السفر في الفضاء عبر النجوم هو حلم كل طفل داخلنا، وأساس مسلسلات الخيال العلمي، وهو الذهاب ببسالة إلى أماكن لم يسبق لأحد الذهاب إليها بطريقة رائعة حقًا. كلما تقدمنا أكثر بالصواريخ والمسابر الفضائية، يُطرح السؤال ذاته: هل يمكن أن نأمل استعمار النجوم؟ أو إذا استبعدنا هذا الحلم بعيد المنال، هل يمكننا على الأقل إرسال مسابر فضائية إلى كواكب بعيدة، لتخبرنا بما ترى؟

إن السفر والاستكشاف عبر النجوم في الحقيقة ممكن تقنيًا، ولا يوجد قانون فيزيائي صريح يمنعه، لكن هذا لا يعني أنه سهل، وبالتأكيد لا يعني أننا سنحققه خلال حياتنا، أو حتى خلال هذا القرن؛ إن السفر عبر النجوم معضلة حقًا. إن كنت صبورًا بدرجة كافية، فاعتبر أننا نستكشف عبر النجوم فعلًا.

يوجد العديد من مركبات الفضاء في مسار الهروب، وهذا يعني أنها تغادر النظام الشمسي بلا رجعة. بدأت مهمات ناسا الرائدة «فوياجر Voyager» و«نيو هورايزونز New Horizons» رحلاتها الطويلة للخارج.

تكون مهمات فوياجر تحديدًا خارج النظام الشمسي الآن، وتُعرف بالمنطقة التي تفسح الرياح الشمسية النابعة من الشمس طريقًا لجسيمات المجرة وللغبار.

حقًا أنه عظيم! لدينا مسابر فضائية تسافر عبر النجوم حاليًا، باستثناء أنها شاردة في الفضاء دون وجهة معينة وبسرعة كبيرة. تسافر كل واحدة منها بسرعة تصل إلى عشرات الآلاف من الأميال في الساعة، وهذا يبدو سريعًا جدًا.

هذه المسابر غير متجهة لنجم معين، فقد كانت مهمتها الأساسية استكشاف الكواكب داخل النظام الشمسي، لكن إذا اتجهت إحدى هذه المركبات إلى أقرب نجم مجاور وهو روكسيما سنتوري Proxima Centauri والذي يقع على بُعد 4 سنوات ضوئية فقط، فستصل إليه في غضون 80,000 سنة.

أنا لا أظن أن وكالة ناسا ستضع هذا الجدول الزمني في خطط ميزانيتها، وأيضًا بحلول وقت وصول تلك المركبات إلى مكان جدير بالاهتمام، ستكون بطارياتها النووية قد فرغت منذ قرون، وستصبح كتلًا معدنية عديمة الجدوى ضالة في الفراغ، ما يُعتبر نوعًا من النجاح؛ إذا فكرنا في هذا الأمر سنجد أنها سابقة في تاريخ البشر أن يكونوا قادرين على فعل شيء، مثل إطلاق مركبتين للنجوم، لكنه أيضًا ليس سفر الفضاء الذي تخيلناه.

لجعل السفر في الفضاء يبدو أكثر منطقية، ينبغي على المسبار أن ينطلق بسرعة كبيرة لا تقل عن عُشر سرعة الضوء، حينئذٍ ستتمكن مركبة الفضاء من الوصول إلى روكسيما سنتوري خلال بعض العقود، وستتمكن من إرسال الصور بعد ذلك ببضع سنوات، أي خلال فترة حياة إنسان. هل طَلبُ أن يكون الشخص الذي يبدأ المهمة هو نفسه الذي ينهيها طلبٌ غير منطقي؟

الوصول لمثل هذه السرعات يتطلب قدرًا ضخمًا من الطاقة، وأحد الاختيارات هو احتواء تلك الطاقة على متن المركبة باعتبارها وقودًا، لكن في هذه الحالة، سيزيد الوقود الإضافي كتلة المركبة، ما يصعِّب حثها أو دفعها للوصول لتلك السرعات.

توجد رسومات وتصاميم لمركبة فضائية تعمل بالطاقة النووية لتحقيق هذا الغرض، لكن إذا لم نبدأ بناء آلاف القنابل النووية ونكدِّسها فوق بعضها داخل صاروخ، فعلينا إيجاد أفكار أخرى.

السفر عبر النجوم

ربما تكون إحدى الأفكار الواعدة هي جعل مصدر طاقة المركبة الفضائية في مكان ثابت، ونقل تلك الطاقة بطريقة ما إلى المركبة خلال سفرها للفضاء، واستخدام الليزر هو إحدى الطرق للقيام بذلك.

الإشعاع وسيلة جيدة لنقل الطاقة من مكان لآخر، وخصوصًا عبر مسافات الفضاء الشاسعة، حينئذٍ تستطيع المركبة التقاط تلك الطاقة ودفع نفسها للأمام.

هذه هي الفكرة الرئيسية وراء مشروع يُدعى Breakthrough Starshot project الذي يهدف إلى تصميم مركبة فضائية قادرة على الوصول لأقرب النجوم خلال عقود.

بأبسط مخطط لهذا المشروع، يُطلق ليزر عملاق بقوة 100 جيجا وات على مركبة فضائية تدور حول الأرض، وتمتلك هذه المركبة شراعًا شمسيًا كبيرًا وعاكسًا قويًا جدًا، فيرتد الليزر عن سطح الشراع معطيًا قوة دافعة للمركبة.

المشكلة هي أن الضوء له قوة دافعة، لكنها ليست كبيرة كفاية؛ بكلمات أخرى، لدى الليزر العملاق السابق ذكره قوة تعادل قوة حقيبة ظهر ثقيلة، فإذا أُطلق هذا الليزر على المركبة لمدة 10 دقائق، يجب أن تزن تلك المركبة جرامًا واحدًا فقط كي تصل لعُشر سرعة الضوء، وهذا وزن مشبك ورق!

الليزر نفسه -بقوة 100 جيجا وات- أقوى بمراحل عديدة من أي ليزر صُمم من قبل، ولإعطائكم شعورًا بحجمه، 100 جيجا وات هي القدرة الكاملة لجميع حقول الطاقة النووية العاملة بالولايات المتحدة مجتمعة.

والمركبة التي لا ينبغي أن يزيد وزنها عن 1 جرام، يجب أن تحتوي على كاميرا وحاسوب ومصدر للطاقة ودائرة كهربية وغطاء ولاقط هوائي للاتصال بالأرض والشراع الشمسي بالكامل.

يجب أن يكون الشراع الشمسي عاكسًا بالكامل، فإذا امتُص جزء صغير جدًا من إشعاع الليزر المنطلق، فسيتحول لطاقة حرارية بدلًا من طاقة دفع، ونحن نتحدث عن ليزر بقوة 100 جيجا وات، ما يعني انصهارًا فوريًا للمركبة.

عند الوصول لعُشر سرعة الضوء، تبدأ الرحلة الحقيقية لمدة 40 سنة، سيتوجب على هذه المركبة الصغيرة تحمل صعاب الفضاء السحيق ومشاقه.

مع أن حبيبات الغبار في الفضاء صغيرة الحجم، تستطيع ذرات ذلك الغبار التسبب في أضرار كبيرة للمركبة عند ارتطامها بها بسرعة عالية، وأيضا يمكن أن تعبث الأشعة الكونية -وهي جسيمات عالية الطاقة تنبعث من الشمس أو النجوم البعيدة- بالدوائر الكهربية الدقيقة والحساسة داخل المركبة، إذ ستتوالى هذه الأشعة في قصف المركبة منذ لحظة بدء رحلتها.

إذن، هل يمكن تنفيذ مشروع Breakthrough Starshot؟

الإجابة هي نعم؛ فكما قلت في البداية، لا يوجد قانون فيزيائي يمنع أيًّا مما سبق من التحقق، ولكن هذا لا يجعل مهمة السفر عبر النجوم سهلة أو قابلة للحدوث أو حتى محتملًا سواء باستخدام التكنولوجيا الحالية أو بالتنبؤات المعقولة بما يمكن للتكنولوجيا تحقيقه في المستقبل القريب؛ إذ أننا لن نستطيع تحقيق السفر للفضاء البعيد الآن أو حتى قريبًا.

إذن، هل يمكننا على الأقل صنع مركبة فضائية دقيقة الحجم؟ أو هل يمكننا صنع جهاز ليزر بتلك القوة؟ أو هل بإمكان مهمة مثل تلك أن تنجح وتنجو من مخاطر الفضاء السحيق؟

الإجابة ليست نعم أو لا؛ لأن السؤال الحقيقي هو: هل نحن على استعداد لإنفاق المال الكافي لمعرفة ما إذا كان ذلك ممكنًا؟

اقرأ أيضًا:

بعد مئة عام، يبدو أن تنبؤات هذا العالم الروسي عن السفر إلى الفضاء باتت صحيحةً

فوياجر 2 توشك على الخروج من النظام الشمسي للسفر بين النجوم

ترجمة: عمرو خلف

تدقيق: صالح عثمان

المصدر