هل يتواجد كوننا في أكثر من ثلاث أبعاد؟

على الأرجح أنّ هذا مستبعد على صعيد المقاييس الكبيرة، وفق دراسة جديدة نشرت في 23 تمّوز/يوليو في مجلّة علم الكونيّات وفيزياء الجزيئيّات الفلكيّة (Journal of Cosmology and Astroparticle Physics).

وجدت الدراسة أنّه على نطاق المسافات الشاسعة، من المرجّح أن يعمل الكون فقط في الأبعاد الّتي نختبرها على الأرض. إنّ النتائج أيضًا تساعد العلماء على فهم أعمق لطبيعة الطاقة المظلمة، الظّاهرة الغامضة خلف تسارع توسّع الكون.

في تشرين الأوّل/أكتوبر عام 2017، استخدم العلماء مقياس الليزر للتداخل في مرصد الموجات الجاذبيّة (Laser Interferometer Gravitational-Wave Observatory) أو اختصارًا (LIGO) لرصد موجة جاذبيّة نتجت عن تصادم نجمين نيوترونيّين.

تحت اسم (GW170817)، تمّت رؤية هذه الحادثة بواسطة التلسكوبات التقليديّة، ما سمح للعلماء بدراسة هذه الحادثة باستخدام الموجات الجاذبيّة والموجات الضوئيّة في الوقت عينه.

إنّ هذه القياسات المزدوجة تسمح للعلماء بتعلّم مختلف الأشياء عن كوننا، بما فيها عدد الأبعاد التي يمكن أن يحملها.

وتعرض هذه النتائج الجديدة أيضًا أدلّة إضافيّة لنظريّة أينشتاين النسبيّة العامّة.

ويقول كريس باردو (Kris Pardo)، المؤلّف الرئيسيّ لهذه الدراسة وتلميذ الدكتوراه في جامعة برنستون: «تشير النسبيّة العامّة أنّه على الجاذبيّة أن تعمل في ثلاث أبعاد وأظهرت النتائج أنّ هذا هو ما نقوم برؤيته».

في حين برهنت النسبيّة العامّة حتّى الآن أنّها تقوم بوصف كوننا على وجه دقيق، فإن هناك ظاهرة واحدة لا تستطيع شرحها جيّدًا: لم يتوسّع كوننا بشكل متسارع.

لقد أطلق العلماء على هذه الظّاهرة لقب «الطاقة المظلمة»، ولكن لا أحد يعلم ما هي.

تقوم بعض النظريات بتعديل الجاذبيّة لتشرح التوسّع، مقترحة أنّ الجاذبيّة تعمل بشكل مختلف على المقاييس الكبيرة.

وتتنبّأ معظم هذه الأفكار وجود أبعاد إضافيّة، ويمكن استطلاع هذه الأبعاد عبر الموجات الجاذبيّة.

وتقول تيسا بايكر (Tessa Baker)، عالمة الكونيّات في جامعة أوكسفورد في إنجلترا والّتي لم تكن مشاركة في هذه الدراسة: «إنّ كامل الجهود المبذولة في سبيل البحث عن نظريّات معدّلة للجاذبيّة، تحمل في طيّاتها دافع البحث عن لغز الطاقة المظلمة. ما نحاول البحث عنه هو: هل هناك طريقة تمكّننا من التّغيير في قوانين الجاذبيّة لنستطيع أن نشرح لم يتزايد توسّع الكون في سرعته؟»

وفقًا للكثير من هذه النظريّات، إذا كانت الأبعاد الإضافيّة موجودة حقًا، فإنّ موجات الجاذبيّة ستتسرّب نحو تلك الأبعاد الإضافيّة، ما يتسبّب أن تضعف الموجات عندما تعبر الكون.

لقد قام العلماء في الدراسة الأخيرة بقياس المسافة التي قامت الموجات الجاذبيّة والموجات الضوئيّة بعبورها للوصول من (GW170817) للأرض، إلّا أنّ الباحثين لم يستطيعوا أن يجدوا أيّ دليل على ضعف في هذه الموجات الجاذبيّة الذي يترافق مع الأبعاد الإضافيّة.

عقب حدث (GW170817)، استبعدت الدراسات بعض نظريّات الجاذبيّة المعدّلة عبر احتساب سرعة الموجات الجاذبيّة لمعرفة مدّة تأخّر سفرها عبر الزّمن.

واستطاعت هذه الورقة البحثيّة أن تنقض مجموعة كاملة من النظريات الأخرى، هذا ما أخبرته بايكر لمجلّة (LiveScience).

وتستبعد هذه النتائج الجديدة الأبعاد الكبيرة فقط. أي أنّها لا تضع أيّ قيود على الأبعاد العشرة أو أكثر الّتي تقوم نظريّة الأوتار بتنبّؤها، ونظريّة الأوتار هي نظريّة في الفيزياء تقترح أنّ كلّ شيء مصنوع من أوتار متذبذبة صغيرة للغاية.

غير أنّ نتائج البحث الجديدة تظهر أنّه على مدى ما يقارب الميل الواحد (1.6 كيلومترًا) وحتّى 80 مليون سنة ضوئيّة على الأقلّ، فإنّ الكون ثلاثيّ الأبعاد.

وتستطرد النتائج فتستبعد حتّى الأبعاد الأكبر، ولكن فقط إن كان لديها تأثيرات مرئيّة على الفيزياء على مقياس أقلّ من 80 مليون سنة ضوئيّة.

وقد استخدم الباحثون هذه البيانات أيضًا في احتساب عمر الغرافيتون، جزيء نظري، إذا كان موجودًا حقًّا، وهو يقوم بنقل قوى الجاذبيّة.

وقد وجد العلماء أنّ عمر الغرافيتون هو 450 مليون سنة على الأقلّ، أي أنّه لن يتفكّك الغرافيتون إلى جزيئات أصغر في هذا الوقت.

وتقوم بعض النظريّات المعدّلة بتوقّع هذا التفكّك، لذا فإنّه يمكن استخدام حسابات عمر الغرافيتون في أحداث الموجات الجاذبيّة التي تحدث في أجزاء أخرى في الكون، ممّا يساعد على اختبار هذه النظريّات بشكل أكبر.

وتقول بايكر: «إنّ حدث تصادم (GW170817) هو حدث محلّي للغاية إذا كنّا نتحدّث بمصطلحات كونيّة، أيّ أنّه حدث تقريبًا على عتبة منزلنا».

وأضافت بايكر: «إلّا أنّ الفيزيائيّين يودّون أن ينظروا إلى أحداث أكثر تحدث على مسافات أكبر -وهذه الأحداث ستكون قد حدثت سابقًا في الماضي- لأنّ هذه الأحداث ستظهر إذا ما كانت الجاذبيّة والطاقة المظلمة قد تغيّرتا على مرور الزمن».

وحتّى هذه اللّحظة، فإنّه على ما يبدو أنّ الكون يحتوي فقط الأبعاد التي اعتدنا عليها.

ولكن لا تيأسوا، يا كتّاب الخيال العلميّ ويا هواة السّفر عبر الزّمن، فإنّ الأبعاد الصّغيرة المدمجة قد تكون لا زالت موجودة هناك.


  • ترجمة: منال جابر
  • تدقيق: صهيب الأغبري
  • تحرير: زيد أبو الرب

المصدر