تخيل أنك مشترك بإحدى المسابقات وتنتظر هديتك من وراء ثلاثة أبواب.

وراء أحدها توجد سيارة حديثة. ووراء البابين الآخرين توجد غنمتان.

ثم اخترت الباب ذا الرقم 1، فيقول لك مقدم البرنامج إن هناك ماعزًا وراء الباب رقم 2، ثم يسألك إن كنت متأكدًا من خيارك باختيار الباب الأول أم أنك تريد التبديل؟

سنتوصل من خلال حسابنا التقليدي إلى أن النسبة هي 50/50، أي لن يحدث تبديل اختيارنا اختلافًا.

إلا أن هذا غير صحيح.

ففي البداية كان لديك خيار من بين ثلاثة، ولكن بعد أن جعلك المقدم ترى أحد الأبواب الخاسرة فاحتمال أن تربح بحال قمت بتغيير خيارك هو ثلثين. إليك السبب …

التركيبات للأبواب الثلاثة هي كالآتي:

  1. جيد، سيئ، سيئ
  2. سيئ، جيد، سيئ
  3. سيئ، سيئ، جيد

في الحالة الأولى ستخسر لو قمت بالتبديل، ولكن في الحالتين 2 و3 فإنك ستفوز.

إن كنت ما تزال عالقًا بحسابك التقليدي الخاطئ، إليك مثال آخر، لنقل أن هناك عشرة أبواب، وأنت اخترت الباب رقم 1، وأظهر لك مقدم البرنامج الأبواب من 2 إلى 9 وكانت تحتوي كلها على ماعز (أي خاسرة).

عندها هل ستبدّل؟ بالتأكيد! وذلك لأن فرص فوزك ترتفع من 1 بالعشرة إلى 9 بالعشرة.

هذا النوع من الحدس يقود العالم إلى أخطاء بالحساب، حتى بالنسبة للمتخصصين في الرياضيات والإحصاء.

ويعد هذا اللغز واحدًا من بين الكثير غيره الذين طرحهم الفيزيائي Leonard Mlodinow ليونارد ملودينو في كتابه المسلي (The Drunkard’s Walk ) أو «مشي الثمل».

هذا العنوان والذي يُطلق عليه أحيانًا «المشي العشوائي» يقوم بتشبيه الطرق العشوائية التي تتخذها الجزيئات في الفضاء متصادمةً ببعضها بالطريق التي تسلكها حياتنا، من الدراسة إلى العمل، ومن العزوبية إلى الزواج.

على الرغم من أن التصادمات العشوائية ذات العدد الهائل تعمد لأن يلغي بعضها الآخر بسبب قانون الأرقام الكبيرة من وقت لآخر -وهو أن الأحداث بعيدة الاحتمال على الأرجح أنها ستحدث فعلًا بحصولها على الوقت والفرصة المناسبين-، إلا أنه عندما تأتي الفرصة ويقود الحظ إلى رجحان غير متوازن للتصادم من اتجاه محدد، سيحدث اهتزاز واضح.

عندها سنلاحظ هذا الاهتزاز غير المحتمل الذي حدث إلا أننا سنتجاهل الكم الهائل من التصادمات عديمة المعنى والمتضادة.

لم تطور عقولنا في البيئة التطورية القديمة شبكة احتمالات، لذا فإن حدسنا التقليدي غير مجهز للتعامل مع العديد من مظاهر العالم الحديث.

فعلى الرغم من أن بديهتنا الطبيعية قد تكون مفيدة في علاقاتنا الاجتماعية وتعاملنا مع الناس، إلا أنها تفشل فيما يخص المسائل الاحتمالية.

تخيّل أن أحدهم يلعب بعجلة الحظ (الروليت)، وأنه أصاب باختيار اللون الأحمر خمس مرات متتالية، فهل عليه أن يحافظ على اللون الأحمر لأنه “يوم سعده مثلًا”؟

أم ينتقل إلى اللون الأسود “لأنه قد حان وقته”؟ في الحقيقة لا يهم اختياره! لأن عجلة الروليت لا تملك ذاكرة، إلا أن المقامرين من الواضح أنهم سيسببون سعادة أصحاب النوادي سواء استعملوا مغالطة (يوم السّعد) أم (حان الوقت لتغيير الخيار).

وبأمثلة إضافية عن العمليات العشوائية، أدى «قانون الأرقام الصغيرة» إلى طرد المدراء في استديوهات هوليوود لمنتجين ناجحين بسبب أفلام لم تلقَ نجاحًا خلال مدة قصيرة من عرضها، ليكتشفوا لاحقًا أن الأفلام الأخرى اللاحقة التي أنتجها هؤلاء قبل أن يُطردوا أصبحت في القمة!

حتى الرياضيون الذين يظهرون على غلاف «Sports Illustrated»عادة مايختبرون ركودًا في مهنتهم، ليس بسبب “نحسٍ” ما، بل بسبب حالة «الرجوع إلى الحالة العادية»، إذ إن الأداء المثالي الذي أدى إلى وضع صورتهم على الغلاف هو في الحقيقة حدث ضعيف الاحتمال ومن الصعب أن يُعاد.

لا تتطلب الأحداث الخارقة مسببات خارقة دائمًا.

فبتوفر الوقت الكافي يمكن أن تحدث بالصدفة.

ويقول الفيزيائي ملودينو: «نستطيع أن نحسن مهارتنا فيصنع القرارات وأن نكبح بعض الانحيازات التي تجعلنا نقوم بأحكام وخيارات خاطئة، ونستطيع أن نأخذ قراراتنا من خلال طيف احتمالات النتائج التي قد تنتجها هذه القرارات بدلًا من الاعتماد على النتيجة التي تحدث عادةً».

تقبّل العشوائية، ابحث عن الأنماط المحتملة، وتعلم الاختلاف.


  • ترجمة: سارة عمّار
  • تدقيق:محمد نور
  • تحرير: يمام اليوسف
  • المصدر