تخيّل أنكَ تقضي فصل الشتاء في شيكاغو – المعروفة ببردها القارس-، ولا تمتلك سيّارةً للتنقل، فتتجه إلى محطّة القطار وتنتظر على رصيفها محاولًا تغطية نفسك كي لا يتسلل الهواء البارد إلى جسمك.

هذا ما حصل مع أحد الأشخاص، والذي قال بأنه وجد نفسه واقفًا على واحدةٍ من الأرصفة تلك يرتجف بردًا تحت مصباحٍ حراريٍّ ضعيف، حيث انخفضت درجة الحرارة يومها إلى 16 درجة مئوية تحت الصفر.

يقول: «كنت قد جئت من الغداء بعد أن أتممت شحن هاتفي النقّال في المطعم إلى 100%، وكانت وِجهتي التالية هي وسط المدينة ولأنني غريبٌ عنها فأنا مُضطرٌ لاستخدام جهاز الملاحة “GPS” لاستدل على وِجهتي، وما أن أخرجت هاتفي لأجد تنبيهًا أحمر اللون لمؤشر البطاريّة 1%… 1%… 1%… ، حيث بدأت بالانخفاض التدريجي وبعد لحظاتٍ انطفأ الجهاز تمامًا», ولكن لماذا؟

مالذي جعل برودة الطقس تؤدي إلى نَفاذ شحن الهاتف النقّال؟

كإجابة قصيرة؛ فإن مبدأ عمل البطاريات يعتمد أساسًا على التفاعلات الكيميائيّة، وعند انخفاض درجة الحرارة إلى الدرجات الدُنيا، فهذا من شأنه أن يُبطئ هذه التفاعلات ومن الممكن أن يُثبّطها بالكامل.

بطاريات شَوارد(ايونات) الليثيوم القابلة لإعادة الشحن الموجودة داخل جميع الهواتف المحمولة تقريبًا، والتي تزُوِّد مُعظم أجهزتنا الحديثة بالطاقة، يتفرّغ فيها التيار الكهربائي كشوارد ليثيوم مُفردة حيث تتحرك ضمن المحلول من (القطب الموجب للبطارية-The Anode)، إلى (قطبها السالب-The Cathode).

ووفقًا للمهندسة آن ماري ساستري (Ann Marie Sastry) المؤسسة المشاركة والرئيس التنفيذي لشركة “Sakti3″، تقول: «عندما تُستَنزف البطارية تكون كل الشوارد متضمّنة في الجرافيت المسامي (Porous Graphite) في القطب السالب، أما عندما تكون البطارية مشحونة بالكامل فتصبح كل الشوارد متضمنة في القطب الموجب».

لا يوجد لدى الكيميائيين فكرةً دقيقة عن كيفيّة إبطاء البرد للتفاعلات التي تحدث داخل بطاريات شوارد الليثيوم، وفي ورقة نُشرت عام 2011 في مجلة ” Electrochemical Society” قال فريقٌ من مهندسي البطاريّات: «لا تزال الآليات الدقيقة التي تؤدّي إلى إضعاف أداء بطاريات الليثيوم غير مفهومة بشكل جيدٍ حتى الآن».

في الحقيقة عندما انخفض شحن الهاتف وظهرت على مؤشر الشحن إشارة 1%، فإن الشوارد لم تنتقل فجأةً إلى القطب السالب، لكنّ درجة الحرارة الباردة هي التي تمنع حدوث مثل هكذا تفريغ تحت ظروف مختلفة في درجة حرارة الغرفة.

تقول الكيميائية آن ماري هلمنستين (Anne Marie Helmenstine)، الحاصلة على الدكتوراه في علوم الطب الحيوي: « بسبب البرد القارس قد يتباطئ التفاعل داخل البطارية ويمكن أن يتوقف أيضًا، لذلك فإنه يُفرغ تيّارًا أقل مما يحتاجه الهاتف ليبقى قيد التشغيل، وأن ترجمَة الهاتف لضَعف عملية التفريغ هذه مُدلّلًا بها بأن البطارية تم استنزافها وسينطفئ الهاتف عمّا قريب».

ولحسن الحظ لم يحاول ذلك الشخص شحن بطاريته في الوقت الذي كان فيه الهاتف متجمّدًا؛ لأنه ووفقًا لما كتبه الكيميائيّ ستيفن ج. هاريس (Stephen J. Harris) ؛ فإن عمليّة شحن شوارد الليثيوم في ظل درجات الحرارة الباردة جدًا من شأنها أن تفشل فشلًا ذَريعًا، في حين أنه عند تطبيق تيّار كهربائي على البطارية في الظروف الطبيعية من شأنه أن ينقل الشوارد مرّة أخرى إلى مسام الجرافيت في القطب الموجب.

ولكن عندما تكون البطارية متجمّدة، لا تدخل الشوارد إلى الجرافيت وبدلًا من ذلك تَخرج من المحلول وتتوضّع على سطح الجرافيت على هيئة ليثيوم صلب، ويمكن لهذه العملية أن تضرّ بأداء البطارية وعمرها التشغيليّ.

وما أن يعود الهاتف إلى حرارته الطبيعية ستكتشف أنه ليس بحاجة لأي شحنٍ إضافيّ، فكلّ ما كان يحتاجه هو حرارة دافئة بما فيه الكفاية لتُعيد التفاعل الكيميائي إلى وضعه الطبيعي، لأن الشوارد لم تذهب إلى أي مكان، وإنما لم تتمكّن من التحرك بشكل صحيح في البرد.


  • ترجمة: رامي الحرك.
  • تدقيق: قُصي السمان.
  • المحرر: عامر السبيعي.