كيف يميز الدماغ أطرافنا بعضها عن بعض


تؤدي الساقان والذراعان وظائف مختلفة تمامًا. السيقان مسؤولةٌ عن الحركة المتكررة التي تؤدي إلى المشي والركض، وعلى النقيض من هذا، يجب أن تتمكن الأذرع من القيام بالعديد من الوظائف المتخصصة للغاية كالتقاط القلم والكتابة، إمساك الشوكة، أو العزف على الكمان.

ولكن التنظيم العصبي من الحبل الشوكي الذي يتصل بالذراع والساق غير مفهومٍ بصورةٍ جيدة.

بيّنت دراسة في معهد سالك Salk على الفئران الاختلافات في الخلايا العصبية التي تؤدي إلى الأنواع المختلفة من الحركات. وقد تؤدي هذه النتائج في يوم من الأيام إلى علاج إصابات الحبل الشوكي باستخدام الخلايا الجذعية، وتمّ نشر البحث في مجلة Neuron في 21 شباط 2018.

يقول سامويل بفاف، الباحث في معهد هوارد هيوز الطبي والكاتب الرئيسي للبحث: «الطريقة التقليدية للتفكير في الحبل الشوكي هي بتخيله كعمود متصل من الأعصاب يربط الدماغ بالعضلات. إذا أمعنت النظر إلى صور لمقطع عرضي للحبل الشوكي ستجد اختلافات طفيفة في الحجم بين المناطق التي تسيطر على الذراعين وتلك التي تسيطر على الساقين، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت هذه الفروقات كبيرة»

بفضل مجموعة من التقنيات المختبرية المتطورة. أصبح بإمكان الباحثين الآن معرفة الفروقات التي تؤدي إلى التخصص في حركة الأطراف.

وإحدى هذه التقنيات هي استخدام الدلائل الجزيئية للتعرف على أنواع الخلايا. وفي الدراسة الحالية، ركّز الباحثون على مجموعة من الخلايا العصبية المسماة V2a التي تحتوي على المورثة CHX10.

يقول بفاف: «نحن نعلم سابقًا أنّ هذه الخلايا العصبية تساهم بالحركة على طول الحبل الشوكي. وهذا سيخلق موقفًا متناقضًا: ما الإختلاف في خلايا V2a الموجودة في مستوى العنق، التي تسيطر على الأذرع، مقارنة بالخلايا الموجودة في أسفل الظهر، التي تسيطر على الساقين؟»

على طول العمود الفقري، لا تمتلك الخلايا مورثة CHX10 بكميات متساوية. في بادئ الأمر، استخدم الفريق طريقةً تسمى تسلسل الحمض النووي الريبي لمعرفة الاختلافات في التعبير الجيني لخلايا V2a العصبية بين مناطق الذراع ومناطق الساق. (ويعتقد أنّه يمكن مقارنتها بالأطراف الأمامية والخلفية للحيوانات). اكتشف ماريتو هاياشي، الباحث في أبحاث ما بعد الدكتوراة وأحد المؤلفين للبحث، أنّ هذه الخلايا الموجودة في الحبل الشوكي يتم تصنيفها إلى مجموعتين رئيسيتين. في المنطقة العنقية (المسؤولة عن حركة الذراع) تنقسم الخلايا العصبية بنسبة 50-50% بين هذه التي تملك المورثة وهذه التي لا تملكها، إمّا في المنطقة القطنية (المسؤولة عن الساق) فإنّ معظم الخلايا العصبية تحتوي على المورثة.

استخدم الباحثون تقنية تسمى البصريات الضوئية optogenetics – التي تستخدم الضوء في إثارة أو إيقاف الخلايا – لملاحظة كيفية اتصال الخلايا العصبية V2a بالخلايا العصبية المسؤولة عن الحركة في الحبل الشوكي. وقد وجدوا أنّه عندما قاموا بتحفيز خلايا V2a الموجودة في مستوى العنق، فإنّ اتصالاتها بالخلايا العصبية الحركية كانت ضعيفة، أما في المنطقة القطنية، فكانت الإتصالات قويةً وسريعة.

وبعدها استخدموا إحدى التقنيات المخبرية التي يتم فيها استخدام نسخة معدلة من فيروس داء الكلب لتعقب الدوائر العصبية، وجد الباحثون أنه في المنطقة العنقية، العديد من خلايا V2a العصبية التي لا تملك المورثة CHX10 كانت متصلة بالدماغ. وبالعكس، في المنطقة القطنية، حيث أغلب خلايا V2a العصبية تملك المورثة CHX10، كانت الخلايا العصبية مرتبطة بإحكام ببعضها البعض وبالخلايا العصبية الحركية في الحبل الشوكي. وهذا أمر منطقي، وفقا لبفاف، لان اليد وحركات الذراع تحتاج إلى أن يتم تنسيقها بعناية مع الدماغ، في حين أن حركات الساق تعتبر آلية أكثر.

ويضيف هاياشي: <<في السابق، كان الناس يعاملون الخلايا العصبية V2a كمجموعة واحدة متطابقة في كل المناطق. ولكن بالاعتماد على ما وجدناه داخل الحبل الشوكي، فإن الحالة الجزيئية لهذه الخلايا- وبالتالي وظائفها- كانت مختلفة.»

بحث فريق معهد سالك Salk، بما في ذلك الاخصائي في المعلوماتية الحيوية شون دريسكول، فيما إذا كان هنالك أكثر من مجموعتين رئيسيتين للخلايا العصبية V2a عن طريق استخدام تقنية تسمى بتسلسل الحمض النووي الريبي للخلايا الفردية، التي تساعد في التعرف على المورثات الفريدة الموجودة على مستوى خلية واحدة. أدى هذا البحث الى التعرف على 11 مجموعة فريدة من خلايا V2a العصبية.

ستركز الأعمال القادمة أكثر على الاختلافات الجزيئية بين هذه الخلايا العصبية.

ويضيف هاياشي: «ونأمل أن نقوم بتحليل أكثر تفصيلا لربط الخلايا العصبية المختلفة بوظائفها،» وإذا أثبتت هذه النتائج يوما ما أنها صحيحة على البشر، من الممكن ان يؤدي هذا إلى تطوير علاجات مخصصة لإصابات الحبل الشوكي، باستخدام الخلايا الجذعية على الأغلب.

«في الوقت الحاضر، استخدام الخلايا الجذعية لإصلاح إصابات الحبل الشوكي هو أمر لا نعلم كيف نحققه، يمكنني ان أشبه ما قمنا به بمحاولة تصليح مشكلة ما في النظام الكهربائي للسيارة عن طريق فتح غطاء محرك السيارة ورمي مجموعة من السلاك. في عملنا هذا، نحن نقترب أكثر فأكثر من معرفة ما عمل كل سلك من هذه الأسلاك»


  • ترجمة: سنان حربة
  • تدقيق: م. قيس شعبية
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر