العلماء يؤكدون توصلهم لشكل جديد تمامًا من المادة

إنها بلورات الزمن


منذ أشهر، كان هناك تخمينات بأن الباحثين ربما تمكنوا أخيرًا من إنشاء بلورات الزمن؛ وهي بلورات غريبة ذات بنية ذرية تتكرر ليس فقط في الأبعاد المكانية بل في البعد الزمني أيضًا، بحيث تحافظ على حركتها الدائمة في هذه الأبعاد ومن دون طاقة.

الآن أصبح الخبر رسميًّا، فقد أعلن العلماء للتو عن تفاصيل كيفية إنشاء وقياس هذه البلورات المميزة، وادّعى فريقان بحثيان مستقلان أنهما أنشآ بالفعل بلورات الزمن في المختبر اعتمادًا على مخطط خاص، مؤكدين توصلهم لشكل جديد تمامًا من المادة.

 

هذا الاكتشاف يمكن أن يبدو نظريًّا قليلًا، ولكنه في الحقيقة يفتتح عصرًا جديدًا كليًّا في الفيزياء.

لعقود من الزمن كنا دومًا ندرس المادة التي تعرَف على أنها متوازنة، مثل الفلزات والعوازل.

لكن، توقع بعض العلماء أن هناك الكثير من الأنواع الغريبة غير المتوازنة من المادة هناك في أنحاء الكون المختلفة، والتي لم نبدأ بالبحث عنها بعد، متضمنة بلورات الزمن. الآن نحن نعلم أنها حقيقية!

إنَّ حقيقة أننا نملك الآن أول مثال عن المواد غير المتوازنة يمكن أن تقودنا إلى تقدم كبير في معرفتنا بالعالم من حولنا، إضافة إلى التقدم الذي يمكن أن ننجزه في العديد من التقنيات الجديدة مثل الحوسبة الكمومية.

يقول قائد البحث نورمان ياو (Norman Yao) من جامعة كاليفورنيا بيركلي (California Berkeley): «إنَّ هذا لطورٌ جديد تمامًا من المادة، وهذا رائع للغاية لأنه يعتبر أحد أول الأمثلة على المواد غير المتوازنة».

ويضيف: «لقد أمضينا النصف قرن الأخير في إجراء الأبحاث حول المواد المتوازنة، مثل الفلزات والعوازل.

لكننا الآن على وشك البدء بالبحث في نطاق جديد تمامًا ألا وهو المواد غير المتوازنة».

الآن، دعنا نأخذ خطوة صغيرة للخلف حول تاريخ طرح فكرة بلورات الزمن، لأن مبدأ هذه البلورات كان قد طُرح من قبل العلماء منذ سنين.

 

بدايةً، توقع عالم الفيزياء النظرية الفائز بجائزة نوبل فرانك ويلكزك (Frank Wilczek) عام 2012 وجود بلورات الزمن، حيث افترض أن بلورات الزمن عبارة عن بنى تبدو أنها تمتلك حركة حتى في أخفض مستويات الطاقة، والتي تدعى في الوسط الفيزيائي الحالة الأرضية.

عادةً، عندما تكون المادة في الحالة الأرضية، والتي تعرف أيضًا بطاقة نقطة الصفر للنظام، هذا يعني أن الحركة يجب أن تكون مستحيلة نظريًّا، لأن هذا سوف يتطلب منها استهلاكًا للطاقة. لكن ويلكزك توقع أنَّ هذا ليس ما ستتصرفه بلورات الزمن في هذه الظروف.

للبلورات العادية بنيات ذرية تتكرر في الأبعاد المكانية مثل البنية الكربونية لمعدن الماس.

فبلورات الياقوت والماس عديمة الحركة لأنها تكون حالة إتزان عندما تكون في الحالة الأرضية.

لكن لبلورات الزمن بنية لا تتكرر فقط في الأبعاد المكانية؛ ولكن في البعد الزمني أيضًا وتحافظ على حالتها الاهتزازية حتى لو كانت في حالتها الأرضية.

تخيل مثلًا الهلام، عندما تقوم بتحركيه سيتحرك بشكل متكرر.

نفس الشيء يحدث في بلورات الزمن، ولكن الاختلاف الأكبر يكمن في أن الحركة هنا تحدث من دون تزويدها بالطاقة على الإطلاق.

إنَّ بلورات الزمن تشبه تمامًا الهلام المهتز بشكل مستمر، في حالته الطبيعية (الأرضية).

هذا ما يجعل من هذه البلورات شكلًا جديدًا تمامًا من المادة -المادة غير المتوازنة-. إنها غير قادرة على البقاء بحالة مستقرة.

ولكن في الحقيقة، توقُّع وجود بلورات الزمن شيء وطريقة إنشائها في المختبر شيء آخر تمامًا، وهذا ما تعمقت به الدراسة.

لقد توصل ياو وفريقه الآن إلى مخطط مفصل يشرح تمامًا كيفية إنشاء وقياس خصائص بلورات الزمن، وحتى أنه يتنبأ بالحالات التي يمكن أن تكون عليها بلورات الزمن، ما يعني أنهم حددوا تكافؤ الحالات الصلبة والسائلة والغازية من الشكل الجديد للمادة.

حيث نُشر هذا البحث في مجلة (Physical Review Letters)، وقد سمى ياو الورقة البحثية باسم “الجسر بين الفكرة النظرية والتطبيق التجريبي”.

إنَّ هذا ليس مجرد تخمين، حيث وبالاعتماد على المخطط الذي توصل إليه ياو وفريقه، قام فريقان -الأول من جامعة ماريلاند والثاني من هارفارد- باتباع الخطوات لإنشاء بلورات الزمن الخاصة بهما.

 

وبينما ننتظر الأوراق البحثية لتصدر عن الفريقين الباحثين، نحتاج لأن نكون مشككين قليلًا حول ادعائي الفريقين.

لكن حقيقة أن فريقين منفصلين تمامًا قد استخدما نفس المخطط لإنشاء بلورات الزمن باستخدام نظامين مختلفين تمامًا تعتبر واعدة.

بالنسبة لبلورات الزمن التي قام فريق جامعة ماريلاند بإنشائها، فقد تم ذلك من خلال أخذ خط مؤلف من 10 أيونات من عنصر الإيتربيوم (ytterbium) المصطفة على شكل خط الكونغا (مشابه لوضع راقصي الكونغا)، وجميع الأيونات كانت تمتلك إلكترونات متشابكة في مداراتها.

لقد كانت الطريقة لتحويل هذه الأيونات إلى بلورات زمن هي الحفاظ على الأيونات خارج حالة التوازن، وللقيام بهذا قام الباحثون بتعريضها لشعاعين من الليزر.

الشعاع الأول أنشأ مجالًا مغناطيسيَّا والآخر عكس مدار الذرة جزئيًّا.

ولأن مدارات جميع الذرات متشابكة، تستقر الذرة في حالة ساكنة، مكررة نموذجًا من دوران المدار، وهذا ما يعطي بدوره بلورات عادية.

لقد كان هذا عاديًا بما يكفي، لكن لتحويل هذه البلورات إلى بلورات الزمن، يجب أن يكسر النظام حالة التناظر الزمني.

من خلال رصد ذرات الإيتربيوم، لاحظ الباحثون أنها تتصرف بشكل غريب.

إنَّ شعاعي الليزر اللذين كانا يدفعان ذرات الإيتربيوم بشكل متزامن كانا ينتجان تكرارًا ما في النظام بمقدار ضعف طور الدفع، أمرٌ من المستحيل أن يحدث في نظامٍ عاديّ.

يقول ياو: «ألن يكون أمرًا شديد الغرابة إذا دفعت الهلام، ووجدت بطريقة ما أنه يستجيب بطور مختلف تمامًا؟».

ويضيف: «هذا هو جوهر عمل بلورات الزمن. أنت تعرض البلورة لدفع بطور ما (T)، ولكن النظام بطريقة ما يتزامن، فترصد النظام بتذبذب بطور أكبر من (T)».

تحت الحقول المغناطيسية المختلفة ونبضات الليزر، يتغير طور بلورات الزمن، تمامًا مثل تذويب مكعب من الجليد.

أما عن فريق هارفارد، فقد كان يعمل على تصنيع بلورات الزمن بشكل مختلف تمامًا.

لقد حصل الباحثون عليها من خلال استخدام المراكز المليئة بالنتروجين في الماس، وقد حصلوا على نفس النتائج.

 

يشرح فيل ريشيرم (Phil Richerme) من جامعة إنديانا قائلًا: «لقد تمَّ تحقيق نتائج متشابهة في نظامين مختلفين تمامًا، وهذا ما يقودنا إلى أن بلورات الزمن تمثل طورًا جديدًا تمامًا من المادة، وليس مجرد فضول في نظام أكثر ضيقًا وصغرًا».

ريشيرم لم ينضم للدراسة، لكنه شارك في جزء من الورقة البحثية.

ويختتم قائلًا: «إنَّ الرصد لبلورات الزمن المتقطعة يؤكد أن كسر التناظر يمكن أن يحدث بشكل أساسي في جميع العوالم، ويوضح الطريق أمامنا للعديد من السبل البحثية».


ترجمة: منار نعيم

تدقيق: دانه أبو فرحة

المصدر