ما هو أكبر خطأ لآينشتاين ؟ توجد إشكالية أساسية في الفيزياء. عدد منفرد يطلق عليه الثابت الكوني ، يتجاوز العالم المجهري لميكانيكا الكم والعالم المنظور لنظرية أينشتاين للنسبية العامة. لكن تعجز كلتا النظريتين عن تحديد قيمته.

في الحقيقة، يوجد تعارض شديد بين القيمة الملاحظة لهذا الثابت وما تتنبأ به النظرية، لدرجة اعتباره أسوأ تنبؤ في تاريخ الفيزياء. قد يكون حل هذا التعارض أهم هدف للفيزياء النظرية في هذا القرن.

طرح البروفيسور المساعد لوكاس لومبريزي Lucas Lombriser من جامعة جنيف – سويسرا، طريقةً جديدة لتقييم معادلات آلبرت آينشتاين للجاذبية لإيجاد قيمة الثابت الكوني، والتي تكون قريبةً من القيمة الملاحظة.

كيف تحول أكبر “خطأ فادح” لآينشتاين إلى الطاقة المظلمة

بدأت قصة الثابت الكوني قبل أكثر من قرن، حين قدم أينشتاين مجموعةً من المعادلات، تعرف اليوم بمعادلات أينشتاين للمجال، والتي أصبحت فيما بعد إطار عمل نظريته للنسبية العامة.

تفسر المعادلات كيفية ثني المادة والطاقة لنسيج المكان والزمان لخلق قوة الجاذبية. في ذلك الوقت، اتفق كل من أينشتاين وعلماء الفضاء على ثبات حجم الكون وعلى أن معدل المساحة الفاصلة بين المجرات لم يتغير. لكن عندما طبق أينشتاين النسبية العامة على الكون برمته، تنبأت نظريته بكون غير مستقر، إما يتوسع أو ينكمش. لإجبار الكون على البقاء ثابتًا، ألحق أينشتاين الثابت الكوني بالصورة.

بعد عقد تقريبًا، اكتشف فيزيائي آخر أن كوننا ليس ثابتًا، لكنه يتوسع، كان ذلك الفيزيائي إدوين هابل Edwin Hubble. أظهر الضوء القادم من المجرات البعيدة أنها تبتعد عن بعضها البعض. أقنع هذا الاكتشاف أينشتاين بفكرة التخلي عن الثابت الكوني في معادلات المجال، إذ لم يعد من الضروري إيجاد تفسير لكون متوسع. اعترف أينشتاين لاحقًا بأن إدراجه للثابت الكوني قد يكون أكبر أكبر خطأ لآينشتاين.

هل توصلنا إلى حل أكبر خطأ لآينشتاين الثابت الكوني العالم المجهري لميكانيك الكم النسبية العامة الطاقة المظلمة توسع الكون معادلات آلبرت آينشتاين للجاذبية

في سنة 1998، أظهرت مراقبات لمستعرات عظمى (سوبرنوفا) بعيدة أن الكون لا يتوسع فحسب، بل أن تمدده في تسارع. كانت المجرات تتسارع مبتعدةً عن بعضها البعض، كأن قوةً غير معروفة قد تغلبت على الجاذبية لتفرق تلك المجرات. أطلق الفيزيائيون على هذا اللغز الجديد اسم “الطاقة المظلمة”، لأن طبيعتها تبقى لغزًا.

ولعلها سخرية القدر، إذ أدرج الفيزيائيون الثابت الكوني مجددًا إلى معادلات مجال أينشتاين لحساب الطاقة المظلمة. في النموذج المعياري الحالي لعلوم الكون (المعروف بـ ΛCDM)، يمكن تبديل الثابت الكوني بالطاقة المظلمة.

حتى إن علماء الفضاء قد قدروا قيمته بالاعتماد على مراقبات المستعرات العظمى البعيدة والتقلبات في الخلفية الميكروية الكونية. رغم كونها قيمةً بسيطة (10 أس (52-) لكل متر مربع)، فهي كافية لتفسير التوسع المتسارع للفضاء حسب المقياس الكوني.

يقول لومبريزي في هذا الشأن: «يمثل الثابت الكوني (أو الطاقة المظلمة) حوالي 70% من محتوى الطاقة الإجمالي لكوننا، وهذا ما يمكننا استنتاجه من التمدد المتسارع الذي يعيشه كوننا حاليًا»، ويضيف في موضع آخر: «فشلت محاولات تفسيره، ويبدو أننا نفتقد شيئًا أساسيًا لفهم الكون. يُعد حل هذا اللغز أحد أبرز مجالات البحث في الفيزياء الحديثة. نظن أن حل هذه الإشكالية قد يقودنا لفهم أساسي أكبر للفيزياء».

أسوأ تنبؤ نظري في تاريخ الفيزياء

يمثل الثابت الكوني حسب ظن الفيزيائيين ما يسمى بـ “طاقة الفراغ”. تنص نظرية المجال الكمومي على أنه حتى في الفراغ المطلق من الفضاء، تظهر جسيمات افتراضية وتختفي من الوجود وتخلق طاقةً، تبدو فكرةً سخيفةً، لكنها في الحقيقة، لوحظَت عبر التجربة.

تظهر المشكلة عند محاولة الفيزيائيين حساب مساهمتها في الثابت الكوني. تختلف نتائجهم من المراقبات بعامل مذهل يصل إلى غاية 10 أس 121 (وهذا يعني رقم 10 متبوع بـ 120 صفرًا)، وهو أكبر فرق بين النظرية والتجربة في تاريخ الفيزياء برمتها.

تسبب هذا التفاوت في شك بعض الفيزيائيين بمعادلات أينشتاين الأصلية للجاذبية؛ وقد اقترح بعضهم نماذج بديلة للجاذبية. رغم ذلك، دعمت دلائل جديدة للأمواج الثقالية ملتقطة من طرف مرصد ليغو (LIGO) للأمواج الثقالية النسبية العامة بشكل أكبر وأسقطت العديد من النظريات البديلة. لهذا السبب وبدل الشك في الجاذبية، قرر لومبريزي الاعتماد على طريقة مختلفة لحل هذا اللغز الكوني.

يقول: «لا تغير الآلية التي أقترحها معادلات آينشتاين للمجال»، بدلًا من ذلك: «تضيف معادلةً أخرى إلى معادلات آينشتاين للمجال».

ثابت الجاذبية، الذي استخدم لأول مرة في قوانين إسحق نيوتن للجاذبية وهو الآن جزء أساسي من معادلات أينشتاين للمجال، يصف مقدار قوة الجذب بين الأشياء. يعتبر أحد الثوابت الأساسية في الفيزياء، لم يتغير منذ نشأة الكون.

من جهته طرح لومبريزي افتراضًا ثوريًا، إذ قال أن بإمكان هذا الثابت التغير بالفعل.
يبقى ثابت الجاذبية نفسه في التغيير الذي أحدثه لومبريزي في النسبية العامة ضمن الكون المنظور، لكن قد يختلف فيما يوجد وراءه. يقترح الباحث سيناريو متعدد الأكوان حيث توجد أماكن من الكون غير مرئية بالنسبة لنا تمتلك قيمًا مختلفةً للثوابت الأساسية.

منح هذا التفاوت في الجاذبية لومبريزي معادلةً إضافية تربط بين الثابت الكوني ومعدل مجموع المادة على امتداد الزمكان. تمكن بعد أخذه بعين الاعتبار الكتلة المقدرة لكل المجرات والنجوم والمادة المظلمة للكون من إدراج حل يتمثل في معادلة جديدة للحصول على قيمة جديدة للثابت الكوني، متقاربة مع الملاحظات بشكل كبير.

وجد الباحث باستخدام معامل جديد، هو ΩΛ (أوميجا – لامدا)، والذي يمثل الجزء الذي تشغله المادة المظلمة في الكون، أن هذا الأخير مكون من حوالي 74% من الطاقة المظلمة. يتطابق هذا الرقم تقريبًا مع القيمة المقدرة من المراقبات التي تصل إلى 68.5%، وهو تقدم كبير مقارنةً بالتفاوت الكبير المسجل في نظرية الحقل الكمومي.

قد يحل إطار عمل لومبريزي مشكلة الثابت الكوني، لكن حاليًا لا مجال لاختباره. لكن إن أكدت مستقبلًا تجارب نظريات أخرى هذه المعادلة، قد يشكل ذلك قفزةً نوعية في فهمنا للطاقة المظلمة وسيمنحنا ذلك أداةً لحل ألغاز كونية أخرى.

اقرأ أيضًا:

الثابت الكوني – ثابت أينشتاين

الطاقة المظلمة

ترجمة: وليد سايس

تدقيق: محمد قباني

مراجعة: آية فحماوي

المصدر