عادًة، ترتبط السمنة في دول الغرب المزدهر بشيء واحد فقط وهو الطعام الزائد، أو بمعنى أدق بالخلايا الدهنية الزائدة.

ومع ذلك، تبدو صور الأطفال الفقراء الذين يعيشون في دول غير مزدهرة بعكس التوقعات؛ فيتعارض مظهر هؤلاء الأطفال مع أقوال آباءهم وأمهاتهم عن شعورهم بالذنب حيال تغذية أطفالهم الذين يصعب إرضاؤهم.

حسنًا، لا يبدو أن سوء التغذية وانتفاخ البطن أمران مترابطان، ولذلك فإن تلك الصور المربكة لهما تُحدث ما يُسمى بـ”التنافر المعرفي”.

لا شك أن هؤلاء الأطفال يعانون من سوء التغذية، ويتضح ذلك من أذرعهم الهزيلة الشبيهة بالأغصان وجلودهم التي تغطي عظامهم والتي يبدو أنه لا يمكن قرصها.

إن سوء التغذية لديهم لا يشبه حالات فقدان الشهية الخطيرة.

ولكن سبب سوء التغذية المصحوب بانتفاخ غير اعتيادي للبطن يعود لنقص في عنصر غذائي شديد الأهمية، وهو البروتين، وسمي هذا النوع من سوء التغذية بسوء التغذية بالبروتين والطاقة “PEM”.

نقص البروتين

تنقسم حالات سوء التغذية الناجمة عن نقص البروتين والطاقة عند الأطفال إلى نوعين أساسيين:

– النوع الأول وهو “السغل” أو”القحول” أو “المارزمس”

وهو نوع ناجم عن نقص البروتينات والعناصر الغذائية في الطعام بالمجمل.

– النوع الثاني وهو “كواشيوركور”

وهو سوء تغذية ناجم عن نقص حاد في البروتين والطاقة، وهو المسؤول عن انتفاخ منطقة البطن عند الأطفال، إذ أن “كواشيوركور” هو حالة شديدة تسبب ما يطلق عليه “الوذمة”، وهي التجمع الضار للسوائل في تجاويف الجسم الداخلية، بالإضافة إلى الكبد المليء بالدهون المترسبة، ويتم تشخيصه غالبًا في الأطفال الذين يعيشون في مجتمعات محفوفة بالفقر والعجز.

قامت بصياغة هذا المصطلح طبيبة الأطفال الجمايكية “سيسلي ويليامز”، إحدى أوائل الخريجين من جامعة إكسفورد، وإحدى الرواد في الدراسات المتعلقة بصحة الأم والطفل.

على الرغم من أنها قامت بتقديمه سابقًا في أبحاثها الأكاديمية، إلا أن هذا المصطلح عُرٍض علنًا لأول مرة في مقالة كتبتها عام 1935 في المجلة الطبية “ذا لانسيت”، وهو مشتق من لغةٍ غانيّةٍ، ويُترجم تقريبًا بأنه “المرض الذي يصيب الأطفال عند ولادة طفل جديد”، وسمي بذلك لأنه يعكس نشوء الحالة عند الأخ الأكبر المفطوم حديثًا من حليب الثدي، نتيجة لولادة شقيقه الأصغر سنًا.

يعُد حليب الثدي المصدر الرئيسي الذي يمد الرضيع بالبروتينات والأحماض الأمينية، وهي عناصر غذائية حيوية ومهمة، قد يهدد نقصانها النمو الفسيولوجي والعقلي بشكل كبير.

على الرغم من حصول الأطفال على نظام غذائي مليء بالكربوهيدرات، إلا أن نقص البروتينات هو الذي يجعلهم ضحايا لهذا المرض، وتُشكل السعرات الحرارية التي يحصل عليها الطفل في الأساس من تناوله لطعام مثل الأرز والكسافا واليام وغيرها من الأطعمة الغنية بالكربوهيدرات، لكنها لا تحتوي أي بروتينات تقريبًا! وقد يُعرقل نقص البروتينات هذا وظائف الجهاز اللمفاوي.

تجمع السوائل

يعتبر الجهاز الليمفاوي مسؤولًا عن ثلاث وظائف في غاية الأهمية:

  • الوظيفة الأولى: هي استرداد السوائل.
  • الوظيفة الثانية: مراقبة جهازنا المناعي.
  • الوظيفة الثالثة: ضمان امتصاص الدهون.

وبسبب نقص التغذية لدى مرضى كواشيوركور تتوقف تلك الوظائف الثلاثة.

إن استرداد السوائل؛ هي عملية دفع السوائل -مثل الماء- من الأنسجة إلى مجرى الدم، ويتم توليد الضغط اللازم لدفع هذه السوائل من البروتينات، والتي تصبح عالقة بسبب حجمها الكبير، ولا يمكنها التسرب من خلال الشقوق الموجودة في جدران الشعيرات الدموية.

فيجب أن يتغلب الضغط الناتج عن البروتينات على الضغط الهيدروستاتيكي، وحينها يتم سحب المياه من الأمعاء من خلال “العملية الأسموزية”.

ومع ذلك يقل الضغط في غياب البروتينات، مما يؤدي إلى تراكم السوائل في الأمعاء والأنسجة، ومع نقص البروتين لا يملك الجسم أي طاقة لإجراء هذه العمليات الأيضية، فتُسبب هذه السوائل المتجمّعة في الأمعاء الانتفاخ، في حين أن السوائل المتجمعة في الأنسجة تحفز حدوث “الوذمة”.

قد يعاني مرضى كواشيوركور أيضًا من فقدان الأسنان المبكر، وترقق الشعر، وتصبغ الجلد، وعلى الرغم من أن التشخيص والعلاج قد لا يستطيع حل مشكلة توقف النمو وبطئه، ولكن هذا أفضل بكثير من التشخيص المتأخر الذي من الممكن أن يكون قاتلًا.


  • ترجمة: رؤى الشرايده
  • تدقيق: منة حمدي
  • تحرير: ندى ياغي
  • المصدر