كانت قُمرة قيادة مَركبة (أبولو- Apollo) التي أخذت رواد فضاء أمريكيين للقمر في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، دلوًا عالي التقنية من المسامير، والأسلاك والدوائر الكهربية.

من الصعب تخيل أن ثلاثة رجال في سترات فضائية ضخمة، أمضوا أحد عشر يومًا منحشرين في الكبسولة أثناء رحلتها للفضاء وفي عودتها.

الآن، تخيل أن جميع رواد الفضاء الثلاثة قد أصيبوا بالمرض واحدًا تلو الآخر، السعال، السعال السطحي المتقطع والعطس.

هذا ما حدث في عام 1968م، عندما اختبر طاقم «أبولو 7» قمرة القيادة في مدار الأرض.

عاد رواد الفضاء (والي شيرا – Wally Schirra) (والت كونينجهام – Walt Cunningham) و(دون ايزيل- Donn Eisele) جميعًا بنزلات برد في آن واحد.

كان الأمر سيئًا للغاية، لدرجة أنهم لم يتمكنوا من ارتداء خوذاتهم خلال إعادة دخولهم للمركبة، بسبب الألم الناتج عن فرقعة آذانهم المسدودة.

لأغلب وقت الرحلة، كان الثلاثة يعطسون، يسعلون ويعانون من كل الأمور الأخرى التي تصاحب الأشخاص المصابين بنزلات البرد.

على الرغم من أن الممثل (جورج كلوني) والممثلة (ساندرا بولوك) لم يعطسا في فيلم (جرافيتي – Gravity) فإن رواد الفضاء الحقيقيين يفعلون ذلك، ويسعلون، وينظفون أنوفهم أيضًا.

(فرانك بورمان – Frank Borman) في «أبولو 8» أول بعثة مأهولة للقمر، تقيأ وأصيب بالإسهال.

كل هذه الأحداث الجميلة قد تحدث في دفء السفينة الفضائية، أو مرتديًا الخوذة خارجًا في رحلة على الأقدام في الفضاء.

الشيء الذي يجعل رائد الفضاء يعطس في الفضاء هو نفس الشيء الذي يجعلنا جميعًا نعطس هنا على الأرض.

هل أنت مستعد لاكتشاف ماهية هذا الشيء؟

الجراثيم الفضائية:

أنوفنا تشبه المكانس الكهربائية.

في كل مرة نستنشق الهواء عبر فتحتي أنوفنا، نستنشق أجزاءً من الغبار، الأوساخ، البكتيريا، والفيروسات.

الشعر في أنوفنا، والمعروف باسم (الأهداب – Cilia) ينقي معظم المُهيِّجات، وتفعل ذلك أيضًا الأرفف العظْمية في أنوفنا المسماة (كاربينات – Carbinates).

بالرغم من تلك الدفاعات، تفر بعض الميكروبات وتسافر لداخل الممر الأنفي.

عندما يحدث هذا، ترسل أعصاب دقيقة في الأنف إشاراتٍ للنخاع الدماغيّ، الذي يقبع في الجزء السفلي من الدماغ.

الدماغ، والذي هو مركز قيادة الجسم، يأمر العضلات في الصدر والحلق بالانقباض، والعينين بالإطباق، والفم بالانغلاق.

وحين تقلّص الحنجرة والصدر، يعطس الشخص.

العطس ليس بالشيء السيئ حرفيًا مثل السعال والقيء، العطس يسمح لأجسادنا بالتخلص من الأشياء التي تجعلنا

مرضى، وتطهير التجويف الأنفي مع تيار من اللعاب والمُخاط المُحاصِر للمُهيجات.

لكن العطس مزعج، بل وأكثر من ذلك في الفضاء الخارجي. هذا بسبب أن الكبسولات الفضائية والمحطات الفضائية عبارة عن (صحون بترية ذات جاذبية ضعيفة – Microgravity Petri Dishes).

توفر المساكن الضيقة مع الجاذبية الضعيفة بيئةً مثالية لتكاثر الجراثيم.

إذا عطس أو سعل شخص على الأرض، فإن الجراثيم تتطاير من فمه لمسافة تتراوح بين 3 إلى 6 أقدام (1 إلى 2 مترًا) قبل أن تستولي عليها الجاذبية وتسقط للأرض.

في الفضاء، الجراثيم تبقى معلقة لمدة طويلة جدًا. عندما تستقر الجراثيم في نهاية المطاف، تسقط على لوحات الآلات، والأوعية، والأدوات المعملية، ومقاعد المراحيض، وحتى على موائد الطعام.

علاوةً على ذلك، فإن الجاذبية الضعيفة تدمر نظام المناعة عند البشر، ما يجعل رواد الفضاء أكثر عرضةً للإصابة بهذه الجراثيم بطيئة الحركة، عالية التحليق.

وفقًا للدكتور (ليونارد ميرمل) من (جامعة براون – Brown University) الذي درس تأثير الجاذبية الضعيفة على الأمراض المعدية، من أصل رحلات «ناسا» البالغ عددها 106 رحلات، تم تسجيل 29 حالة من حالات العدوى بين 742 من أفراد الطاقم.

لا يدرك العلماء تمامًا لماذا تسبب الرحلات الفضائية نقص المناعة. التئام الجروح أصعب، ولا تعمل الخلايا المُكافحة للأمراض بكفاءة كما تفعل على الأرض.

وفي هذه الأثناء، (مسببات الأمراض – Pathogens) التي تجعل رواد الفضاء مرضى، تصبح أقوى.

في عاميّ 2006 و2008، أرسلت «ناسا» بكتيريا (السالمونيلا – Salmonella) في مكوك فضائي لترى كيف يؤثر ضعف الجاذبية على البكتيريا المُعدية المسؤولة عن التسمم الغذائي.

كانت الفئران المعرضة للنسخة الفضائية من البكتيريا أكثر عرضةً للإصابة بثلاث مرات.

وماتت الفئران أسرع من تلك المعرضة للسلالة الأرضية من البكتيريا.

تتشبث «السالمونيلا» والجراثيم الفضائية الأخرى بالأسطح بشكل أفضل وتهزأ من (العوامل المضادة للميكروبات -Antimicrobial Agents) التي هي أقل فاعليةً في الفضاء من هنا على الأرض.

يرحمكم الله!

ومع ذلك، لا يزال العطس مستمرًا ورائد الفضاء يجب أن يكون مستعدًا عندما يحدث ذلك، خصوصًا إذا كان محاطًا ببزة فضاء أضيق من لفائف المومياء المصرية.

رواد الفضاء لا يمكنهم مجرد تغطية أفمامهم وقول: «معذرةً».

(ديف وولف) رائد الفضاء المخضرم، أضطر للعطس مراتٍ عديدة بينما كان يتنقل خارج محطة الفضاء الدولية.

المفتاح، كما يقول (وولف): «أن تبقي رأسك منخفضًا عندما تأتيك الرغبة في العطس.

وإذا لم تتمكن من ذلك، فلا يوجد حل لمسح اللعاب والمخاط من على زجاج الخوذة».

يقول العلماء أن الآثار الجانبية لكل هذا العطس، والسعال السطحي المتقطع، والسعال يمكن أن تكون كارثية بالنسبة لرحلة طويلة للمريخ أو أي جرم سماوي آخر.

يمكن لمرض كامن أو عدوى في رائد فضاء واحد أن تنشط مجددًا في الفضاء الخارجي، وتصيب الطاقم بأكمله.

ماذا على رائد الفضاء أن يفعل؟

الحل هو الحد من عدد المُهِيجات، البكتيريا، والجراثيم الأخرى في الفضاء.

تستخدم «ناسا» فلاتر عالية التقنية لتنقية الهواء داخل سفينة الفضاء.

رواد الفضاء أيضًا مزودون بمناديل مُعقِمة، أقنعة جراحية، ومعدات تنفس.

ومع ذلك، قد لا يكون هذا كافيًا.

استخدام فلاتر أكبر قد ينجح، ولكن من غير المجدي استخدام هذه المُنقيات الشرهة للكهرباء في الفضاء، حيث تكون هنالك أهمية لكل فولت من الكهرباء.

يقول العلماء أنه من المحتمل أن تكون أفضل طريقة لاحتواء المشكلة هي تطعيم رواد الفضاء المصابين بالإنفلونزا والأمراض الأخرى، بينما يتم فحص الآخرين.

كما توصي خبيرة الأمراض المُعدية (ميرمل – Mermel) بلصق المواد المضادة للبكتيريا على الحوائط في أماكن المعيشة والعمل، وإعادة تصميم مرافق المراحيض بدواسات للقدم، كما هو الحال على الأرض.

المراحيض في محطة الفضاء الدولية قذرة ومحفوفة بالبكتيريا التي يمكنها الهرب بسبب انعدام الوزن في كبسولات الفضاء.

حقيقةً، في عام 2011 اضطر رواد الفضاء لإصلاح مرحاضهم بعد انتشار رائحة كريهة في أرجاء محطة الفضاء.

كان على رواد الفضاء أن يعبثوا بمعدات سباكة يبلغ ثمنها 90 مليون دولار من أجل إصلاح ذلك المرحاض.

بالطبع، الجراثيم مزعجة وكل هذه الاحتياطيات قد لا تنجح. في هذه الحالة، يجب أن تُزوَّد رحلات الفضاء القادمة بالمناديل وأدوية البرد.


  • ترجمة: إبراهيم محمد جادالله
  • تدقيق: محمد عبد الحميد ابو قصيصة
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر