تُنجز العديد من العمليات المعرفية، مثل صنع القرار، في غضون ثوان أو دقائق.

ولطالما أراد علماء الأعصاب تحديد نشاط الخلايا العصبية أثناء هذه العمليات، لكن بقي هذا الحلم بعيد المنال حتى الآن.

طور فريق من باحثي معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا وجامعة «ستانفورد» طريقة لوسم الخلايا العصبية عندما تصبح نشطة، مقدمين بذلك لمحة عن نشاط هذه الخلايا في لحظة من الزمن.

قد يحدث هذا النهج تطورًا كبيرًا من خلال تقديم قدر أكبر من الدقة الزمنية من تقنيات وسم الخلايا المتوفرة حاليًا، والتي تستغرق ساعات أو أيام لتسجيل النشاط.

قالت «كاي تاي» الأستاذة المساعدة في قسم الدماغ والعلوم المعرفية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) والعضو في معهد «بيكاور» للتعلم والذاكرة، وإحدى كبار مؤلفي الدراسة التي نشرت في مجلة «Nature Biotechnology»: «عادةً ما تستغرق الفكرة أو العملية المعرفية 30 ثانية أو دقيقة.

هذه هي الفترة التي نأمل أن نتمكن من تسجيلها».

تعتقد تاي أنه بإمكاننا استخدام هذه الأداة للمساعدة في فك الشبكات العصبية المشاركة في التعلم والذاكرة من بين العديد من الاحتمالات الأخرى.

طُوّرت هذه التقنية مع «أليس تينغ» الأستاذة السابقة في معهد ماساتشوستس وهي الآن أستاذة في علم الوراثة والبيولوجيا في جامعة ستانفورد.

المؤلف الرئيسي للورقة هو «ونجينغ وانغ» الباحث ضمن مرحلة ما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد.

عندما كانت تينغ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كثيرًا ما كانت تركض مع تاي على طول نهر تشارلز، وكانتا تناقشان أحلامهن منذ حوالي خمس سنوات.

«سألتني أليس: إذا كان بإمكانك امتلاك أداة غير موجودة حاليًا، فماذا ستكون؟ أجبتها بأنني أود أن أكون قادرة على تحديد مجموعات الخلايا العصبية وظيفيًا ومن ثم دراستها».

تسمح الأدوات المتوفرة للباحثين بهندسة الخلايا لتفعّل الخلايا العصبية جينًا يسمى «cfos» يساعد الخلايا على الاستجابة للمعلومات الجديدة، وتفعل أيضًا جينًا مصنعًا لبروتين فلوري أو جزيء ملحق آخر.

صُمم النظام ليُجرى الوسم فقط عندما تتعرض الحيوانات لدواء ينشط النظام، ما يتيح للعلماء السيطرة على التوقيت – ولكن ليس بدقة شديدة.

تقول تاي «لقد كانت الأدوات التي تعتمد على النشاط مؤثرة بشكل كبير، ولكنها لا تعمل إلا على مدى بضعة أيام.

إذا كنت تفكر في سرعة التشفير العصبي، فهو يتم في أجزاء من الثانية.

ما أردته هو أداة يمكن استخدامها لتسجيل لمحة عن النشاط العصبي في لحظة معينة».

صمم الباحثون أداة تستجيب لوجود الكالسيوم، لأن شوارد الكالسيوم تتدفق إلى داخل الخلايا العصبية في كل مرة تطلق بها سيالة عصبية كهربائية.

ومع ذلك، يتم وسم الخلايا العصبية فقط إذا حدث تدفق الكالسيوم أثناء تعريض الخلية إلى شعاع ضوئي أزرق من قبل الباحثين.

يؤدي مزيج التعرض للضوء ونشاط الكالسيوم إلى تفعيل عامل النسخ الذي ينشط الجين المستهدف الذي أدرجه المهندسون في جينوم الخلايا.

يمكن لهذا الجين أن يرمز بروتين فلوري أو أي شيء آخر يمكن استخدامه لوسم الخلايا العصبية أو التلاعب بها.

في الدراسة، أظهر الباحثون هذه التقنية التي يطلقون عليها «فلير-FLARE» عن طريق تفعيل بروتين فلوري أحمر يسمى «mCherry» في قشرة الخلايا العصبية المحركة لفئران أثناء ركضها على حلقة مفرغة.

ويمكن أيضًا استخدام هذه الطريقة لوسم الخلايا ببروتينات حساسة للضوء، والتي تسمح بتحكم علم البصريات الوراثي على الخلايا العصبية الهدف، أو بروتينات جديدة تسمى «دريدز DREADDS-» تسمح بالتحكم بالخلايا العصبية باستخدام جزيئات دوائية صغيرة.

الأهم من ذلك، إمكانية استخدام هذه الأداة على أي كائن نموذجي بسبب وسم مكونات الأداة باستخدام ناقلات فيروسية.

وسم سريع

إن القدرة على وسم مجموعات من الخلايا العصبية التي تنشط أثناء مهام محددة ومن ثم التلاعب بها، تفتح الأبواب أمام مجموعة واسعة من الدراسات التي كانت مستحيلة سابقًا، هذا ما قالته تاي.

فمثلًا، يمكن للباحثين التحقيق في ما يحدث عندما يتخذ الدماغ قرارات سريعة، ويستجيب للمؤثرات المرتبطة بالمشاعر القوية، أو يحدد السلوكيات المناسبة للحالة الراهنة.

لمثل هذه الدراسة، يعد عامل السرعة مهمًا لأن الخلايا العصبية نفسها قد تشارك في مهام مختلفة في أوقات مختلفة.

بإمكان الإصدار الحالي من هذه التقنية وسم الخلايا العصبية في غضون بضع دقائق.

يقول «أندرو هيريس» الأستاذ المساعد للعلوم البيولوجية وعلم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا والذي لم يشارك في البحث: «إن التكنولوجيا التي توسم وتتحكم بشكل موثوق ودقيق في مجموعات الخلايا العصبية النشطة أثناء أفكار أو سلوكيات معينة سيكون لها تأثير مذهل على نظم علم الأعصاب، ويعد هذا البحث خطوة رئيسية نحو تلك التكنولوجيا الحلم».

يمكن أن تساعد هذه الأداة في دراسة وعلاج الأمراض.

فمثلًا، يستطيع العلماء استخدامها لتحديد الخلايا العصبية المرضية التي تسبب مرض الزهايمر، ما يسمح لهم بتحديد الخلايا العصبية التي تحتاج إلى علاج مع عدم المساس بالخلايا العصبية السليمة المجاورة.

هذا ما قالته تاي.

وأضافت «الشيء الذي أثار حماسي حقًا هو أن هذه الأداة تفتح أبواب الاستكشاف وإمكانات هائلة أخرى أمام الناس».

مُوّل هذا البحث جزئيًا من قبل مؤسسة «JPB» والمعاهد الوطنية للصحة العقلية ومعاهد الصحة الوطنية الأمريكية.


  • إعداد: ديانا نعوس
  • تدقيق: الاء أبو شحوت
  • تحرير: طارق الشعر
  • المصدر