التفكير الغريزي (Gut reaction). أكدت الكثير من كتب علم النفس الحديثة على «قوة الحدس» وقدرتنا على «التفكير من دون أن نفكر» واقترحت أننا يجب أن نثق أكثر بحدسنا ونعتمد عليه أحيانًا بدلًا من تفكيرنا المتأنّي (البطيء) أو «العقلاني». يبدو أننا في أغلب الأوقات نتصرف بشكل غريزي، ما يعني أننا نتصرف من دون أن نعلم لماذا نفعل ما نفعله.

لكن ما هو الدليل على هذه الادعاءات؟ وما هو الحدس على أية حال؟

كتب آلبرت أينشتاين ملحوظة ذات مرة «الحدس ليس إلا نتاج تجربة ثقافية باكرة».

من المهم وضع تعريف للحدس، إذ لا يجب أن يشير هذا التعبير إلى عملية سحرية تقفز خلالها الأجوبة من الهواء إلى عقلنا الباطن، بل على العكس، تنتج القرارات الحدسية غالبًا من تفكيرنا السابق الكثيف والشامل. يمكن أن تظهر هذه القرارات بشكل فاعل بسرعة ومن دون مجهود لأنها مبنية على أساس الإقرار والتسليم.

ما هو الحدس الإحساس الغريزي الشعور الغريزي التفكير الغريزي التفكير من دون أن نفكر التصرف بشكل عفوي في المواقف الصعبة قوة الحدس

مثال بسيط على ذلك، اتخاذ قرار بأخذ المظلة عندما تغادر للعمل في الصباح؛ لأنه بلمحة سريعة على السماء يمكن أن تصلنا إشارة كوجود غيوم منذرة بسقوط المطر، ما يعطينا وصولًا إلى المعلومات المخزنة في الذاكرة والتي تقدم الجواب بأخذ المظلة.

يفتقر التفكير الغريزي (الحدسي) إلى الاهتمام بالمراحل الإدراكية البينية لأنها غير موجودة أساسًا، ولا يؤدي للشعور بالإجهاد لأن الإشارة تحرض الاستجابة مباشرةً، فيتمثل بالشعور بالألفة والطلاقة.

هل استخدام الحدس أمرٌ جيّد؟

يعتمد هذا الأمر في الحقيقة بشكل كبير على الحالة التي نكون فيها، كما هو الحال عند لاعبي الشطرنج ورجال الإطفاء القادرين على اتخاذ قرارات غريزية سريعة حول كيف يمكن للحريق أن ينتشر عبر المبنى لأنهم يستطيعون استعادة ذكريات سابقة حول تجارب مشابهة ويجرون محاكاة عقلية للنتائج المحتملة.

وبالتالي في مثل هذه الحالات التي نملك فيها الكثير من الخبرة السابقة لاستخدامها، يمكن أن يكون التفكير الغريزي السريع مفيدًا جدًا. ولكن، يمكن أن يكون الحدس أيضًا مضللًا. لتوضيح ذلك، سنأخذ مثالًا بسيطًا:

إذا كان لدينا مضرب وكرة ثمنهما معًا 1.10 دولار، وثمن المضرب أكثر من الكرة بدولار واحد، فكم يكون ثمن الكرة؟

إن كنت كغالبية الناس، ستكن إجابتك المباشرة (الحدسية) أن ثمنها 10 سنتات، إذ ينقسم الثمن الكلي ببساطة إلى 1 دولار و10 سنتات ويبدو هذا الجواب معقولًا.

لكن بالمزيد من التفكير يظهر أن هذا الجواب الحدسي خاطئ، فلو كلفت الكرة 10 سنتات لكان ثمن المضرب 1.10 دولار وسيكون الثمن الإجمالي 1.20 دولار إذًا ثمن الكرة يساوي 5 سنتات!

لماذا قادنا الحدس هنا إلى نتائج مضللة؟ لأنه لم يعتمد في هذه الحالة على المهارات الإدراكية، بل على ترابط بسيط ظهر للعقل ببساطة (كالترابط بين 1 دولار و 10سنتات).

هل نستطيع قياس الحدس؟

لأول مرة، ابتكر العلماء تقنيّة لقياس الحدس. وباستخدامها وجدوا دليلًا على أن الناس قادرون على استخدام حدسهم لاتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقّة وموثوقيّة.

في الحقيقة، لم تقس الدراسات السابقة الحدس لأنّ الباحثين لم يعرفوا حقًّا كيف يحدّدونه، بدلًا من ذلك، اعتمدت هذه الدراسات على معلومات مأخوذة عن استطلاعات أجريت بطرح أسئلة على الناس عما يشعرون به حين يتخذون قراراتهم.

لكن في بحث جديد، أُجريت سلسلة من الاختبارات لتحديد فيما إذا كان الناس يستخدمون حدسهم ليساعدهم بتوجيه قراراتهم أو أحكامهم، عرّف هؤلاء الباحثون الحدس على أنّه التأثير الناتج عن المعلومات العاطفية غير الواعية الصادرة عن الجسم أو الدماغ مثل التفكير الغريزي أو الإحساس.

ضمن هذه الاختبارات، أظهر الباحثون لمجموعات صغيرة مؤلفة من حوالي 20 طالبًا صورًا بالأبيض والأسود لنقاط تدور على أحد نصفي شاشة حاسوب، طلب الباحثون من الطلاب أن يقرروا إذا كانت النقاط تتحرك لليمين أو اليسار. وبينما يتخذ المشاركون القرار، يرون على الجانب المقابل للشاشة مربعًا من الألوان الساطعة الوامضة.

لكن أحيانًا كان الباحثون يضعون صورًا ضمن المربع الملون والتي صممت لتحريض استجابة عاطفية من قبل المشاركين. على سبيل المثال، كل صورة كانت تهدف إلى انتقاء شعور إيجابي (كصورة جرو أو طفل) أو سلبي (كصورة بندقية أو أفعى) لكن المشاركين لم ينتبهوا إلى ظهور هذه الصور لأنها كانت تعرض بشكل سريع جدًا لدرجة أنها لم تُدرك.

أظهرت النتائج أن المساهمين قدموا أداء أفضل عند عرض الصور ذات المحتوى الإيجابي، إذ كانوا أكثر دقة في تحديد اتجاه حركة النقاط، وأيضًا استجابوا بشكل أسرع وأقرّوا بكونهم أكثر ثقة في اختيارهم.

يمكن للباحثين في المستقبل تطوير طرائق لتدريب الناس على الاستفادة من حدسهم ومن ثم اختبارهم لمعرفة إذا كان الحدس حقًّا يتحسن بالممارسة والتكرار.

كيف نستخدم الحدس ؟

إليكم ثلاث طرائق للاستماع إلى صوتكم الداخلي والسماح له بإرشادكم في حياتكم اليومية:

  1.  احتفظ بدفتر يوميات، سجل عليه أفكارك ومشاعرك حتى لو اعتقدت أنها لا تستحق أن تذكرها، سيؤدي ذلك إلى انفتاح العقل غير الواعي. يمكن أن تجد كلماتِك وجملك المكتوبة غير منطقية بالنسبة لك أو أنها تثير استجابة عاطفيّة بدلًا من الاستجابة العقلانية. وعندما يحدث ذلك سيقودك إلى ما يلي:
  2.  لا تصغ إلى نقدك الداخلي، في غالبية الأحيان نجد تسويغات عقلانية لهذه الأصوات الداخلية (الحدس). لكن هذه المرة، استمع إليها دون إطلاق أحكام، واسمح لهذا الحوار الداخلي أن يحدث دون خوف أو تهكم.
  3.  جد مكانًا منعزلًا، حيث تسمح لعواطفك بالتدفق بحرية، هنا يمكن أن ترغب في إنشاء ارتباط عاطفي مع غرض أو لون أو مقطوعة موسيقية أو أدبية، أو أي شيء يثير مشاعرك التي تنبع من الداخل فقط دون أن تحمل منطقًا عقلانيًّا أو ثقافيًّا.

ستساعد هذه التمارين الثلاثة على إنشاء علاقة جديدة أكثر عمقًا مع الذات، وعلى توضيح هذا الصوت الداخلي، والسماح لك باستحضار التفكير إلى حياتك اليومية العقلانية.

اقرأ أيضًا:

ما هي الغريزة ؟ وكيف تورث ؟

خمسة عشر سؤالًا تحدد ما إذا كانت علاقتك تستحق المضيّ قدمًا فيها أو لا

اختبارات الشخصية: ما مدى دقتها؟

التفكير الديني والإيمان، بديهي متجذر أم اجتماعي مكتسب؟

ترجمة: محمد ياسر جوهرة

تدقيق: عون حداد

مراجعة: رزان حميدة

مصدر 1

مصدر 2

مصدر 3