قبلَ مئات السنين، كان المهندسون المعماريّون والمدنيّون يقومون بنفس الدَور تقريبًا، حيث كان هدفهم النهائيّ إنشاءَ بناء مُلائِم للمتطلّبات، سواء كان حظيرةً بدائيّة أو كاتدرائيّة قوطيّة ضخمة. ولكن، كما هو الحالُ مع كثيرٍ من جوانب الحياة، فقد أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا وتطوّرت التكنولوجيا على مرِ السنين لتفصل بين الهندسة المهمارية والهندسة المدنية.

في أيّامنا هذه، أصبح للناس تطلُّعاتٌ أكبر لما يجب أن تكون عليه المباني، وعلى ضوءِ هذا، برزَت أدوارٌ مُحددة جدًا في صناعة البناء والتشييد، ولكلِّ دورٍ منها غرضٌ مميّز.

ومع ذلك لايزال هنالك درجة من الارتباك في كثيرٍ من الأحيان بخصوص الفوارق بين تلك الأدوار.

الفرق بين الهندسة المدنية والهندسة المعمارية

قد يعتقد البعض أن المهندسين المعماريين هم الفنّانين، في حين شركات الهندسة المدنيّة تعمل على تنفيذ الجانب العملي لعمليّة البناء.

بالرغم من ذلك، فإنَّ الأمر ليس بهذه البساطة تمامًا. فمن الصعب إنكار أنَّ الهندسة المدنيّة تمتلكُ الجمال الفنّي من تلقاء نفسها.

فإذا كان المهندسون المِعماريّون هم من يُوفِّرون الإلهام الفنّي، فإنَّ المهندسين المدنيين هم من يُوفّرون لوحة القماش وفرشاة الرسم.

لابدَّ لنا أن نرجِع خطوةً للوراء وذلك لفهمِ التعاريف الرسميّة لكلا الدورين. في الأساس، فإن المعماريّ مُتخصّصٌ في جماليّات ووظيفة التصميم والعمل على تطوير ما سيتم بناؤه، وكيف سيبدو، بالإضافة للتأكد من أن التصميم يُحقق الغرض المرجوّ منه.

في حين يهتمُّ المهندس المدنيّ بالعناصر الإنشائيّة المُتعلِّقة بالتصميم وعمليّة التطوير.

ويبدأ بتحويل التصميم إلى واقع ملموس، مع التركيز على سلامة المشروع ومواد البناء والجدوى العامة منه.

الآن أصبح من الواضح أنَّ العلاقة بين المهندسين المعماريين والمدنيين قائمةٌ على التعاون فيما بينهما، وفي أيّ حالٍ من الأحوال، لا يمكن لأحدهما أن يَحِلَّ مكان الآخر.

ومن المهم أيضًا أن يعملوا معًا ابتداءً من أبكرِ مرحلةٍ ممكنة في المشروع. ففي الوقت الذي يقوم به المعماريّ بتولّي زمام المبادرة في مرحلة التصميم، يقومُ المهندس المدنيّ بتزويده بكافة المعلومات والمُدخلات وذلك لضمان قابليّة تنفيذ هذه التصاميم وللتقليل من إضاعة الوقتِ والمال في التعديل وإعادة العمل.

ما إن تكتملُ مرحلة التصميم، حتّى يأخذ المهندس المدنيّ زمام الأمور ويبدأُ بالتنفيذ، مع التركيز على الجانب المادّي للمشروع، ولكن هذا لا يعني أن دور المعماريّ قد انتهى، فهو بحاجةٍ لأن يظل موجودًا في المشروع ليرى مراحلَ إنجاز تصميمه ولمناقشة أيّةِ مشاكل قد تحصل أثناء التنفيذ وضمان عدم إنقاص أي تغييرٍ طارئ من رؤيته الشاملة لما سيكون عليه الشكل النهائي للمشروع.

هذا التفاعُل المُتبادل ينطبق على كل جانبٍ من جوانب التصميم، حيث أنَّ كل طرفٍ لديه مهامٌ محددة للقيام بها على أكمل وجه، فالمعماريّ يوفّر الرؤية الجماليّة للمبنى وقد يكون له مواصفاتٌ متعلّقة بالمواد التي سيتم استخدامها في البناء فيعود للمهندس المدني للتأكد من أنها آمنة مستقرّة، في حين يقوم المهندس المدنيّ بحسابِ الأحمال وتصميم الأساسات والدعم الإنشائي وذلك لضمان بناء آمن.

وفي نهاية الأمر، فإنَّ العلاقة بين مجاليّ الهندسة المعماريّة والمدنيّة أمرٌ بالغُ الأهميّة ويتطلّب تنسيقًا وتواصلًا على مستوً عالٍ، فإذا تم ذلك بإتقان، يكون التصميم الذي تم تنفيذهُ عملًا فنيًّا بالفعل.


ترجمة: رامي الحرك
تدقيق: أحمد اليماني
تحرير: محمد سمور
المصدر