الموت من قلة النوم ممكن، وفي حالات نادرة يكون مرضاً وراثياً ينتهي دائماً بالوفاة، بسبب الأرق!

الأرق العائلي القاتل (fatal familial insomnia or FFI) هو مرض جيني يتمثل بأرقٍ مستمر يبدأ في أفراد من عائلات محددة لينتهي بالوفاة بسبب عدم النوم .

لا داعي للفزع، هذه حالة جينية نادرة لا توجد إلا في حوالي الأربعين عائلة، ولندرتها لم تسمى إلا مؤخراً، ويتم دراستها حول العالم في الوقت الحالي، ويبلغ تعداد المصابين بها فقط حوالي مئة فرد من الأربعين عائلة، ما نعرفه عن المرض هو ما يلي:

يعتمد المرض على شذوذ بروتيني، حيث يهاجم بروتين يدعى البرايون -بروتين مُعدي, مشوَّه, مطوي بشكل خاطئ يؤثر على الجهاز العصبي والأعصاب، يعمل هذا البرايون على تشويه البروتينات المشابهة لتركيبه الأصلي وقولبتها إلى مثله- المهاد في الدماغ.

هذا المرض وراثي، ينتقل من الآباء إلى الأبناء عبر الأجيال.

أولى علامات هذا المرض هو قلة النوم، يتبعه أرق وهلوسات مستمرين، ونوبات فزع، يتطور مع الوقت إلى أرق مستمر يتسبب بفقد الوزن، ثم يتقدم حتى يعجز المصاب عن النوم، لدرجة أن أجهزة الجسم تتعطل وتتوقف عن العمل لتحدث الوفاة.

في إحدى الحالات التي ظهرت على التلفاز، طوَّر رجل في خمسينياته هذا المرض بعد عمرٍ من النوم الهني، وهذا أمر شائع عند حاملي المرض.

ثم بدأت مشاكل نومه تكبر ككرة الثلج المتدحرجة، ولم يعد يسمح له جسده بالراحة، ثم مات خلال أشهر.

قصص كهذه تذكرنا أن النوم لا يزال لغزاً ينتظر الحل، لكن الشخص الطبيعي لا يحمل جينات هذا المرض ولا يستطيع السهر حتى يموت(في الواقع، سيجد أن هذا من المستحيل).

مع الأسف تحمل أربعون عائلة جينات هذا المرض، ورغم أنه أمر مؤسف، إلا أنه يعطينا نظرة على أهمية النوم بالنسبة للجسم البشري وتأثيره عليه.

صحيح أن الأبحاث أثبتت بإستمرار أن النوم لمدة أقل من ست ساعات كل ليلة تزيد إحتمال إصابتك بطيف واسع من الأمراض كسرطان الكولون، سرطان الثدي، السمنة المفرطة، والسكري،كما وليس من الصعب أيضاً أن يتسبب الحرمان من النوم بقتلك عن طريق حادث سيارة، نظراً لتأثير قلة النوم على التركيز والإنتباه، وبشكل عام يؤدي إلى تدهور ملحوظ في صحتك، لكنك لن تستطيع أن تحرم نفسك من النوم كفاية لتصل إلى الموت.

وفقاً لسجل غينيس، راندي غاردنر هو حامل الرقم القياسي منذ عام 1964 حينما كان في السابعة عشرة من عمره، حيث ظل أحد عشر يوماً (264 ساعة) بلا نوم، بعد إبعاد النوم بضعة أيام بالحمامات الباردة، لعب كرة السلة، والإستماع للموسيقى العالية، المراسلين الصحفيين وألعاب البينبول، لم يعد بإمكانه تركيز بصره وأضطر إلى الإسستغناء عن التلفاز، ثم صار كلامه مشوهاً، لينتهي به الأمر بذهول صامت.

لم يمت غاردنر بعدها، لكنه نام أكثر من المعتاد لعدة ليالٍ، بعدما ركن إلى النوم أخيراً.

نعتقد الآن أن المهمات الطويلة القليلة النوم كهذه خطيرة، ويبدو أنه دفع الثمن بأخذ ساعات نوم إضافية لعدة ليالي، ولكن تذكر أنه كان مراهقاً شاباً.

العبرة من القصة: يمكنك الإستمرار فترة من الزمن دون نوم جيد، وستتحمل العواقب بعدها، وستتعافى إن أعطيت جسدك الفرصة ليفعل، لكن الفشل المعتاد والمستمر في الحصول على النوم الذي يطلبه جسدك شيء سيء جداً من الناحية الصحية، ويحمل عواقب طويلة الأمد على مدى صحتك ونوعية حياتك.

نرجو منك عزيزي القارئ ألا تحاول كسر رقم غاردنر القياسي، فقد قررت موسوعة غينيس أن الحرمان الإرادي من النوم أمر خطير جداً، ولن تقوم بالموافقة على أي محاولات من هذه الناحية.

أحلاماً سعيدة.