واجهت الحياة منذ نشأتها عدة تحديات لاستمرارها فوق الكوكب الأزرق، إذ وصلت عدة مرات إلى حافة النهاية، لتعود بعد ذلك بقوة مفاجئة. اﻵن، توصل الباحثون أخيرًا إلى كيفية نجاة الكائنات الحية من فترة التجمد الهائل، التي تعرف باسم العصر البارد.

في العصر المتجمد كانت الأرض كرة من الثلج، وامتدت تلك الفترة من 720 إلى 635 مليون سنة مضت. قد تظن أن هذه الطبقة من الجليد فوق المحيط قطعت الأكسجين عن الكائنات البحرية وأعاقت استمرار الحياة الحيوانية وتطورها، لكن اﻷدلة اﻷحفورية تثبت أن هذا ليس ما حصل في الواقع.

نجت الحياة ثم ازدهرت عقب فترة الكرة الثلجية اﻷرضية؛ لأن الماء الذي نتج عن ذوبان الجليد أدى إلى تكون جيوب أكسجينية في المحيط، شكلت هذه الجيوب واحات للحياة، إذ انتظرت فيها زوال العصر الجليدي لتظهر بعدها وتستمر وتزدهر.

قد نعرف أخيرًا كيف نجت الحياة من فترة الجحيم المتجمد على الأرض - واجهت الحياة منذ نشأتها عدة تحديات لاستمرارها فوق الكوكب الأزرق

يوضح لنا عالم الرسوبيات ماكسويل ليت Maxwell Lichte من جامعة ماكجيل University of McGill في كندا: «‬تقترح اﻷدلة أن أغلب المحيطات لم تكن مأهولة خلال العصر البارد بسبب نقص الأكسجين، ولكن المواقع التي بدأت فيها الصفيحة الجليدية تطفو شكلت إمدادًا مهمًا من الماء المذاب المؤكسج».

يمكن تفسير هذا الاعتقاد بما يطلق عليه «مضخة اﻷكسجين الجليدية»، إذ تُغْني الفقاعات الهوائية المحبوسة في الجليد الماء بالأكسجين بعد تسربها إليه خلال ذوبانه.

مع أن السجل اﻷحفوري من هذه الفترة ضئيل جدًا، توجد آثار جيولوجية توضح ظروف اﻷرض وقتها. بالاستعانة بالترسبات المحفوظة في قاع البحر وخاصة الغنية منها بالحديد، أعاد ماكسويل وفريقه إنشاء مستويات أكسجين مشابهة لما كانت عليه في تلك الفترة.

سابقًا، اقتُرح أن الحياة استطاعت الاستمرار في برك الماء المذاب على السطح، لكن اكتشاف هذا الفريق يقترح طريقة أخرى لنجاة الحياة.

درس الفريق تشكلات الحديد في ثلاث قارات: تشكل شيوز Chuos في ناميبيا، المجموعة الفرعية يودناموتاناYudnamutana في أستراليا، وقمة كينغستون Kingston في الولايات المتحدة.

بشكل عام، كشفت نسب نظائر الحديد وشذوذات السيليوم Celium في البيئات البحرية المتجمدة أن المياه كانت تعاني من نقص حاد في اﻷكسجين، ولكن كلما اقتربنا من منطقة تماس الجرف الجليدي بالقاع زادت نسبة اﻷكسجين في الرواسب.

أي حياة حقيقية النواة عاشت في هذه المياه المشبعة باﻷكسجين، ستحتاج أيضًا إلى الغذاء من أجل النمو، وقد يكون الحديد مفتاح هذا اللغز.

من المعروف أن مياه البحر كانت غنية بالحديد المذاب، ونعلم بوجود أنواع من البكتيريا كيميائية التغذية تحصل على الطاقة من خلال أكسدة الحديد المذاب، وتتخلص من أكسيد الحديد بعد انتهاء العملية.

قد تكون الرواسب المؤكسدة حول منقطة تماس الجرف الجليدي بالقاع ناتجة عن أكسدة البكتيريا البحرية للحديد، إذ تجمعت هذه البكتيريا وازدهرت في المياه المؤكسجة.

لا نملك أي دليل ملموس على أن هذا حصل بالفعل، لكنها نظرية معقولة تتوافق مع اﻷدلة المتاحة، وتقترب من حل بعض ألغاز الكرة الثلجية اﻷرضية.

يقول عالم اﻷرض غالن هالفيرسون Galen Halverson من جامعة ماكجيلي: «ﻻ تقدم الدراسة فقط تفسيرًا لكيفية نجاة الحيوانات السابقة من التجمد العالمي، بل تفسر أيضًا عودة ظهور ترسبات الحديد في السجل الجيولوجي بعد غياب دام مليار سنة».

سنحتاج إلى أبحاث أكثر لمعرفة كيفية حفاظ هذه البيئات على شبكة الغذاء. توجد اليوم بيئات متجمدة وبيئات في اﻷقاليم القطبية تحوي تنوعًا مدهشًا من الحياة ، وقد تكون هذه أماكن مناسبة للبحث مستقبلًا، وفقًا لاقتراحات الباحثين.

نُشر البحث في PNAS

اقرأ أيضًا:

لماذا تحدث العصور الجليدية ؟

اكتشاف مفاجأة جيولوجية هائلة تحت الغطاء الجليدي في غرينلاند

ترجمة: حمزة جبار

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: تسنيم الطيبي

المصدر