أحيانًا، السُرعة الهائلة ليست هي الخيار المناسب، إذًا كيف يمكن تجاوز هذه المسافات الكونية الشاسعة؟

هل القفز عبر ثقب دودي هو الحل؟

تسمح هذه الأنفاق التي تتخلل الزمكان للسُفُن الفضائية بالاندفاع عبر المجرّة كما هو موضّح في فيلم (Star Trek: Deep Space Nine) وأيضًا لتشكيل محور الانتقال الفضائي تماما مثل الذي شاهدناه في فيلم (Contact) عام 1997.

لا تزال الثقوب الدودية مُجرّد فكرة تكهُّنيّة حتى الآن، وقد تكلم ستيفن هسو أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة أوريغون عن هذا الموضوع وقال: «الأمر بالكامل قائم على الافتراض، ولا أحد يعتقد أننا سنجد ثقب دودي عمّا قريب».

القدرة على استخدام الثقوب الدودية كطُرُق سريعة بين النجوم تبدو بعيدة جدًا، ولكن الفيزياء لا تغلق الباب تماما على وجود هذه الجسور.

انتشرت فكرة الثقوب الدودية بين العُلماء لما يقرُب عن قرن حتى الآن، فمِن وجهة نظر الفيزياء، يُمكن لعدة طُرُق أن تؤدي إلى تكوين الثقوب الدودية، يقول هسو عن نظرية النسبية العامة لألبرت أينشتاين: «يمكن أن تكون هناك حلول لمعادلات آينشتاين وهي الثقوب الدودية».

تصف هذه الحلول أنبوبًا يتخلل الأبعاد الأربعة للزمكان، يُحتمل أن يربط بين منطقتين بينهما مسافات شاسعة.

تخيّل على سبيل المثال أن هناك نُقطتين على صفحة ورقيّة تم طيها، بالتالي سيحدُث تراكب بين النُقطتين، هذا التراكب هو ما يسمى بالثقب الدودي، وقد يسمح نظريًا، بانتقال المادة من النقطة أ إلى النقطة ب بشكل فوري، بدلًا من التنقّل عبر الورقة مستعملين الطريق الطبيعي والطويل.

وقد وضع العُلماء نظرية حول آلية عمل الثقب الدودي، حيث أنَّ المدخل يكون ثقب أسود والمكان أين تخرج المادة من الثقب الدودي، يكون بطبيعة الحال ثقب أبيض.

فالثقوب السوداء عبارة عن أجسام فائقة الكثافة، يُعتقد وجودها في مركز للعديد من المجرّات، معروف أنّ بعضها تكوَّن أثناء انهيار النجوم العملاقة.

للثقوب السوداء جاذبية هائلة لدرجة أنّه حتى الضوء لا يستطيع الهروب من قبضتها.

بالرغم من أننا لا نستطيع رؤية الثقوب السوداء مباشرةً، إلّا أنّه يُمكننا الاستدلال على وجودها عن طريق تأثيرها على المادة القريبة لها.

حيثُ تم الكشف عن الثقوب السوداء أثناء امتصاصها للمادة، التي تسخن بشدّة بينما تلتف ساقطة في أفواهها، ويُمكنها الإطاحة بالنجوم حول مراكز المجرّات حيثُ توجد ثقوب سوداء هائلة.

بالنسبة للثقوب البيضاء أو المادة التي تتكون من بقايا أي شيء، ليس هناك دليل رصدي واحد، فما بالك بالثقوب الدودية.

رُبما يعود هذا الأمر لعدم مقدرتنا على رؤيتها فحسب فالثقوب الدودية تظهر على المستويات دون الذرية فقط وتستمر لمُجرّد كسور من الثانية، كما يقترح بول ديفيز، مُتخصص فيزياء نظرية وعالِم كونيات بجامعة أريزونا: «الثقوب الدودية كبيرة كفاية ليُسافر الإنسان من خلالها، وقد يتطلب نوعًا جديدًا من الفيزياء ».

حتى بافتراض أنّ الطبيعة أنتجت ثقوبًا دودية مُناسبة لحجم شخص -أو سفينة-، فإنّ عبورها سيظل أمرًا صعبًا فالقوة اللازمة لفتح ممر عبر الزمكان على حد عِلمنا تتضمّن كثافات وطاقات هائلة وظروف يمكن أن تعني الموت المُحَتَّم لكل من يدخل ثقبًا دوديًا.

يقول هسو: «إذا كان تشكيل ثقب أسود يُسبب تشكيل ثقب دودي مما يُعيد الربط بين كوننا أو غيره، فمُعظمنا سيظن أنَّ الكثافات الداخلة في الأمر لن تكون ذات إفادة عملية بالنسبة لشخص ضعيف مثلي ومثلك».

فيما عدا هذا الأمر البسيط هناك مسألة أُخرى بالنسبة للثقوب الدودية وهي كيفية إبقائِها مفتوحة ومُستقرة حيثُ العديد من الثقوب الدودية قد تنهار أو تسحق أي جُسيمات بداخلها.

يقول هسو: «سنحتاج إلى نوع غريب جدًا من المادة بغرض تحقيق الاستقرار للثقب الدودي، وليس من المؤكد وجود مثل هذه المادة في الكون».

سيكون على تلك المادة أن تمتلك طاقة سالبة تتمدد في الكون بدلًا من أن تنكمش، كما هو المُعتاد حدوثه بالنسبة لكُتلتها الداخلية.

هُناك ظاهرة مُرشّحة لذلك وهي (تأثير كازيمير–Casimir Effect)، التي تم إثباتها في المعمل مُنذ 15 عامًا.

حسب ميكانيكا الكم، فراغ الفضاء مليء بموجات كهرومغناطيسية من جميع الترددات.

فعلى سبيل المثال عند وضع شريحتين رفيعتين من المعدن على بُعد قليل من النانومترات من بعضهما البعض، الموجات الأطول يتم طردها من الفجوة فتولد كثافة ذات طاقة سالبة لتنجذب الشريحتان لبعضهما، وذلك بسبب أنَّه لا توجد موجات كثيرة في الفجوة كما هو الحال في الفضاء العادي.

من الناحية النظرية، إذا تم تضخيم هذه الفجوة، يُمكن لتأثير كازيمير أن يقوم بمُعالجة الثقوب الدودية.

لكن لهسو رأي آخر وقد قال أنّ هذا التأثير ضعيف جدًا، يُؤدي إلى الغموض الغير مُتوقّع لأنظمة ميكانيكا الكم.

لذلك من المُحتمل ألّا يستقر الثقب الدودي على أيةِ حال.

شيء غريب آخر معروف باسم المادة المُعتِمة، هذه القوة الغامضة التي يُعتَقَد بأنها السبب وراء عملية تسارع تمدُد الكون، تُعطي تلميحات لفهم الفيزياء الحديثة.

بإمكان نظرية الأوتار وتعديلات أُخرى للنسبية العامة أن تقلب الموازين، لكن يقول هسو أنّه غير واضح لحد الآن كيفية تطبيق أي منها على مشكلة الثقب الدودي.

إجمالًا، إنّ استخدام ثقوب دودية طبيعية أو توليد نماذج مصنوعة منزليًا كما في فيلم (Stargate)، هو أمر أكبر من قدراتنا.

يقول هسو: «سوف نحتاج إلى تكنولوجيا هائلة التقدُّم، ولن يستطيع البشر فعل هذا لا الآن ولا في المستقبل القريب».

لا تنفي أي من الفيزياء الحديثة المُتطوِّرة أو النظرية وجود الثقوب الدودية، لكن استخدامها للسفر عبر الكون قد يتطلّب نقلات هائلة في التكنولوجيا.

نعتَقد أنّ إمكانية حدوث ذلك ضعيفة جدًا.


  • ترجمة: بسام محمد عبد الفتاح
  • تدقيق: هاجر صحراوي
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر