ناسا على وشك أن تصنع أكثر الأماكن برودة في الكون المعروف


ناسا على وشك إطلاق أبرد مكان على سطح الأرض – مٌختبر الذرة الباردة (كال) – إلى مداره، حيث سيُمكِّن رواد الفضاء من خلق ظروف لم تُرى من قبل بدرجات حرارة أبرد بمئة مليون مرة من الفضاء السحيق. مُختبر الذرة الباردة سيكون على متن الصاروخ (SPACEX) إلى محطة الفضاء الدولية، حيث يؤمل أن يكشف لنا ذلك الصندوق الفائق البرودة عن الفيزياء الجديدة والغريبة حيث تنخفض درجة حرارة الذرات إلى حوالي مليار درجة بعد الصفر المطلق.
يقول “روبرت طومسون” عالم في مشروع (كال) من مختبر الدفع النفاث الخاص بوكالة ناسا:«دراسة هذه الذرات الفائقة البرودة قد يُغير من طريقة فهمنا للمادة والطبيعة الأساسية للجاذبية، التجارب التي سنقوم بها عن طريق (كال) ستُعطينا رؤية أوضح عن الجاذبية والطاقة المظلمة، وهما من أكثر القوى المنتشرة في الكون».

في حالة أنك لم تكن على دراية بأبرد الأماكن على وجه الأرض حتى ثلاثين ثانية مضت، فإن مختبر الذرة الباردة لوكالة ناسا عبارة عن صندوق جليدي في حجم الصدر مُجهز بالليزر، وحجرة مفرغة من الهواء و”سكين” كهرومغناطيسي ليُبطيء من الجزيئات فيجعلها أقرب إلى حالة السكون. هذه الأداة مازالت في طور الإنشاء لذلك فإن المهمة مُخطط لها الإنطلاق في أغسطس 2017 وسيكون أول اختبار حقيقي لها.

الخطة هي أن يمتليء ذلك الصندوق بجزيئات الغاز ويتم وضعه خارج محطة الفضاء الدولية، حيث ستُمكِّن بيئة إنعدام الجاذبية الباحثين من ملاحظة الظواهر الكمومية التي لم تسبق رؤيتها والتي يستحيل اكتشافها على سطح الأرض.

ومن اللافت للنظر أيضاً تلك الحالة الغريبة للمادة التي تُدعى تكاثف بوز أينشتاين حيث تتحول الذرات إلى أطوال موجية غامضة في درجات حرارة مختبر الذرة الباردة والتي لم تسبق ملاحظتها من قبل. توضح ناسا أيضا أن تلك الحالة تتميز بانعدام اللزوجة، حيث تتمكن الذرات من الحركة بدون احتكاك كما لو كانت مواد صلبة منفردة.

تقول “أنيتا سينجوبتا” مديرة مشروع (كال):« إذا كان لديك كمية من المياه فائقة الميوعة وقمت بتدويرها في كأس حول نفسها فإنها ستظل على تلك الحالة للأبد، فلا يوجد هناك لزوجة لتُبطيء من حركتها وتبدد الطاقة الحركية، إذا استطعنا فهم فيزياء السوائل فائقة الميوعة بشكل أفضل فمن المحتمل أن نستطيع استخدامها في نقل الطاقة بكفاءة أكبر».

تنال حالة تكاثف بوز أينشتاين اهتمام العديد من الفيزيائين لأنه في هذه الحالة تتحول قوانين الفيزياء من الكلاسيكية كالنظرية النسبية العامة لأينشتاين إلى الفيزياء الكمومية، وتبدأ المادة في التصرف وكأنها أمواج أكثر من كونها جزيئات. فهم هذا الانتقال هو مفتاح حل أحد أكبر الأسئلة في الفيزياء الحديثة، إذا استخدمنا النظرية النسبية العامة ونظرية المجال الكمي منفصلين كل على حدة فسنتمكن من تفسير أكبر وأصغر الأشياء في الكون بالترتيب، ولكن حتى الآن لم يتمكن أي فيزيائي من توحيد النظريتين في نظرية واحدة مُرتقبة (نظرية كل شيء).

لهذا السبب فإن الفيزيائيين يرغبون دوماً في التحديق في حالة تكاثف بوز أينشتاين لأيام، ولكن نتيجة جاذبية الأرض التي تضع نهاية سريعة لحالة السقوط الحر الضرورية لإبقاء هذه المادة الغريبة، يمكن ملاحظتها فقط لمدة أجزاء من الثانية فقط. أما في بيئة منعدمة الجاذبية كالفضاء فإن على العلماء أن يحصلوا على نظرة فاحصة للأشياء بسرعة أكبر، فإن ناسا تتوقع أنهم سيستطيعون الإبقاء على حالة تكاثف بوز أينشتاين في (كال) لمدة من 5 إلى 10 ثواني في الفضاء.

لن يساعدنا هذا فقط في اكتشاف ما يربط الفيزياء الكلاسيكية والكمية معاً، ولكن سيجعلنا أكثر تفهماً لحالة تكاثف بوز أينشتاين مما سيؤدي إلى مجسَّات وتليسكوبات وساعات ذرية أكثر دقة يُمكن إستخدامها في أنظمة الملاحة في سُفن الفضاء، ويمكنها حتى أن تُعجل من وصولنا إلى أول حاسوب كمومي في العالم.

يقول “كمال أودريري” نائب مدير مشروع (كال):« مثل العدسات الجديدة لأول تليسكوب لجاليليو، فإن الذرات الباردة فائقة الحساسية في (كال) لديها القدرة على اكتشاف العديد من الألغاز خلف حدود الفيزياء المعروفة».
نحن في إنتظارك يا أغسطس، نريد أن نرى ذلك الشيء يعمل.


ترجمة: محمد خالد عبدالرحمن.
التدقيق: أسامة القزقي.
المصدر