منذ فجر صناعة الفن الإنساني، كان الفرق واضحاً: هناك أشخاص يستطيعون أن يقوموا برسم ما يرون بأقل مجهود، وهناك أشخاص يعانون لساعات ليحصلوا على الزوايا و النسب الصحيحة (و عندما يصلون يكون قد تم تشويه الرسمة بآثار الممحاة).

ما الذي يفرق بين من يجيدون الرسم و من لا يجيدون الرسم؟

بحث جاري يكشف الإجابة عن هذا السؤال قديم الأزل.

يبدو أن قدرة الرسم الحقيقية ترتكز على ثلاثة عوامل: كيف تتصور الواقع، قدرتك على تذكر المعلومات المرئية من اللحظة للحظة التي تليها،أي عنصر من الشيء تقوم برسمه فعلا؟

إذا كنت مهتماً بالرسومات الخطية البسيطة،فالأخبار السعيدة طبقاً للباحثين بجامعة لندن كوليدج أن البشر يستطيعون أن يتحسنوا في تلك العمليات العقلية كلها بالتدريب.

أولاً: الأشخاص الذين لا يجيدون الرسم، هم بالأساس لا يرون العالم كما هو بالحقيقة.

عندما ننظر إلى شيء،تقوم أنظمتنا البصرية بإساءة الحكم لبعض الخواص كالحجم، الشكل و اللون.

بحثٌ في خلال الثلاث سنوات السابقة يظهر على الأقل بعض من مشاكل التصورات الخاطئة للأشياء تتم ترجمتها إلى أخطاء في الرسم.

بشكل متناقض، و في ظروف أخرى يساعدنا التصور الخاطئ على تكوين تصور منطقي للعالم.

على سبيل المثال، تظهر الأشياء كبيرة عندما تكون قريبة،و تظهر أصغر عندما تكون بعيدة.

بالرغم من ذلك، الأنظمة البصرية تتدرب على ثبات الحجم بإدراكها للأشياء كأنها حجم واحد تقريبا مهما ابتعدت مسافتها.

النظام البصري يعلم أن ذلك الهدف البعيد أكبر مما يظهر فعلاً، لكنه يرسل معلومات خاطئة للمخ عن ما تراه مقلة العين فعلاً.

الأشخاص الأكثر سوءاً في الحكم على الحجم و الشكل و اللون و السطوع الظاهر للأشياء، ربما يكونون هم الأسوأ في الرسم.

بحثٌ سابق بواسطة جاستن اوستروفسكي و زملائه في كلية بروكلين و مركز المتخرجين من جامعة المدينة بنيويورك يزكون تلك الفرضية.

الأشخاص الذين يرسمون جيداً يكونون أكثر قابلية ليتجاوزوا تلك التصورات الخاطئة و يدركون ما تراه أعينهم فعلاً.

تقول “ريبيكا تشامبرلين” العالمة النفسية بجامعة لندن كوليدج أن الإدراك غير الدقيق للصور هو جزء واحد من القصة.

تشامبرلين و زملائها قاموا مؤخراً بعمل تجارب ليتحققوا من الدور الذي تلعبه الذاكرة البصرية في عملية الرسم.

هم يؤمنون أن موهبة الرسم في جزء منها ينتج عن القدرة على تذكر العلاقات البسيطة في الشكل؟ مثل الزاوية بين خطين؟ من اللحظة التي تدرك فيها الزاوية إلى اللحظة التي يتم رسمها فيها.

و صرحت تشامبرلين لمجلة “لايف ليتل مايستريس”:

“يبدو أن الرسم يتضمن التركيز على العلاقات النسبية الكلية كما يتضمن التركيز على التفصيل الواحد معزولا عن الكل، القدرة على التنقل بين هاتين الحالتين تؤدي إلى رسم ناجح”.

علاوة على ذلك كما هو مفصل في ديسمبر في مجلة Psychology of Aesthetics, Creativity and the Arts “اوسوتروفسكي” و زملاؤه وجدوا أدلة هامة على أن الفنانين الموهوبين هم أفضل في إختيار عناصر الشيء القادرة على نقل تكوينه.

و فور أن ينقلوا تلك العناصر الهامة هم أفضل في تركيز انتباههم عليها و صرف انتباههم عن التفاصيل المحيطة بها.

الشيطان يكمن في التفاصيل، و ما زال الباحثون يعملون على فهم التفاعل بين كل تلك العوامل التي تؤثر على دقة الرسم.

أياً كانت، كل تلك العوامل يمكن تعلُمها.

و أضافت تشامبرلين:

“لاشك أن التدريب، عنصر مهم لتكون قادر على الرسم”.

بينما يكون البعض ميالا إلى أن يكون أفضل في الإدراك الحسي و الذاكرة البصرية من البعض الأخر، إلا أن باقي البشر يتغلبون على ذلك ببعض الخدع.

وفي بحث قدم مؤخرا في ندوة بجامعة كولومبيا و سينشر قريبا بجريدتها،وجدت تشامبرلين و زملاؤها أن التدرب على الرسم، يحسن قدرات البشر بمرور الوقت، حسب تقييم الأشخاص المشاركين في الدراسة.

استنادا على بحثهم، يوصي العلماء النفسيين بالتقنيات التالية لتحسين الرسم:

  • التركيز على تدريج مقياس الرسمة لتناسب حجم الورق المستخدم.
  • ربط الشيء بما يحيط به عن طريق إظهار موقعه في الفراغ.
  • التركيز على المسافة بين عنصرين من الشئ نفسه و أحجامهم المتناسبة.
  • و التركيز على حجم و شكل “الفراغ السالب” أو المسافة الفارغة بين الأجزاء.

أخيرا, يوصي العلماء بالتفكير في “الخطوط” على أنها ما تكون فعلا – حدود بين المناطق المضيئة و المظلمة.

و أوضح كريس مكمانس عضو فريق البحث “هناك بعض المهارات لا يمكن تطويرها بالتدريب”.