نسمع اليوم عن إصابات بالعدوى الفيروسية حول العالم بصورة مطردة؛ وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت قد يكون التفسير الأوضح في شد الانتباه إليها.

لكن لا يقتصر الأمر على ذلك وحسب. أعداد الفيروسات والعدوى التي يسببونها بازدياد فعلًا.

التقدم العلمي، وطريقة عيش الإنسان اليوم، وطبيعة الفيروس الحيوية كلها تساهم في زيادة الفيروسات.

فيروسات جديدة طوال الوقت

تبدو العدوى الفيروسية في كل مكان هذه الأيام. وبدءًا من يناير ٢٠١٨ مرت نيجيريا بتفشٍ كبير غير طبيعي، حمى نزفية سبّبها فيروس لاسا “Lassa”. أكثر من ٤٠٠ إصابة مؤكدة و١٠٠ متوفى حتى اليوم.

وتكافح الولاية الجنوبية الهندية كِرالا “Kerala” ضد تفشي الفيروس النادر نيبا “Nipah” والذي يسبب التهابًا حادًا في الدماغ؛ أدى الفيروس إلى سلب أرواح ١٤ شخصًا في مايو.

التفشي البرازيلي الكبير للحمى الفيروسية الصفراء، والذي بدأ في أواخر عام ٢٠١٧، إذ انتقل إلى منطقة ذات كثافة سكانية كبيرة بالقرب من ساو باولو وريو دي جانيرو. ثلث الناس الـ٧٢٣ والذين تأكدت إصابتهم توفوا بسبب الحمى الصفراء.

ولسنا نغفل الأمراض الخطيرة مثل إيبولا والذي انتشر بين ٢٠١٤-٢٠١٦ في غرب أفريقيا حاصدًا أرواح أكثر من ١١ ألفًا.

ثم تلا ذلك فيروس زيكا بين ٢٠١٥-٢٠١٧ والذي تسبّب لـ٣٥٠٠ طفل بخلل في النظام العصبي والأعين.

أول تقرير لعدوى فيروسية كان حول الحمى الصفراء في الجيش الأمريكي في بداية القرن العشرين.

والآن يُقدّر اكتشاف من ٣ إلى ٤ سلالات جديدة لفيروسات تصيب الإنسان كل سنة وحوالي ٢٥٠ سلالةً لم تكتشف بعد.

اكتشاف فيروس جديد اليوم أمر معقد ويتطلب خطوات عدة.

في العادة يطلب وصفًا كاملًا لشيفرة الفيروس الجينية مع العمل على التسلسل الجيني المكثف في المختبر، وكذلك تحليل بيانات حاسوبية مستخدمين قاعدة بيانات كبرى كمرجع.

نحتاج بعدها دراسات بعلم الأوبئة الطبي، وهو علم يبحث في انتشار الأمراض، وتجارب حيويةً لفهم أي فيروس باعتباره مسبب مرض خطير للإنسان.

ثم بعدها قد يأخذ وقتًا حتى نربط فيروسًا ما بمرض معين يصيب الإنسان.

على سبيل المثال؛ فيروس “Human Parecho Virus” وهو فيروس يسبب مرضًا شديدًا لدى الأطفال اليافعين، اكتشف في خمسينيات القرن الماضي.

ولكن لم يعرف أنه يسبب المرض للأطفال اليافعين إلا في سنة ٢٠٠٤م.

وفِي نفس الموضوع وباء أسترالي كبير منذ ٢٠١٣ ألقي النظر عليه باعتباره مرتبطًا بمرض خطير شبيه بمرض تعفن الدم وله مضاعفات محتملة قد تتطور.

مساهمة البشر

يساهم البشر في الوقت الحاضر في نجاح الفيروسات الخطيرة.

الفيروس يتضاعف فقط في الخلية الحية، وينتشر بشكل أكثر كفاءةً حينما يحصل اتصال بين فردين.

قدرت الأمم المتحدة النمو السكاني العالمي الحالي بأكثر من ١٪ سنويًا. ومن وجهة نظر الفيروس، وهذا يعني زيادة مواطن التكاثر.

انتقال سكان العالم إلى المناطق الحضرية يعني العيش في مساحة أضيق وأقرب، وبالتالي أنسب لانتشار الفيروس.

وتسمح الهجرات الكبيرة المحلية والدولية بانتقال الفيروسات بين المناطق السكانية.

وكان التأكيد على أن الإيبولا الحضرية في جمهورية الكونغو الديموقراطية هي العامل الأساسي في تفشيه، وأصبح التحدي أصعب بكثير.

زاد قلق منظمة الصحة العالمية WHO حين تأكدت حالة مصابة بالإيبولا في منطقة حضرية.

أكدت حالة جديدة من مرض فيروس إيبولا “EVD” في وانغاتا، واحدة من المناطق الصحية في مبانداكا “Mbandaka”، عدد سكانها ١.٢ مليون نسمة في محافظة “Equateur” في شمال غرب جمهورية الكونغو الديمقراطية.

كثير من العدوى الفيروسية حيوانية المصدر، أي أمراض تنتقل من الحيوان إلى البشر.

والخفافيش هي المتهم الأكبر، إذ تقول إحدى النظريات أن نظامهم المناعي الضعيف والفريد يسمح لهم بحمل عدد كبير من الفيروسات دون أن يصابوا بالمرض.

يسبب وباءَ المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة “SARS” فيروسٌ يحتمل أنه بدأ بسبب اتصال بين الخفاش والبشر.

يزيد التوسع السكني باتجاه المناطق البرية من فرصة التقاء الفيروسات بالبشر، وقد تحمل حظائر المواشي الفيروسات التي تصيب البشر، والزيادة السكانية يزيد معها احتمال نشوء المزيد من هذه الحظائر.

يصيب فيروس الإنفلونزا الخنازير والماشية والطيور كما يصيب كذلك الإنسان.

فيروس H7N9 والذي أصاب أكثر من ١٥٠٠ شخص في الصين ونتج عنه موت الثلث حتى سنة ٢٠١٣، قد انتقل أولًا إلى البشر عبر الطيور المريضة.

وحين نأتي إلى لغة الأرقام، فإن أهم ناقل فيروسي هو البعوض.

فعضة من البعوض الزاعجة Aedes على سبيل المثال هي الطريقة الأساسية لانتقال فيروس حمى الضنك، فيروس زيكا، وفيروس شيكونغونيا “Chikungunya”.

كوينزلاند في أستراليا موطن هذا البعوض، لذا تتفشى حمى الضنك سنويًا عبر مسافر مصاب قادم من منطقة موبوءة في العادة.

ربطت دراسة أقيمت في الأمازون بين توسع انتشار البعوض في المناطق الموبوءة بإزالة الغابات وانخفاض الغطاء النباتي.

المقاومة الضعيفة لمبيدات الحشرات المتوفرة ربما قد ساهمت بزيادة أعداد البعوض.

لم تعتبر الفيروسات مخادعة؟

يساهم أساس الفيروسات الحيوي بمدى قدرتها على التسبب بالأمراض. فمعظم الفيروسات البشرية تتضاعف تقريبًا بسرعة وبأعداد ضخمة.

والنتيجة؛ تنشأ طفرات بمعدلٍ عالٍ في الشفرات الوراثية الفيروسية.

ويسمح هذا للفيروس بالتكيف بسرعة مع البيئة المناوئة، مثل الجهاز البشري المناعي والأدوية.

وربما سمحت أيضًا للفيروس بالقدرة على الانتقال من المضيف الحيواني إلى الإنسان.

تخلق بعض الفيروسات عدوى مزمنة والتي تزيد من احتمالية الانتقال.

يختبئ فيروس إيبولا بعد المرض الحاد أشهرًا في أجزاء من الجسم، مثل الأعضاء التناسلية، والدماغ، والعين؛ مولدًا بذلك استجابة التهابٍ ضعيفة.

وبالرغم من أن فيروس نقص المناعة المكتسبة HIV قد يسبب مرضًا حادًا، فإن هناك فترة تأخير طويلة بين الإصابة بالعدوى وظهور المرض.

فقد تمر على الناس المصابين بالعدوى فترة طويلة قبل أن يدركوا أنهم مصابون.

لا يوجد علاج خاص لمعظم الفيروسات البشرية الخطيرة.

وذلك بسبب أن الفيروسات سريعة النمو وكثيرة التنوع، وليس هناك دواء شائع يختص بالقضاء عليها كما هو حال المضادات الحيوية المختصة بالقضاء على البكتيريا.

لكن التحدي الآخر يتعلق بدورة حياة الفيروس نفسها، إذ يستخدم الخلية البشرية المصابة للنمو.

وبالتالي فإن الأدوية التي تستهدف نمو الفيروسات تؤثر على الخلية المصابة، ما قد يسبب أعراضًا جانبيةً للدواء.

بالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة الفيروس على التكيف تزيد من احتمالية تطوير مقاومته للدواء.

فعلاج فيروس نقص المناعة المكتسبة تدخل فيه تركيبة من الأدوية مختلفة الأدوار حتى تعالج المشكلة.

وبغض النظر عن التحديات التي تصحب الفيروسات الخطيرة، يستمر البحث لإيجاد حلول مبتكرة.

والبرنامج العالمي للبعوض في جامعة “Monash” مثال على ذلك.

يرتكز البرنامج على الكشف حول بكتيريا آمنة وطبيعية تسمى “Wolbachia” توقف نمو الفيروس في البعوض.

حيث تحقن حشرات البعوض، في المناطق الموبوءة بالأمراض المنقولة عبر البعوض، بالبكتيريا حتى توقف دورة الانتقال.

وأخيرًا، إن الاستراتيجيات الماكرة التي تستخدمها الفيروسات الخطيرة لا تساوي سعة ومقدار براعة الإنسان ودهائه.


  • ترجمة: لبيد الأغبري
  • تدقيق: أحلام مرشد
  • تحرير: حسام صفاء
  • المصدر