نستخدم أدمغتنا دائمًا دون الحاجة إلى التفكير في آلية عملها، إلا أن الطريقة التي تعمل بها أدمغتنا معقدة للغاية؛ لذلك لجأ العلماء إلى نماذج حيوانية لإجراء تجارب على الدماغ. وما يثير الدهشة أن أغلب معرفتنا عن المخيخ وتطوره جاءت بوساطة الدراسات التي أجريت على أدمغة الفئران.

*المخيخ: منطقة في الدماغ مسؤولة عن استقبال المعلومات الحسية والتنسيق بينها.

أظهرت الأبحاث الجديدة أن المقارنة بأدمغة هذه الحيوانات قد يكون معقدًا للغاية أكثر مما كنا نظن؛ بسبب بعض الاختلافات الرئيسة في كيفية تطور أدمغتنا وكِبر حجمها بالمقارنة مع أدمغة الفئران.

قال عالما الأعصاب بارثيف هالديبور وكاثلين ميلين من معهد (سياتل) المتخصص في بحوث الأطفال لمجلة ScienceAlert عبر رسالة إلكترونية: «تشير نتائجنا إلى وجود اختلافات كبيرة في النمط الذي يوضح تطور المخيخ في كلٍ من البشر والفئران».

أجرى هالديبور وميلن مع فريقٍ من الباحثين الدوليين أبحاثًا حول كيفية تطور المخيخ في الإنسان في فترةٍ تترواح بين 30 يومًا بعد الحمل وحتى تسعة أشهر بعد الولادة، ثم قارنوا النتائج بأخرى للفئران والقرود، المستخدمة دائمًا في تجارب الدماغ.

وبالمقارنة بين هذه الأدمغة من ناحيتي التشكل والتعبير الجزيئي، وُجدت مجموعة كاملة من الخلايا في دماغ الإنسان لا يوجد مثلها في نفس المنطقة في أدمغة الفئران والقرود.

قال هالديبور وميلن: «لا توجد هذه الخلايا في أية فقاريات أخرى، يبدو أنها خاصة بالإنسان فقط».

يسمى هذا النوع من الخلايا خلايا السَلف، وهي كالخلايا الجذعية، إلا أنها مقيَّدةٌ أكثرَ في نوع الخلايا التى تتحول لها. وصفها الباحثون بأنها أسلاف قاعدية خارجية شبيهة بخلايا الدبق العصبي.

لماذا لا تنجح الدراسات المجراة على أدمغة الفئران في إعطاء فهم أفضل للدماغ البشري؟ - لماذا يجري العلماء اختبارات على أدمعة القوارض؟

لم نعلم سابقًا عن هذه الخلايا إلا أنها توجد في القشرة المخية للثدييات، وهي طبقة عصبية في أدمغتنا مختصة بالذاكرة واللغة. لكنّ وجودها في المخيخ أمرٌ جديد على الباحثين.

ووُجد أيضًا أن خلايا السلف تكون المصدر الرئيسي لخلايا تسمى بالخلايا العصبية الحبيبية المخيخية في أثناء نمو المخيخ البشري خاصةً منطقة تسمى الشفة المُعَيَّنية.

تعد الخلايا الحبيبية المخيخية أكثر الخلايا العصبية وجودًا، وتشكل 80 في المئة من الخلايا العصبية في الدماغ البشري.

قال هالديبور وميلن: «يمتد نمو الشفة المعينية في المخيخ البشري طوال فترة الحمل، وأيضًا في الثلث الثالث من الحمل. يكون المخيخ حينها قد نما بمقدار خمسة أضعاف حجمه. يُعتقد أن الشفة المعينية لها علاقة بالإدراك المعرفي لدى البشر، ولعل وجودها يضمن النمو السليم للمخيخ البشري».

على الرغم من أن هذه الدراسات حلَّت كثيرًا من الألغاز في علم الأعصاب، إلا إنها قد زعزعت كثيرًا من الاستنتاجات التي أوضحتها الدراسة على النماذج الحيوانية.

وأضاف هالديبور وميلن: «أفادتنا الدراسة على أدمغة الفئران كثيرًا، ولكن يصعب علينا دراسة بعض العيوب الخلقية الخاصة بالمخيخ على نماذج حيوانية. أحد هذه العيوب الخلقية حالة عصبية تسمى متلازمة داني ووكر، وفيها تفشل الشفة المعينية في النمو بشكل سليم مسببةً خللًا في المشي، والفكر، والحالة المزاجية، إضافة ًإلى خلل في وظائف عصبية أخرى».

وأوضحا: «من المستحيل إحداث بعض الأعراض المرضية لمتلازمة داني ووكر في النماذج الحيوانية؛ لافتقارها لبعض المناطق الهامة الموجودة في الدماغ البشري».

لا يعلم الباحثون ما تأثير غياب الخلايا السلفية على القرود، ما يثير الفضول للتعمق أكثر في نظرتنا لهذه الاختلافات بين الرئيسيات المستخدمة في التجارب العصبية.

لذلك يرى الباحثون أن: «الدراسة تؤكد على حاجتنا الملحة لمزيد من تحليلات تطور المخيخ لكل من البشر والفئران لتحديد أهمية النماذج الوراثية للفئران عبر دراسة خلل النمو العصبي البشري».

اقرأ أيضًا:

لماذا تفشل الأدوية التي تعمل بشكل جيد على أدمغة الفئران عند تطبيقها على البشر؟

العلماء يتمكنون من عكس الشيخوخة في الخلايا الجذعية عند الفئران

ترجمة: محمود مرزوق

تدقيق: الياس عباس

المصدر