هل يدل وجود العلم الأمريكي فوق سطح القمر على إنشاء مستعمرة أمريكية هناك أو أن ملكية القمر تعود لأمريكا؟ عندما يعرف الناس أنني محام أمارس وأدرس ما يسمى قانون الفضاء، فإن أول سؤال يوجهونه لي وباستمرار: «من يملك القمر؟». كان ادعاء امتلاك أراض وطنية جديدة عادةً أوروبية، طُبقت على أجزاء غير أوروبية من العالم. أنشأ البرتغاليون والإسبان والهولنديون والفرنسيون والإنجليز إمبراطوريات استعمارية ضخمة.

يوجد حتمًا لدى رواد الفضاء أشياء أكثر أهمية من التفكير في المعنى القانوني والنتائج المترتبة على هذا العلم المزروع فوق سطح القمر، لكن لحسن الحظ عولجت المسألة قبل المهمة.

أدركت الولايات المتحدة منذ بداية سباق الفضاء أنه بالنسبة للعديد من الناس حول العالم ستثير رؤية العلم الأمريكي على القمر قضايا سياسية كبرى.

أي اقتراح بأن القمر قد يصبح من الناحية القانونية جزءًا من المناطق الخاصة بالولايات المتحدة قد يشعل مثل هذه المخاوف، وقد يؤدي إلى نزاعات دولية ضارة بكل من برنامج الفضاء الأمريكي والمصالح الأمريكية ككل.

إن تخلي الدول الاوروبية عن مستعمراتها أنهى حقبة استعمار الدول لبعضها، لكن القمر حالة مختلقة لأنه غير مأهول. مع ذلك، فإن الإجابة البسيطة عن السؤال حول ما إذا كان أرمسترونغ وآلدرين قد حولا القمر إلى أرض أمريكية عن طريق المراسم التي قاما بها فوقه، فإن الإجابة ستكون: «لا». لا هم ولا ناسا ولا الحكومة الأمريكية يزعمون أن لوجود العلم الأمريكي هذا التأثير.

أول ميثاق حول الفضاء الخارجي:

الأهم من ذلك أن هذا الرد مكرس في معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، المعاهدة التي أصبحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وكذلك جميع الدول الأخرى التي ترتاد الفضاء طرفاً فيها.

أجمعت كلتا القوتين العظيمتين على أن الاستعمار على الأرض كان مسؤولًا عن معاناة إنسانية هائلة والعديد من النزاعات المسلحة التي اندلعت على مدار القرون الماضية. عقدوا العزم على عدم تكرار هذا الخطأ من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية القديمة، فيما يتعلق بالوضع القانوني للقمر.

احتمال السيطرة على الأراضي في الفضاء قد يشعل حربًا عالميةً أخرى يجب تجنبها. من هذا المنطلق أصبح القمر نوعًا من “المشاعات العالمية” التي يمكن الوصول إليها قانونيًا لجميع البلدان، قبل عامين من أول هبوط بشري فعلي على القمر.

لذا، لم يكن علم الولايات المتحدة دليلًا على ملكية القمر أو السيادة فوق سطحه، بل كان تكريمًا للمهندسين الأمريكيين وغيرهم ممن جعلوا مهمة أرمسترونج، ألدرين ومايكل كولينز ناجحة.

كان الرجلان يحملان لوحةً تقول أنهما قد جلبا السلام للبشرية جمعاء، وكان لكلمات نيل الشهيرة نفس الوقع في الأنفس: «خطوة صغيرة للإنسان، لم تكن قفزةً عملاقةً للولايات المتحدة، بل من أجل البشرية».

علاوةً على ذلك، التزمت الولايات المتحدة وناسا بمشاركة صخور القمر وغيرها من عينات التربة من سطح القمر مع بقية العالم، سواء من خلال منحها الحكومات الأجنبية أو السماح للعلماء من جميع أنحاء العالم بالوصول إليها للتحليل العلمي والمناقشة. شُمل الاتحاد السوفييتي بهذه التشاركية العلمية حتى في خضم الحرب الباردة.

إذن فالقضية محسومة ولا حاجة لمحامي الفضاء بعد الآن؟

لمن تعود ملكية القمر هل القمر مستعمرة أمريكية هل يحق لأمريكا امتلاك القمر من يمتلك القمر هل تستطيع أي دولة الذهاب إلى سطح القمر

لا حاجة لي لإعداد طلاب قانون الفضاء بجامعة نبراسكا لينكولن لمزيد من النقاشات والخلافات حول قانون ملكية القمر، أليس كذلك؟

لا حاجة لمحامي الفضاء؟

لم يواجه الوضع القانوني للقمر “كمشاع عالمي” موجود في متناول جميع البلدان فيما يتعلق بالمهام السلمية أي مقاومة أو تحديات كبيرة، مع ذلك فإن معاهدة الفضاء الخارجي تركت الكثير من التفاصيل غير واضحة.

على عكس الافتراضات المتفائلة للغاية التي توصلنا إليها في ذلك الوقت، لم تتكرر تجربة الهبوط على القمر مرةً أخرى منذ عام 1972، ما يجعل حقوق الأرض على سطح القمر محض نظرية.

وُضعت عدة خطط جديدة قبل بضع سنوات للعودة إلى القمر. بالإضافة إلى ذلك، بدأت شركتان أمريكيتان هما Planetary Resources وDeep Space Industries، اللتان تتمتعان بدعم مالي كبير، باستهداف الكويكبات بغرض استخراج مواردها المعدنية.

ملاحظة: بموجب معاهدة الفضاء الخارجي المذكورة أعلاه، يخضع القمر وغيره من الأجرام السماوية مثل الكويكبات، من الناحية القانونية إلى نفس الأحكام، أَي لا يمكن لأي منهم أن يصبح “إقليمًا” لدولة ذات سيادة أو غيرها.

منعت اتفاقية الفضاء الخارجي حدوث أي استغلال للموارد الطبيعية الموجودة فوق القمر أو غيره من الأجرام السماوية الأخرى من خلال حظرها حصول أي دولة على ملكية الكواكب أو الأقمار بمجرد هبوطها عليها وزرع علمها فوقها.

اتفقت الدول كالولايات المتحدة ولوكسمبورغ على أن القمر والكويكبات هما “مشاعان عالميان”، أي كل بلد يسمح له بتنفيذ مشاريعه الخاصة في الفضاء إذا كانت هذه المشاريع مرخصةً وفق أصول وشروط معاهدة الفضاء الخارجي، حينها يُسمح لهذه الدول أن تنفذ مشاريعها وتقوم بأبحاثها وتستطيع حتى كسب المال من خلال هذه المشاريع.

هذا يشبه إلى حد ما قانون أعالي البحار، الذي لا يخضع لسيطرة أي دولة، لكنه مفتوح تمامًا لعمليات الصيد المرخصة والتي يقوم بها أي مواطن أو شركة في أي بلد. بمجرد أن تكون الأسماك في الشباك، يكون بيعها قانونيًا ومسموحًا به.

من ناحية أخرى، ترى بلدان مثل روسيا والبرازيل وبلجيكا أن ملكية القمر والكويكبات ينتميان للإنسانية ككل، بالتالي يجب أن تعود المنافع المحتملة من الاستغلال التجاري والمشاريع المُقامة فوقهما للإنسانية ككل بطريقة أو بأخرى، أو على الأقل يجب أن تخضع لنظام دولي صارم يفرض أن تكون هذه الفوائد على نطاق الإنسانية.

هنا يمكننا تشبيه مطالب روسيا والدول التي توافقها بنظام حصد الموارد المعدنية من قاع البحر العميق، إذ تم الاتفاق على نظام ترخيص دولي وكذلك مؤسسة دولية تهدف إلى استخراج هذه الموارد وتقاسم المنافع بشكل عام بين جميع البلدان. من وجهة نظري أرى أن الحل الأخير سيكون عمليًا ومفيدًا أكثر، لكن المعركة القانونية انتهت.

تجدد الاهتمام بالقمر، إذ توجد لدى الصين والهند واليابان خطط جادة للعودة إلى هناك، هذا يزيد من نسبة تجديد المخاطر القانونية، لذلك نحن بحاجة لتعليم طلابنا في جامعة نبراسكا لينكولن حول قوانين الفضاء ومعاهدة الفضاء الخارجي.

في حين أن الأمر متروك لكل الدول لتحديد ما إذا كان يمكن التوصل إلى اتفاق مشترك على أي من الموقفين أو التوصل لحل وسطي بينهما، من المهم الوصول إلى حل نهائي يرضي الجميع.

أي خطط يتم الشروع بها دون وجود قانون مسبق يحدد طريقة سيرها ونتائجها قد تتحول لمشاكل كبيرة حتى لو كانت بعيدةً عن أي شيء يمت بصلة للاستعمار، هناك العديد من السيناريوهات المحتملة قد تكون أسوأ من الاستعمار، لذلك يتم التشديد على أهمية تحديد وإيضاح كل تفاصيل معاهدة الفضاء والتوصل إلى حلول قبل العودة إلى سطح القمر.

اقرأ أيضًا:

من يمتلك القمر ؟ قانون و معاهدات الفضاء الخارجي

دراسة جديدة تضرب عرض الحائط كل ما كنا نعرفه : القمر لم ينشأ نتيجة اصطدام كويكب بالارض

ترجمة: سارة حسين

تدقيق: محمد وائل القسنطيني

المصدر