ما سر القدرة الخارقة للدماغ البشري في التعرف على الوجوه؟


تخيّل دخولك للمقهى الذي تجتمع فيه أنت وصديقتك المفضلة كل يومٍ على مدى العام، ثم تخيل أنّك غير قادر على التعرف على صورتها من بين الناس، فتبعد نظرك عن وجهها وكأنّها شخصٌ غريب.

والآن، تخيّل دخولك لقطار مزدحم، وتعرّفك على الشخص الذي اصطدمت به في محل البقالة منذ ست سنوات.

تعتبر هاتان الحالتان أمرًا طبيعيًا عند حوالي 1% من مجموع السكان، فالسيناريو الأول يحصل كثيرًا للأشخاص الذين يعانون من «عمه الوجوه»، وهو شكل من أشكال العمه البصري يتجلى بعدم القدرة على التعرف على الوجوه، ويدعى «prosopagnosic»

أمّا السيناريو الثاني فهو يعبر بشكل تقليدي عما يسمى «المتعرّف الخارق»، وهو شخص يمتلك قدرات خارقة في التعرف على الوجوه المألوفة، حتى وجوه الغرباء.

لذلك، يريد كلٌ من علماء النفس، وعلماء الأعصاب، وحتّى رجال الشرطة أن يفهموا بشكل أفضل قدرة الدماغ البشري المميزة في التعرف على الوجوه، وقد بدؤوا بفعل ذلك من خلال دراسة هاتين المجموعتين.

هناك شيء مميّز حول الوجوه:

يشير العلماء إلى أن التعرف على الوجوه يختلف بشكل كبير عن الذاكرة التقليدية بعدة نقاطٍ أساسية.

بدايةً، لا يمكنك تعلم عملية التعرف على الوجوه، إضافة لذلك، تتميز هذه العملية بامتلاكها مناطق خاصّة في الدماغ، إذ يظن العلماء أنهم سيستطيعون قياسها قريبًا.

على سبيل المثال، إنّ المتعرف الخارق -مقارنة مع الشخص الذي يعاني من عمى الوجوه- قد يمتلك منطقة للتعرف على الوجوه «مغزلية» وأكبر قليلًا، وهي منطقة خاصة في الدماغ يُعتقد أنها تلعب دورًا رئيسيًا في قدرتنا على التعرف على الوجوه، وبالمقارنة أيضًا مع الشخص المصاب ب «عمه الوجوه»، يمكن للمتعرف الخارق أن يظهر نشاطًا أكبر في هذه المنطقة «المغزلية» من الدماغ، وذلك عند عرض صور الوجوه عليه.

قال براد دوشاين عالم أعصاب في جامعة لندن لمجلة بيزنس إنسايدر «Business Insider»:

«إن أي اختلاف نفسي يكون ذا أساس عصبي، فالوضع مشابه لرؤيتك سيارتين الأولى أسرع من الثانية، ستقول: يا للعجب! هل هناك اختلاف بين محركيهما؟ نعم بالطبع هناك اختلاف».

يفتقر دوشاين والباحثون الآخرون للمعلومات اللازمة لتأكيد هذا في الوقت الحالي؛ فمعظم الدراسات الموجودة حول «المتعرّف الخارق» و«الشخص المصاب بعمه الوجوه» صغيرة نسبيًا، وأكثر الفرضيات المثيرة للاهتمام حول قدرات المجموعتين لم تُنشر بعد في الدوريات الخاضعة للمراجعة.

وبالرغم من ذلك، فقد وضع البعض هذه الأفكار في موضع التنفيذ، فعلى سبيل المثال، تملك شرطة لندن فريق مهمات خاصة يدعى وحدة المتعرّفين الخارقين، إذ يُستدعى عناصر هذه الوحدة للمساعدة في حل القضايا التي لم تحل بشكل كامل بعد، وذلك لقدرتهم على التعرّف بدقة على الوجوه من خلال فيديوهات المراقبة سيئة الدقّة.

قال إليوت بوريت، وهو قائد هذا الفريق، ورقيب محقق مع شرطة العاصمة لندن لمجلة بيزنس إنسايدر:

«لقد حقق البرنامج منذ أن بدأ في عام 2011 نجاحًا كبيرًا في التعرف على المشتبهين، إضافة إلى أنه من الجيد جدًا أن تقول إنك قد رأيت هذا الشخص سابقًا، ولكن أين ومن هو هذا الشخص؟ هذه هي الأسئلة التي تسعى وحدتي دومًا لمعرفة جوابها»

نشر هذا المقال أساسًا في مجلة إنسايدر للعمل في 2016.


المترجم: عماد دهان
تدقيق: ولاء سليمان

المصدر