يبدو أننا قد توصلنا أخيرًا لمعرفة من أين تأتي الأجسام الكبيرة في الكون!


لاحظ علماء الفلك ميلاد واحدةٍ من أكبر الأشياء حجمًا في الكون –مجرةٌ مهولة الكتلة تُسمَّى بمجرة «الشبكة العنكبوتيَّة»– وقد شاهدوا طريقة تكوُّنها بشكل مختلف تمامًا عمَّا كُنَّا نتوقعه. فحتى الآن كُنَّا نُشاهد بعض المجرات التي تصل إلى هذه الأحجام العملاقة عن طريق إبتلاع مجرات أخرى أصغر حجمًا. ولكن الدراسة تقترح أنَّه منذ 10 مليارات سنة ومجرة «الشبكة العنكبوتيَّة» تزداد حجمًا بالتهامها حساء من الغاز الجزيئي البارد.

ويقول (بجورن إيمونتس- Bjorn Emonts)، قائد الفريق البحثي من مركز بيولوجيا الفضاء بإسبانيا: «إنَّ هذا يختلف عمَّا نراه في الكون القريب، حيثُ أنَّ المجرات في مجموعات تنمو بتفكيك المجرات الأخرى، أمَّا في هذه المجموعة تنمو المجرة العملاقة بتغذيتها على حساء الغاز الجزيئي البارد الغارقة فيه».

وقد كُنَّا دومًا نفترض مُعتمدين على ما نراه من الكون القريب حولنا أنَّ المجرات الضخمة الخارقة الحجم «مجموعات من آلاف الملايين من المجرات» تكوَّنت من المجرات الأصغر التي إقتربت من بعضها البعض حتى إندمجت في النهاية بفعل قوى الجاذبيَّة.

ولكن هذا لا يبدوا تفسيرًا منطقيًا للأيام الأولى لنشأة الكون، حينما كان هناك نجوم ومجرات وليدة بالكاد تكفي لتتحرَّك في الأنحاء.

وكتبت (نينا هاتش- Nina Hatch)، عالِمة الفلك بجامعة نوتينجهام في المملكة المُتَّحدة والتي لم تُشارك في هذه الدراسة، قائلةً: «يُمكن رؤية المجرات بالغة الضخامة في الأيام الأولى لنشأة الكون، ولكن وجودها في هذا التوقيت يُحير لأنَّنا لم نفهم كيف أصبحت بهذه الضخامة في وقت قصير جدًا، وكيف حصلت على الوقود اللازم لتكوين النجوم بتلك السرعة».

ولنكتشف ماذا حدث في الماضي، وجدَ الفريق أنَّ مجرة «الشبكة العنكبوتيَّة» البعيدة جدًا ليست مجرةً واحدة، ولكنها مجموعة من المجرات البُرُوتونيَّة الوليدة التي تبعد عن الأرض 10.6 مليون سنة ضوئيَّة.

وهذا يعني أنَّ ما نراه الآن من تلك المجرة هو كيفيَّة نشأتها وتكوينها حينما كان عمر الكون أقل من 4 مليارات عام. واستنادًا على معرفتنا بتكوين المجرات الخارقة اليوم، فقد اعتقد الفريق بأنَّهم سيرون النجوم والمجرات تتكوَّن من غاز الهيدروجين القياسي، ثم تُسْحَب هذه المجرات الصغيرة معًا لتُشَكِّل مجرات أخرى أكبر. ولكن بدلًا من ذلك فإنَّ مجرة «الشبكة العنكبوتيَّة» العملاقة تكثَّفت مباشرةً من السحابة الغازيَّة.

ولأنَّ غاز الهيدروجين يصعب قليلًا ملاحظته بشكل مباشر، لذا عمد الفريق البحثي على تتبُّع غاز أول أكسيد الكربون في المجرات البعيدة والذي يُشير بدوره إلى وجود غاز الهيدروجين.

واستنادًا إلى ملاحظتنا لغاز أول أكسيد الكربون، فبعد حسابات دقيقة قام بها الفريق البحثي وجدوا أنَّ سحابة غاز الهيدروجين لازالت ضخمةً جدًا بدلًا من أن تكون مُستهلكة. فكتلتها تبلغ حوالي مئة ألف مليون مرة من كتلة الشمس وقطر حوالي ثلاثة أضعاف قطر مجرة «درب التبانة»، وهذا أكثر بكثير مما كانوا يتوقعونه، إذا كانت المجرات الصغيرة تستهلك كُلَّ الهيدروجين.

ووجد الفريق أيضًا على غير المتوقع أنَّ حرارة الغاز منخفضة جدًا فتبلغ حوالي -200 درجة سيليزيَّة.

ويقول (ماثيو لينارت- Matthew Lehnert) من معهد الفيزياء الفلكيَّة بباريس: «إنَّها مفاجأةٌ، فقد توقَّعنا أن نجد العديد من المجرات المُتصادمة، والتي رفعت بدورها من درجة حرارة الغاز، ولهذا السبب كُنَّا نعتقد أنَّه من الصعب أن نكتشف غاز أول أكسيد الكربون».

وعلى النقيض، فإنَّ غاز أول أكسيد الكربون كان موجودًا بوفرة ولكنْ لم يتم اكتشافه بداخل المجرات الصغيرة مع أنَّه كان ينتشر بين تلك المجرات، ممَّا يجعلنا نعتقد أنَّه تم امتصاصه مباشرةً بواسطة المجرات العملاقة. وتفسير كيفيَّة تكوُّن تلك المجرات الخارقة أمرٌ مهمٌ جدًا، ذلك لأنَّها تحتوي على أكبر مجرات في كوننا، وتجعلنا أيضًا نفهم لماذا يبدو الكون على ما هو عليه الآن.

ويضيف (جورج ميلي- George Miley)، عضو في الفريق البحثي من جامعة ليدين بهولندا: «الشبكة العنكبوتيَّة هي مختبر مذهل، يُتيح لنا مشاهدة ولادة المجرات العملاقة في مجموعات، والتي تُكوِّن فيما بعد المدن الكونيَّة. لقد بدأنا نفهم كيف لهذه الأشياء الكبيرة أن تتكوَّن من محيط من الغاز».

وعلى الرغم من أنَّ هذه خطوة أولى مثيرة، فإنَّ الفريق يبحث الآن عن مصدر أول أكسيد الكربون في المقام الأول.

فيقول «إمونتس» أيضًا: «يعتبر أول أكسيد الكربون منتجٌ ثانوي داخل تكوين النجوم، ولكن لدينا بعض الشكوك حول مصدره، أو كيف تجمَّع في مركز تلك المجموعة من المجرات العملاقة، ولكي نعرف ذلك علينا البحث أكثر بتعمُّق في تاريخ الكون».


إعداد: محمد خالد عبدالرحمن
تدقيق: هبة فارس
المصدر