، “إن للمواشي القدرة المناعيًّة على إبقاء هذا المرض في أميركا الشمالية أو أوروبا، وهو أمر يدعو للقلق، فإذا وصل إلى هنا، ستكون التأثيرات خطيرة على صحة الحيوانات والاقتصاد.” يقول Bird، وتعتبر الطريقة المرجحة لوصول حمى الوادي المتصدع إلى الولايات المتحدة هي عبر البعوض الحامل للفيروس على متن الطائرات والسفن، ولكن لحسن الحظ نجد تقدمًا جيّدًا في العمل على لقاح ضده.

“حمى كريمين كونغو النزفية-Crimean-Congo Hemorrhagic Fever”

تنتقل حمى كريمين كونغو النزفية بواسطة القراد، والذي يعتبر أمرا حسنًا كون الإصابات التي تنتقل بواسطة القراد تنتشر بشكل أبطأ من تلك التي تنتقل بواسطة البعوض، إلّا أن الخبر السيء هو أنّ نسبة الوفيات جراء كرميان كونغو ارتفعت إلى 40%.

اكتُشف الفيروس عام 1944، وتمكن حتى الآن من السفر من أفريقيا طول الساحل إلى الصين، ويظهر أن انتشار الفيروس قد تسارع في السنوات الأخيرة، ففي عام 2002 وصل إلى تركيا، مصيبًا 10 آلاف شخص بحلول عام 2015، وفي عام 2011 كان الفيروس قد وصل إلى الهند، وفي شهر سيبتمبر لعام 2016 سُجّلت أول إصابتين في إسبانيا، ومات شخص واحد، “إنه من الصعب جدًا تحديدُ فيما إذا كانت مقدمةً لسلالة جديدة من للفيروس، أم مؤشرًا على تغيرات البيئة التي تسمح للفيروس بالانتشار لهذه المنطقة من أوروبا.” يقول Bird، ويمكن للمرض أن يسبب طفحًا وحمّى، بالإضافة إلى النزف من أي منطقة في الجسم تقريبًا، وقد استُخدم دواء الريبافيرين- ribavirin المضاد للفيروسات لعلاج كريمين-كونغو ولكنه لم يكن فعالًا بشكل جيد.

وينتقل الفيروس عن طريق القراد، غالبًا من الجنس Hyalomma، الذي ينسلّ إلى أقطار أخرى مع تغير المناخ، فوُجد سابقا في ألمانيا عام 2015، وحتى في المملكة المتحدة، منتقلًا مع الطيور المهاجرة، وما يزال وجود القراد الذي يستطيع نقل كريمين-كونغو في أمريكا الشمالية غير معروف.

“فيروس Usutu”

“بعد صيفٍ حار بشكل غير عادي في أوروبا، نواجه انتشارا غير مسبقٍ لـUsutu عند الطيور في ألمانيا، فقد سبب حالات موت فوريّ كبيرة، ويبلّغ الزملاء في فرنسا وبلجيكا وهنغاريا وهولندا عن ظواهر مشابهة، وهذا جديد، فهجمات Usutu السابقة كانت جميعها محددة جغرافيًّا.” يقول Daniel Cadar، عالم فيروسات في مؤسسة Bernhard-Nocht للطب المداري-Tropical Medicine في هامبورغ.

Usutu هو فيروس يصيب الطيور، وينتقل بواسطة بعوض Culex العادي، مسببًا مرضًا يشبه حمّى فيروس غرب النيل- West Nile virus fever صداع رأس وحمّى ومشاكل عصبية. ولكن لحد الآن تنتهِ معظم إصابات Usutu لدى البشر دون أعراض. تشير دراسةً نُشرَت في سبتمبر الجاري في دوريّة Clinical Microbiology and Infection، أن أكثر من 6% من الإيطاليين حول Modena قد أُصيبوا مؤخرًا وبشكل غير معلوم بهذا الفيروس، بينما تظهر أعراضٌ شديدة على الأرجح عند الأشخاص ضعيفي المناعة، كما تم الإبلاغ في كرواتيا عام 2013 عن ثلاث حالات فقط، ومع ذلك يقول Weaver أنه علينا ألا نقلل من شأن هذه العدوى.

ويحذّر: “فيروس Usutu ليس بعيدًا عن حمّى غرب النيل منذ عشرين سنة مضت، بحيث كان هناك بعض الحالات الصغيرة في شرقي أوروبا، ولكن الناس في الغالب لم يظنّوا أنه أمر خطير، وبما أن Usutu يصيب الطيور، فيمكنه أن يجول مناطق مختلفة من العالم، تمامًا مثل فيروس غرب النيل.” وربما يؤدي تغير المناخ إلى المزيد من الطيور المصابة، وإمكانيةً أكبر للتماس بين الفيروس والبشر أيضًا.


ترجمة: سارة وقاف.
تدقيق بدر الفراك

المصدر