ماذا لو بادلنا أماكن كوكبي الأرض والمريخ؟


في ورشةِ عملٍ نظّمها ” Foundation Questions Institute”، قام الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل (جيرارد ت هوفت -Gerard ‘t Hooft) بتقديم بعض الملاحظات غير الرسميّة عن الطبيعة العميقة للواقع.

وناقش أفكاره لشرح ميكانيكا الكم وفي إطار البحث عن قياسٍ مماثل للفيزياء الأساسيّة، طلب جيرارد من الحضور تخيُّل ما سوف يحدث لنظامنا الشمسي إذا ما قُمنا فجأةً بتبديل مواقع الأرض والمريخ بين بعضهما البعض.

بالتأكيد سيكون (المريخيون) سُعداء بهذا الإجراء الجديد.

 

حيث أنَّ زيادةً بسيطةً إلى حدٍ ما في درجة حرارة المريخ من شأنها أن تذوِّب القِمم الجليدية القطبية وتحرر الغازات من التربة، وبذلك ينقلب المناخ المريخي رأسًا على عقب ليُمسي أكثر دافئًا مثل الأرض.

في مقال نُشر عام 1999، تخيَّلَ عالم الكواكب (كريس ماكاي -Chris McKay) استبدال موقع المريخ من خلال بناء مصانع لضخ الغازات الدفيئة، ولكن تحريك الكوكب أقرب إلى الشمس بالتأكيد سوف يقوم بهذا الفعل أيضًا.

ستكون فرصةُ حياة سكّانُ الأرض أقصر بعد هذا التبادُل.

سيكون ضوء الشمس نصف مكثّف ليؤدّي في نهاية المطاف إلى تجمّد كوكب الأرض.

في المنظور الأوسع للأشياء، وعلى الرغم من اعتقادك بعدم تغيُّر أي شيء، فإن كتلة الكوكب وفقًا (لقوانين كبلر-Kepler’s laws ) ليس لها أيُّ تأثير على مداره تقريبًا؛ في الواقع إنَّ كتلة الشمس هي ما يسيطر على الأشياء.

وعلى الرغم من أن الأرض أثقل من المريخ بعشرة أضعاف، فإنها لا تزال تتلاشى على طول المسار القديم للمريخ.

كلًّا من المريخ والأرض يتّجهان هبوطًا نحو الشمس دائمًا ، وجميع الأجسام الهابطة تهبط بنفس هذا المعدل.

 

لكن قوانين كبلر لا تأخذُ في الحسبان اضطرابات الجاذبية غير الملحوظة والتي تُمارسها الكواكب على بعضها البعض.

فإعادة تموضع الكواكب، تشوّش هذه الاضطرابات، وليس من الواضح ما سيحصل بعدها.

لذلك تم طرح السؤال على عالمة فيزياء الكواكب من جامعة أريزونا (رينو مالهوترا -Renu Malhotra)، والتي كانت واحدةً من أوائل العلماء الذين تعرّفوا على الكواكب التي هاجرت في وقت مبكر من تاريخ النظام الشمسي.

فقد كان تخمينها الأوّلي أن القرب من الأرض من شأنه أن يُخفف من حزام الكويكبات، ولكن مدارات الكواكب لن تتزعزع، على الأقل ليس على الفور.

لذا اقترحت أن يتم تشغيل كومبيوتر مُحاكاة للتحقق من ذلك.

وكانت النتائج مُفاجئة بعض الشيء.

حيث أنَّ هذا التبديل الكوكبي يَجعل النظام الشمسي الداخلي بحالة فوضى تامة.

فعلى الرغم من أن أيًّا من الكواكب الداخلية تُطرد خارج النظام الشمسي في السنوات العشرة ملايين الأولى، فإنَّها بالمُجمل تخضع لتغيُرات كبيرة في مسافاتها المداريِّة.

ومن وقتٍ لآخر، فإنّ المريخ ينحدر إلى الداخل ليصبح الكوكب الثاني بعد الشمس.

ولملاحظة هذه الاختلافات، اضطرّت العالمة (مالهوترا) لاستخدام زيادة زمنيّة أصغر في المحاكاة مما كانت تتوقعه، وبالتالي فإنّ كُل كمبيوتر يعمل سيستغرق يَوم تقريباً ليُكمل عمليّة المُحاكاة.

 

وكإجراءٍ قياسي مُعتاد في حساب الإضطرابات ولتسريع الأمور، حاولت تجاهل كوكب عُطارد، على افتراض أنّه كوكب صغير لدرجة أن جاذبيّته غير ماديّة.

ولكن ليس في هذه الحالة، فمن غير كوكب عطارد سوف تضطرب الكواكب الداخليّة الثلاث الأخرى في غضون بضعة ملايين من السنين، وسينطلق المرّيخ في الفضاء الواسع.

هذه الحساسية تجاه كوكب عُطارد هي دليلٌ آخر على أن تبديل النظام سيؤدّي إلى فوضى على نحوٍ عارم..

يُظهر هذا الرسم البياني النظام الشمسي الفِعلي. قامت (مالهوترا) بتخطيط نطاق المسافات المداريّة لكلِّ كوكب كما يلي:

*(بيرهيلون -Perihelion): أقرب النُقاط إلى الشمس.

*(أفيليون -Aphelion): أبعد النقاط عن الشمس.

*(محور سيميماجور -Semimajor): يقع في المنتصف.

وكما أظهر العالم (لابلاس -Laplace) في أواخر القرن الثامن عشر، بأنَّ نظامنا الشمسي بحالةٍ مستقرة، ومحاور Semimajor ثابتة وشكل المدارات متفاوت إلى حدٍ ما على فتراتٍ مختلفة، من عشرات الآلاف من السنين إلى ملايين السنين.

يُظهر الرسم البياني التالي النظام المُتبدِّل، نلاحظ مدى اتساع النطاق في المسافات المداريَة لكل كوكب.

فسبب هذا الاتساع بالنسبة للأرض هو قُربها من المشتري، أمّا بالنسبة للمريخ فهذا لأنّه يقع في الوسط.

بالكاد يحدث تغيير في كوكبُ الزُهرة، في حين سينطلقُ كوكب عُطارد في أرجاءِ الفضاء ككرة (البينغ بونغ)
الكواكبُ الخارجيّة أيضًا كانت مشمولةً ضمن مُحاكاة العالمة (مالهوترا) لأنها تتحرك ببطء وتثاقُل وكأن شيئًا لم يتغيّر في النظام.

جاءت هذه النتائج داعمةً لوجهة النظر الناشئة حول أنّ النظام الشمسي يعيش على حافّة الفوضى، وجهة النظر هذه كانت قد نوقِشت منذ عدّة سنوات مع البروفسور (دوغ لين -Doug Lin).

لربما كانت الكواكب غير مُستقرة في سنوات تكّوينها وأنَ تغييرًا كان قد طرأ على الكواكب فأعاد تموضعها أو طردَ بعضها خارج المجموعة حتى تباعدت المدارات بشكلٍ كاف.

أيُّ تغييرٍ كبير من شأنه أن يدفع النظامَ من على حافة الفوضى مجددًا. هذه الحالة تُماثل فنجان القهوة المملوء تمامًا حتّى الحافّة، يُمكنك استنتاج أنّ قليلًا من القهوة قد انسكب من على حافّة الفنجان وأي شيء تفعله للفنجان من المحتمل أن ينسكب منه المزيد من القهوة.

وقد أيّدت (مالهوترا) وجهة النظر هذه في الماضي، ولكنّها حذّرت بأنّ النظام الشمسي أكثر استقرارًا مما يوحي عُمرَه، لذا يبقى السؤال برُمَته بلا حل – أليس هذا مثيرًا ! –


ترجمة: رامي الحرك

تدقيق: أسمى شعبان

المصدر