لم نكن نعلم منذ عدة سنوات طبيعة المادة التي تربط المجرات بعضها ببعض، وأخيراً تم اكتشاف هذه المادة، وهي المرة الأولى التي فيها نستطيع التقاط ما يقارب نصف المادة العادية في الكون- البروتونات، والنيترونات، والإلكترونات- التي لم نستطع اكتشافها خلال عمليات الرصد السابقة للنجوم، والمجرات، والأجسام المضيئة الأخرى في الفضاء.

ومن المؤكد أنك سمعت من قبل عن المادة المظلمة، والمحاولات العديدة لمعرفة طبيعتها، إنها مادةٌ غريبةٌ، اعتُقد أنها تتغلغل في الكون، ويمكن أن نرى أثرها عبر قوة سحب الجاذبية التي تسببها.

إنَّ نماذج الكون التي لدينا تشير إلى أنه يجب أن يكون هناك حوالي ضعفي المادة العادية بصفتها مادةً مظلمةً، مقارنةً مع ما تم رصده مؤخراً، وتمكن فريقان باحثان منفصلان من اكتشاف طبيعة المادة المظلمة – التي تتكون من جسيماتٍ تدعى: بريونات أكثر مما يمكن تسميتها بالمادة المظلمة- إذ تربط هذه المادة المجرات بعضها ببعض عبر خيوطٍ من جزيئات الغاز المنتشرة الساخنة، يقول قائد إحدى المجموعات الباحثة من معهد الفيزياء الفضائية في أورسيه- فرنسا، هيديكي تانيمورا (Hideki Tanimura):”أخيراً، تم حل مشكلة البريونات المفقودة!”.

أما الفريق الآخر فقد كان تحت إدارة آنا دي غراف (Anna de Graaff) من جامعة إيدنبيرغ في بريطانيا.

ولم يستطع أحدٌ رصد الغاز من قبل؛ لأنه قليل الكثافة، وليس حارًا كفايةً؛ لتستطيع مراصد الأشعة السينية التقاطه، يقول ريتشارد إيليس من جامعة لندن:”لم يكن هناك أي بقعةٍ في الكون يمكنها رصد هذا النوع من جزيئات الغاز فيها، أو آلةٍ مناسبةٍ يمكنها رصدها بشكلٍ فوريٍ، لقد كان مجرد تخمينٍ لوقتٍ طويلٍ”.

لذلك، كان على المجموعتين الباحثتين إيجاد طريقة أخرى لإثبات وجود هذه الخيوط الغازية، وبالفعل تمكن الفريقان من رصد هذا الغاز، مستفيدين من ظاهرةٍ تدعى: (Sunyaev-Zel’dovich) وهي تحدث عندما يعبر الضوء المخلف من الانفجار العظيم عبر الغاز الساخن، وعندما يعبر الضوء، يقوم بتشتيت الإلكترونات في جزيئات الغاز، مخلفاً بقعةً خافتةً في الخلفية الميكروية الكونية – الصورة المتبقية لنا عن آثار ولادة الكون-.

وفي عام 2015م، قام مسبار بلانك بإنشاء خارطةٍ لهذا التأثير في الكون المرصود، ولكن بسبب الانتشار الواسع للجزيئات الغازية بين المجرات، تبقى البقع الخافتة التي تسببها بين المجرات صغيرةً للغاية؛ كي يتمكن العلماء من ملاحظتها في خريطة بلانك.

لقد قام كلا الفريقين باختيار أزواجٍ من المجرات من مسح سلووان الرقمي للسماء (SDSS) – هو مسح فلكي يتم باستخدام التصوير الطيفي لقياس الانزياح الأحمر لأطياف المجرات- والتي كان من المتوقع أن تكون متصلةً عبر جدائل من البريونات، وقام العلماء بجمع إشارات بلانك للمساحات بين المجرات المختارة، وبذلك تمكنوا من جعل الجدائل الفردية الخافتة قابلةً للرصد عبر جمعها معاً.

وتمكن فريق تانيمورا(Tanimura) من جمع بياناتٍ لحوالي 260000 زوجٍ من المجرات، أما مجموعة غراف (Graff) فقد استخدمت حوالي مليون زوجٍ، وكلا الفريقين وجد دليلاً قاطعاً لخيوط الغاز بين المجرات.

ووجدت مجموعة تانيمورا أن هذه الجزيئات الغازية أكثر كثافةً بثلاث مرات من المادة العادية في الكون، أما مجموعة غراف فقد وجدت أنها أكثر كثافةً بست مرات من المادة العادية، وهذا يؤكد أن الغاز في المساحة بين المجرات كثيفٌ كفايةً لتشكيل خيوطٍ غازيةٍ.

يقول تانيمورا: ” لقد توقعنا بعض الاختلافات بسبب دراستنا لخيوط الغاز في مسافات مختلفة، ولو كان هذا العامل مضمناً، لكانت اكتشافاتنا متوافقة جداً مع المجموعة الأخرى”.

وأخيراً، إن اكتشاف البريونات التي تم توقعها منذ عقود عبر المحاكاة الحاسوبية يجعلنا أكثر ثقةً بتوقعاتنا الأخرى حول الكون.

ويقول رالف كرافت (Ralph Kraft) من مركز هارفارد سميثسونيان (Harvard-Smithsonian) لعلوم الفضاء في معهد مساتشوستس: إن “كل شخصٍ كان يعلم نوعاً ما أن هذه الجزيئات هناك، لكن هذه هي المرة الأولى التي يقوم بها أحدٌ ما بابتكار طريقةٍ لرصدها بشكلٍ مؤكدٍ”، ويضيف: “هذا يأخذنا بشكلٍ مباشرٍ إلى أن الكثير من أفكارنا حول كيفية تكون المجرات وكيفية تركيبها عبر تاريخ الكون صحيحة للغاية، ويجعلنا أكثر ثقةٍ بما نتوصل إليه نظريًا”.


  • ترجمة: منار نعيم.
  • تدقيق: رجاء العطاونة.
  • تحرير: محمد سمور
  • المصدر