تسمح لنا التلسكوبات اللابصرية بأن نوسع مجال رؤيتنا إلى ما بعد الطيف المرئي وأن نرى الأجسام في الطبقات العليا بتفصيل أدق غير مسبوق.

تستطيع عين الإنسان رؤية مجال صغير فقط من الطيف الكهرومغناطيسي، يُعد هذا المجال كافيًا بالنسبة للأمور التي تحتاج فعلها على الأرض كل يوم، إلا أن النجوم والعناصر السماوية الأخرى تشعّ طاقة بأطوال موجية أقصر (وهي أشعة غاما ذات التردد والطاقة العاليين) وأطول (وهي الأمواج الراديوية ذات الطاقة والتردد المنخفضين).

ما بعد الطيف المرئي

من أجل رؤية المدى البعيد من الطيف يستخدم علماء الفلك التلسكوبات اللابصرية المتنوعة، وكلٌ منها مختص بالتقاط الإشعاع بطولٍ موجيٍّ معين.

تستخدم هذه التلسكوبات العديد من التقنيات الموجودة في التلسكوبات الأخرى العادية، إلا أنها تستخدم أيضًا عدة تقنيات لتحويل الضوء غير المرئي إلى صور مذهلة.

وفي كل الحالات، يُستَخدم كاشف خاص بدل من العدسة لالتقاط الصور، ومن ثم تُعالج البيانات عن طريق الحاسوب من أجل بناء الصورة النهائية.

وهناك طرق أكثر غرابة للنظر إلى الكون لا تستخدم الإشعاع الكهرومغناطيسي على الإطلاق، كالتلسكوبات النيوترينوية وتلسكوبات الأمواج الثقالية الحديثة والمتطورة، إلا أنها موضوع منفصل بحد ذاته.

لنبدأ مع الإشعاع ذي الطاقة الأعلى، أشعة غاما.

تلسكوبات أشعة غاما

إشعاع غاما هو الإشعاع الذي طول موجته أقل من 10−11 م، أو جزء من المئة من النانومتر.

تركز تلسكوبات هذه الأشعة على الظواهر ذات الطاقة الأعلى في الكون كالثقوب السوداء والنجوم المتفجرة.

من الممكن أن تحتوي أشعة غاما عالية الطاقة على طاقة أعلى بمليار مرة من تلك التي يحتويها فوتون من الضوء المرئي، مما يجعلها صعبة الدراسة.

على عكس فوتونات الضوء المرئي التي يُعاد توجيهها بواسطة المرايا والعاكسات، تستطيع أشعة غاما اختراق معظم المواد، هذا يعني أنه على تلسكوبات غاما استخدام تقنيات متطورة لتعقّب حركة الأشعة المنفردة من أجل تكوين الصورة النهائية.

إحدى التقنيات التي تنجز ذلك والمُستخدمة في تلسكوب فيرمي الفضائي لأشعة غاما وغيره من الأماكن، هي تقنية تلسكوب الإنتاج الزوجي، (والإنتاج الزوجي في الفيزياء يعني تكون جسيم أولي ونقيض الجسيم من أحد الفوتونات ذي طاقة كافية لنشأتهما).

يستخدم هذا التلسكوب عدة طبقات من مواد التحويل والكشف، عندما تدخل أشعة غاما إلى مقدمة الكاشف فإنها تصطدم بطبقة محوّل مصنوعة من مواد كثيفة مثل الرصاص مما يجعل شعاع غاما ينتج إلكترونًا وبوزيترونًا (ما يُسمى زوج الجسيم-الجسيم المضاد).

بعد ذلك يتابع الإلكترون والبوزيترون اجتيازهما للتلسكوب عابرين طبقات مواد الكشف التي تتعقب حركة كل جسيم عن طريق تسجيل الاندفاعات الطفيفة للشحنة الكهربائية على طول الطبقة.

يسمح تعقّب آثار الاندفاعات هذا لعلماء الفلك أن يعيدوا بناء كلّ من طاقة واتجاه أشعة غاما الأصلية عن طريق التتبع مرة أخرى عبر نقاط الممر إلى مصدر الأشعة في الفضاء الخارجي، ومن ثم تُستخدم هذه البيانات من أجل تكوين الصورة.

يوضح هذا الفيديو كيفية عمل هذا في تلسكوب فيرمي الموجود في الفضاء:

تلسكوبات الأشعة السينية أو أشعة إكس:

يبلغ طول أشعة إكس بين 10 نانومتر و0.01 نانومتر، وتستخدم بشكلٍ يومي لتصوير العظام المكسورة وتفحّص الحقائب في المطارات، كما تُستخدم أيضًا لتصوير الغازات الساخنة العائمة في الفضاء.

تركّز تلسكوبات أشعة إكس على سُحب الغازات السماوية وبقايا انفجارات النجوم الكبيرة والتي تُدعى بالسوبرنوفا.

كما هو الحال بالنسبة لأشعة غاما فإن أشعة إكس أيضًا عالية الطاقة والتي تستطيع أن تمر مباشرة عبر أغلب المواد، ولالتقاطها فإننا نحتاج إلى مواد شديدة الكثافة.

غالبًا ما تستخدم تلسكوبات إكس مرايا عاكسة بشكل كبير مغطاة بمعدن كثيف كالذهب أو النيكل أو الإيريديوم.

وعلى عكس المرايا البصرية والتي تستطيع أن تعكس الضوء بأي اتجاه فإن تلك المرايا تستطيع فقط حرف مسار أشعة إكس.

تُوجّه المرآة بشكلٍ موازٍ تقريبًا لاتجاه أشعة إكس القادمة، وتخدش أشعة إكس بشكل خفيف المرآة قبل أن تكمل مسارها بشكل يشبه إلى حد ما الحجر عندما يقفز فوق بركة الماء.

باستخدام الكثير من المرايا التي يغير كل منها مسار أشعة إكس بمقدار قليل يمكن إنتاج صورة نهائية عن طريق جمع كمية كافية من الأشعة من قبل الكاشف.

وللحصول على أفضل جودة للصورة، تُكدّس المرايا دون أن تضغط على بعضها البعض خالقة بنية داخلية تشبه طبقات البصلة.

تلسكوبات الأشعة فوق البنفسجية:

تتمتع الأشعة فوق البنفسجية بطول موجة أقصر مما يمكن للعين البشرية أن تراه، وهو بين 400 نانومتر و 0.01 نانومتر.

وتملك طاقة أقل مما تملك أشعتا غاما وإكس، وتشبه تلسكوبات هذه الأشعة إلى حٍد كبير التلسكوبات البصرية.

تستخدم مرايا مغطاة بمواد عاكسة للأشعة فوق البنفسجية مثل كربيد السيليكون من أجل إعادة توجيه الضوء القادم وتركيزه.

استخدم تلسكوب هوبكنز للأشعة فوق البنفسجية مرآة شكلُها هو جزء من سطح مكافئ وتُسمى (عاكس مكافئ)، وذلك عندما قام بمهمتين في الفضاء في التسعينيات.

يصل الضوء المعاد توجيهه إلى النقطة المحرقية وهي نقطة في الوسط تتجمع فيها حزم الضوء، حيث يتم الكشف عنه بواسطة مخطط الطيف أو (السبيكتوغرام).

هذا الجهاز المخصص بإمكانه فصل الأشعة فوق البنفسجية إلى مجموعة من الحزم المنفردة بأطوال موجية مختلفة بطريقة مماثلة لفصل الضوء المرئي إلى ألوان قوس قزح.

يبين تحليل السبيكتوغرام طبيعة هدف المراقبة، ويساعد هذا علماء الفلك على تحليل تركيبة كل من سحب الغازات بين النجوم ومراكز المجرات والكواكب في نظامنا الشمسي.

قد يكون هذا مفيدًا على وجه الخصوص في البحث عن عناصر أساسية لحياة معتمدة على الكربون، مثل الأوكسجين والكربون.

التلسكوبات البصرية:

تُستخدم لعرض الطيف المرئي، وهو بأطوال موجية محددة بين 400 و700 نانومتر.

تلسكوبات الأشعة تحت الحمراء:

تقع الأشعة تحت الحمراء أسفل الضوء المرئي مباشرة في الطيف الكهرومغناطيسي بأطوال موجية بين 700 نانومتر و1 ميلليمتر.

تُستخدم التلسكوبات تحت الحمراء في مناظير الرؤية الليلية وأجهزة التسخين وأجهزة التعقب مثل الصواريخ الحرارية.

أي جسيم أو مادة درجة حراراته أعلى من الصفر المطلق ستبعث كمية معينة من الأشعة تحت الحمراء، لذلك من المفيد الاعتماد على هذه الأشعة كنافذةٍ مطلّة على الكون.

يُمتص معظم الأشعة تحت الحمراء من قبل بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي، لذلك تكون تلسكوبات هذه الأشعة عادة على ارتفاعات عالية في الأماكن الجافة أو حتى في الفضاء، كتلسكوب سبيتزر الفضائي.

غالبًا ما تكون هذه التلسكوبات مماثلة إلى حد كبير للتلسكوبات البصرية، وتُستخدم المرايا والعاكسات لتوجيه الأشعة تحت الحمراء إلى الكاشف الموجود في النقطة المحرقية والذي بدوره يسجل الإشعاع القادم الذي يحوله الحاسوب فيما بعد إلى صورة رقمية.

تلسكوبات الأمواج الراديوية:

في نهاية الطيف الكهرومغناطيسي نجد الأمواج الراديوية، بترددات أقل من 1000 ميغاهيرتز وبطول موجة يساوي المتر أو أكثر.

تخترق الأمواج الراديوية الغلاف الجوي بسهولة على عكس الإشعاعات ذات التردد العالي، لذلك تستطيع المراصد الموجودة على الأرض التقاطها.

تتألف التلسكوبات الراديوية من ثلاثة مكونات رئيسية يلعب كل منها دورًا مهمًا في التقاط ومعالجة الإشارات الراديوية الواردة.

أول مكون لها هو الهوائي الضخم (الطبق) الموجَّه إلى السماء، يبلغ قطر هذا الطبق في تلسكوب باركس الراديوي في أستراليا 64 مترًا، بينما يبلغ هذا القطر في تلسكوب Aperture Spherical في جنوب غرب الصين 500 مترًا.

يسمح هذا الحجم الهائل بجمع إشارات واضحة وبأطوال موجية كبيرة.

يكون شكل الطبق قطعًا مكافئًا ليوجه الأمواج الراديوية المجموعة على مساحة كبيرة ويركزها على مستقبِلٍ موجود أمام الطبق.

كلما زاد حجم الهوائي كلما كان بالاستطاعة الكشف عن مصادر إشعاع راديوي أضعف، مما يسمح للتلسكوبات كبيرة الحجم برؤية أجسام أبعد وأخفت على بعد مليارات من السنين الضوئية.

يعمل المستقبِل بالتعاون مع مُضخّم من أجل تحسين الإشارات الضعيفة جدًا وجعلها قابلة للقياس.

تُعد المستقبلات المستخدمة اليوم أكثر حساسية مما سبق بسبب استخدامها لمبرّدات قوية تعمل على تخفيض الضجيج الحراري الناتج عن حركة الذرات في معدن الهيكل قدر الإمكان.

أخيرًا، يخزن المسجّل الإشارة الراديوية من أجل معالجتها وتحليلها فيما بعد.

تُستخدم التلسكوبات الراديوية لمراقبة ورصد مجموعة واسعة من الأمور، من بينها النجوم النابضة النشطة ومنظومات النجوم الزائفة أو (الكويزار) والمجرات والسّدم، وبالطبع للاستماع إلى إشارات الكائنات الفضائية المُحتملة!


  • ترجمة: سارة عمّار
  • تدقيق: جعفر الجزيري
  • تحرير: جورج موسى
  • المصدر