الآلية الرئيسية المسببة لشيخوخة الإنسان


اكتشف علماء الأحياء الآلية الرئيسية التي تسبب شيخوخة الإنسان ومن الممكن أن تستخدم للمساعدة في إبطاءها أو عكسها.

حيث وجد العلماء أن تفسخ الحزم المكتظة من الحمض النووي و المسؤولة عن عمل خلايانا الطبيعي هي في الواقع قابلة للعكس، و بمعرفة الكيفية التي تتم بها هذه العملية قد تمكّن من إيجاد علاجات جديدة للأمراض المرتبطة بالعمر مثل الزهايمر.

اكتشف باحثون، من معهد “سالك” (Salk Institute) في الولايات المتحدة والأكاديمية الصينية، ذلك أثناء دراستهم الأسباب الكامنة وراء “متلازمة ويرنر”، هذه المتلازمة عبارة عن اضطراب جيني يسبب شيخوخة أسرع بكثير من الوضع الطبيعي لدى الأفراد المتضررين.

بحيث يعاني الناس مع هذه الظروف من أمراض مرتبطة بالعمر في وقت مبكر من حياتهم كماء العين الزرقاء، السكري، السرطان، و نخر العظام وغالباً ما يموتون في الأربعين أو الخمسين من عمرهم.

لقد وجد الفريق بأن الطفرات الجينية المسؤولة عن هذه المتلازمة تؤدي الى زعزعة بنية الحمض النووي المتكثف، او ما يُعرف بـ “الحمض النووي المغاير” (heterochromatin)، مما يؤدي بدوره الى زعزعة الدنا و عرقلة الوظائف الخلوية الطبيعية و يسبب شيخوخة مبكرةً للخلايا.

قال “خوان كارلوس بلمونت”، من معهد سالك، في بيان صحفي:”هذه العرقلة لحزم الحمض النووي الطبيعية هي المسؤول الرئيسي عن الشيخوخة، ولها آثار تتجاوز “متلازمة ويرنر”، كما تحدد آلية مركزية للشيخوخة ــ الفوضى المغايرة ــ التي تبيَّن أنها قابلة للعكس”.

جين “WRN”، و الذي يلعب دورا اساسيا في تطور “متلازمة ويرنر”، ينتج، في الحالات الطبيعية، بروتين يساعد في الحفاظ على هيكل و سلامة الدنا.

لكن الأشكال العاطلة من هذا البروتين، الناجة عن طفرات في هذا الجين، كتلك الموجودة عند الأشخاص المصابين بمتلازمة ويرنر، يمكن أن تحدث خللاً في عملية نسخ و إصلاح الحمض النووي و التعبير عن الجينات.

اعتقد الباحثون سابقاً أنّ هذا قد يكون عاملاً مساهمًا في الشيخوخة، لكن كيفية اعاقة هذا البروتين العاطل للعمليات الحرجة للخلية لم يكن واضحاً.

في هذه الدراسة الأخيرة، استخدم الفريق تقنية تعديل الجينات لحذف جين WRN من الخلايا الجذعية الجنينية -و التي يمكن لها أن تستمر لتصبح أي نوع من الخلايا في الجسم-.

هذه الخلايا اصبحت تحاكي الطفرة الوراثية التي نراها عند مرضى متلازمة ويرنر، كما أنها اظهرت قابلية لتشيخ أسرع بكثير من الخلايا السليمة، ولاحظ الفريق أن حذف هذا الجين يؤدي إلى الانهيار الهيكلي للحمض النووي المغاير.

هذا التجمع من الحمض النووي والموجود داخل نواة الخلية يسيطر على نشاط الجينات ويساعد الآلية الجزيئية داخل الخلايا لتعمل بشكل طبيعي، و يمكن للتحولات الكيميائية خارج حزم الحمض النووي أن تغير هيكلية الحمض النووي المغاير، كما ذُكر في البيان الصحفي .

في تجارب أبعد، كان الفريق قادراً على إظهار أن البروتين المتغير يتفاعل مباشرة مع هذه التحولات الكيميائية مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في بنية الحمض النووي.

كجزء من دراستهم، اختبر الباحثون الخلايا الجذعية من لب الأسنان لأشخاص أصحاء من أعمار مختلفة و وجدوا أن الأفراد الأكبر سناً والذين تتراوح أعمارهم بين 58 و 72، كان عندهم علامات جينية أقل لعدم استقرار الـ DNA أكثر من الأشخاص اليافعين.

و صرح “بلمونت” لمجلة “تايم”:”ما تعنيه الدراسة أن هذا البروتين لا يعمل فقط في المرض الوراثي فحسب بل يعمل في كل البشر، هذه الآلية عامة في عملية الشيخوخة “.

وأضاف: ” دراستنا تربط النقاط بين متلازمة ويرنر و الفوضى المغايرة، محددة الخطوط العريضة للآلية التي بها تؤدي الطفرة الجينية إلى اختلال عام في العمليات الخلوية عن طريق تعطيل التنظيم الجيني، بصورة عامة تقترح الدراسة أن التعديلات المتراكمة في هيكلية الحمض النووي المغاير قد تكون السبب الرئيسي الكامن لشيخوخة الخلايا.

هذا يطرح مسألة ما إذا كنا نستطيع عكس هذه التغيرات (بما يشابه إعادة عرض بيت قديم أو سيارة) لمنع أو حتى عكس الأمراض المرتبطة بالعمر”.

يقول الفريق أنَّ دراسات أكثر شمولاً ستكون مطلوبة لنفهم تماماً الدور الذي يلعبه انهيار الحمض النووي في عملية الشيخوخة، خصوصاً كيف يعمل جنباً إلى جنب مع العمليات الخلوية الأخرى المتورطة فيها، مثل تقصير التيلومير التي هي أجزاء من الـحمض النووي في نهايايات كروموسوماتنا.

الأهم من ذلك، قبل أن يصبح أي شيء قريب من التبشير بينبوع الشباب الذي نتوق إليه جميعاً ، سيحتاج الباحثون لتطوير سبل تستهدف على وجه التحديد وبشكل آمن تعديل هذه الجينات في البشر، و ليس فقط في المختبرات.


اعداد: لين فارس
تدقيق لغوي: سامح عبيد

المصدر