كانت 2020 سنة الفقد والمرض بكل جدارة، بعد أكثر من 68 مليون إصابة بفيروس كورونا المستجد وما يزيد عن نحو 1.5 مليون وفاة، لكننا وفي ظل انشغالنا بمواجهة الفيروس ننسى أحيانًا الإنجازات الكبيرة التي حققناها في معركتنا ضده.

إذ نجحت الجهود المتسارعة في ابتكار لقاح ضد فيروس كورونا نجاحًا فاق أكثر التوقعات تفاؤلًا، وتعلَّم الأطباء والممرضون في المستشفيات حول العالم تقديم عناية أفضل لمرضى فيروس كوفيد-19، واستطاع الباحثون اكتشاف أسرار عن الفيروس كانت في وقت ليس ببعيد مجهولة تمامًا.

في الوقت ذاته، بذل مسؤولو الصحة العامة جهودًا جبارة لتوعية المواطنين ونشر معلومات صحيحة حول سبل الوقاية من العدوى في وجه سيول من الأخبار التي تنشر معلومات خاطئة عن سبل العلاج والوقاية أو التي تشكك في خطورة الوباء. استجاب ملايين الأشخاص لدعوات ارتداء أقنعة الوجه وأدخلوا تعديلات جذرية على حياتهم اليومية للمساعدة على مكافحة الفيروس.

لم يكن لدينا في أول شهر يناير أي علاجات أو لقاحات أو فحوصات للكشف عن الفيروس، أما الآن ورغم أننا لم نحقق كل أهدافنا، فقد أحرزنا تقدمًا كبيرًا على كل الجبهات.

ما زال أمامنا الكثير لنتعلمه، وفيما يلي أهم الأسئلة التي يسعى العلماء للإجابة عنها:

لماذا يمرض بعض الناس بالفيروس دون غيرهم؟

يشكل التقدم في السن والإصابة بأمراض مزمنة عاملا خطر للإصابة الشديدة، ويكون الرجال أكثر عرضة للخطر من النساء، لكن العلماء لا يملكون تفسيرًا للتجارب المتباينة التي يعيشها الناس مع كوفيد-19، إذ لا يظهر كثير من الناس أي أعراض بينما يمرض آخرون بشدة فلا يستطيعون التنفس أو يصابون بالجلطات وقد تتفاقم حالتهم وتصل إلى الوفاة.

تقول ميريام ميراد اختصاصية الأورام والمناعة في كلية إيشان للطب في مستشفى ماونت سيناي في نيويورك: «يتشارك المرضى الذين يعانون إصابات خطيرة بفيروس كورونا شيئًا واحدًا وهو الاستجابة المناعية الشديدة، إذ قد تسبب استجابة الجسم المناعية القوية مفعولًا عكسيًا يتمثل بضرر التهابي يصيب الجسم في أثناء محاولته الدفاع عن نفسه».

مع انتهاء 2020، ما الذي لا نعرفه بعد عن فيروس كورونا المستجد - اكتشاف أسرار عن فيروس كورونا الجديد - سارس كوف 2 - فيروس كوفيد-19

بدأ العلماء بتحديد عوامل جهاز المناعة التي قد تسبب مشكلات في أثناء الإصابة بكوفيد-19، يسبب الإنترفيون من النوع الأول تفاقم الإصابة أحيانًا وهو بروتين يحفز الاستجابة المناعية الأولية ضد العوامل المُمْرضة ويفعِّل إنتاج الأجسام المضادة. يمتلك بعض المصابين بحالات خطيرة من كوفيد-19 استجابة إنترفيون ضعيفة، أو عيوبًا جينية تتداخل مع إنتاج الإنترفيون، وقد يُعطِّل الجهاز المناعي فعالية هذه البروتينات عندهم.

تنتج أجسام بعض مرضى الحالات الشديدة كمية مفرطة من المواد التي تساهم في حدوث استجابة مناعية مبكرة. قاست ميراد مع زملائها 4 بروتينات ساهمت في حدوث حالات التهابية عند نحو 1500 مريض أُدخلوا إلى المستشفى بسبب إصابتهم بكوفيد-19. وتبين أن وجود مستويات مرتفعة من اثنين من هذه البروتينات وهما بروتينا إنترلوكين 6 وTNF alfa قد يعني أن المريض سيعاني تفاقمًا في الإصابة مع إمكانية الوفاة، حتى بعد مراعاة عوامل السن والجنس والحالات المرضية المزمنة وفقًا لما نشره الباحثون في مجلة Nature Medicine.

يبدو أن المرضى الذين لا تظهر عليهم أي أعراض أو الذين يعانون أعراضًا خفيفة لديهم درجة من المناعة المسبقة، إذ يملك بعض المرضى رغم عدم تعرضهم سابقًا لفيروس سارس كوف-2 خلايا بيضاء تسمى الخلايا التائية تتعرف على فيروس كورونا ، ويعود ذلك لإصابتهم بأنواع مشابهة من الفيروسات التاجية الأخرى التي كانت موجودة قبل فيروس كورونا ، وفقًا لما نشره باحثون في مجلة Science في أكتوبر. ويتوقع العلماء أن يكون وجود هذه الخلايا التائية عند بعض الأشخاص دون غيرهم سببًا إضافيًا للتباين في شدة الإصابة بين المرضى.

ما الآثار الجانبية طويلة الأمد للعدوى؟

قد نحتاج إلى سنوات للإجابة عن هذا السؤال.

نعرف الآن أن أعراض الإصابة بالفيروس قد تستمر شهورًا بعد العدوى الأولية عند بعض المرضى. لا يوجد تعريف واحد لما يُعرَف باسم «متلازمة ما بعد كورونا» أو «الإصابة المطولة بكوفيد-19»، لكن قد تشمل الأعراض التعب العام وضيق التنفس وتشوش الوعي والشذوذات القلبية، وهذه المشكلات لا ترتبط بالضرورة بكون الإصابة الأولية شديدة.

اعتمدت إحدى أكبر الاستبيانات عن هذه المتلازمة على دراسة أعراض كوفيد-19، إذ طُلِب من المشاركين في الدراسة إدخال أعراضهم باستخدام برنامج على الهواتف الذكية، فتبيّن أن 13.3% من المشاركين الذين بلغ عددهم 4182 مشاركًا دامت أعراضهم أكثر من أربعة أسابيع و4.5% منهم استمرت أعراضهم أكثر من ثمانية أسابيع و2.3% استمرت أعراضهم إلى ما يقرب 12 أسبوعًا، وازدادت نسب الإصابة المُطوَّلة بين كبار السن وفقًا لدراسة مبدئية نُشِرت على موقع medRxiv.org.

كم تدوم المناعة بعد الإصابة؟

تقول أودري غوردون اختصاصية الأمراض الوبائية في جامعة ميشيغان في مدينة آن آربر: «توجد علامات تشير إلى أن الجهاز المناعي يستطيع تعلم التعامل مع الفيروس، ويمنحنا هذا على الأقل مناعة مؤقتة، إذ يبدو أن أجسام معظم الناس تنتج بروتينات مناعية توقف نشاط فيروس كورونا ، تسمى الأضداد المُعَطِّلة، بالإضافة إلى الخلايا التائية التي تنظم الاستجابة المناعية أو تقتل الخلايا المصابة. تقترح بعض الدراسات أن الأضداد والخلايا التائية تبقى في الجسم نحو ستة أشهر أو كثر، وهذا خبر جيد».

لكنَّ العلماء لا يعرفون كم سيبقى شخص ما محميًا من الإصابة بالفيروس مستقبلًا بعد شفائه. تقول غوردون: «لم يمر ما يكفي من الوقت لدراسة هذا بعد».

توجد حتى اليوم حالات قليلة لأشخاص أصيبوا بفيروس كورونا مرتين، وهذا يعني أن المناعة ضد فيروس كورونا لا تدوم طويلًا عند بعض الأشخاص، تتسارع جهود العلماء -ومن ضمنهم غوردون- لمعرفة مدى شيوع الإصابة الثانية بين المتعافين وهل تختلف في شدتها عن الإصابة الأولى؟

ما الذي نتوقعه من العلاجات واللقاحات قيد التطوير؟

تعلَّم الأطباء طرقًا لمساعدة المرضى على التنفس مثل جعلهم يستلقون على بطونهم، وأعطى دواءان هما مضاد الفيروسات ريمديسيفير والديكساميتازون نتائج مبشرة ضد الفيروس. سمحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA في أكتوبر باستخدام ريمديسيفير في المستشفيات لعلاج مرضى كوفيد-19 الذين يزيد سنهم عن 12 عامًا بعد أن أظهرت بعض الدراسات أنه يقلل من فترة الاستشفاء، لكن هذا الدواء -وهو الوحيد المصرح به من ال FDA لمرضى كوفيد-19- لم يقلل من خطر الوفاة أو من الحاجة إلى التهوية الآلية وفقًا لدراسة موسعة أجرتها منظمة الصحة العالمية.

منحت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في نوفمبر ترخيص الاستخدام الطارئ لدواء سرطان يسمى باريسيتينيب، قلل هذا الدواء عند استخدامه مع ريمديسيفير فترة البقاء في المستشفى يومًا إضافيًا مقارنة باستخدام ريمديسيفير فقط وفقًا لعدة دراسات سريرية، لكن الأطباء غير مقتنعين بعد بفعالية باريسيتينيب.

تتطور اللقاحات بسرعة، فقد كانت روسيا أول الدول التي أعلنت عن امتلاكها لقاحًا جاهزًا للعامة، لكنَّ العلماء شككوا بفعاليته، ثم سمحت الصين بالإعطاء الطارئ لبعض اللقاحات لأفراد الجيش والعامة رغم أن هذه اللقاحات كانت قيد التطوير، وسمحت الإمارات العربية المتحدة بأخذ مواطنيها لقاحين صنعا في الصين.

أعلنت كل من شركتي فايزر وموديرنا في نوفمبر أن لقاح كل منهما المعتمد على تقنية الحمض النووي الريبوزي يعمل بفعالية 95% في الوقاية من المرض، وقد وافقت المملكة المتحدة في 2 نوفمبر على الاستخدام الطارئ للقاح فايزر، وهذا ما يجعله أول لقاح مصرح باستخدامه بعد اختبارات شاملة. أعلنت كل من أسترازينيكا وجامعة أوكسفورد أن لقاحهما يقي من المرض ويقلل من انتشار الفيروس أيضًا.

تقول إستر كروفاه المديرة التنفيذية في فاستركيورز التابع لمعهد ميلكن: «يوجد أكثر من 200 لقاح قيد التطوير، لكن الحصول على اللقاح -في البداية على الأقل- لن يكون سهلًا».

يوجد نحو 21 مليون شخص من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الولايات المتحدة وما يقارب 3 ملايين شخص في مراكز الرعاية الصحية ممن ستكون لهم الأولوية في تلقي اللقاح، وسيكون الأطفال آخر من يتلقون اللقاح لأن اللقاحات لم تُجرَّب على الأطفال دون 12 عامًا بالإضافة لكونهم أقل عرضة للوفاة أو للإصابة الشديدة بالمرض.

تقول جولي سوان مهندسة الأنظمة الصحية من جامعة ولاية نورث كارولينا: «حتى لو سُمِح بالاستخدام الواسع للقاح وتوفرت كميات كبيرة منه فستظهر عقبات في عملية التوزيع، إذ يجب أن يبقى لقاح فايزر مثلًا مجمدًا في درجات حرارة شديدة البرودة، لذلك يجب على الموزعين توزيع الجرعات كلها بعد أقل من يومين على استلامها أو أن تتوافر لديهم مبرّدات خاصة أو ثلج جاف للحفاظ على درجة حرارة اللقاح، يمكن توفير هذه المتطلبات في المدن الكبرى أكثر من المناطق الريفية».

هل ستنتهي الجائحة في 2021؟

يقول مايكل أوستيرهولم عالم الأمراض الوبائية من جامعة مينيسوتا في مينيابوليس: «لا أظن أن أحدًا يستطيع التنبؤ بطريقة انتهاء الجائحة، سيتوقف الانتشار الواسع للفيروس عبر المجتمعات في غضون سنوات أو عقود إذا وفَّر اللقاح مناعة طويلة الأمد، لكنَّ إيجاد اللقاح لا يعني شيئًا ما لم يكن في متناول الجميع ومالم يوافق الجميع على تلقيه. لقد طوِّرت اللقاحات في وقت قياسي لكن بعض الخبراء قلقون من هذه السرعة ومن تسييس بعض الأدوية الذي أثار شكوك البعض حول فعالية اللقاح، سيكون تقبل اللقاح مشكلة كبيرة».

تقول ميجان راني الباحثة في الصحة العامة من جامعة براون: «استطاعت بعض الدول إبطاء سرعة انتشار الفيروس من دون لقاحات، فلا يجب على جهودنا في الولايات المتحدة الأمريكية أن تقتصر على انتظار اللقاح، لأننا نعرف ضرورة اتخاذ تدابير الصحة العامة الأساسية الأخرى، مثل توفير فحوصات الكشف عن الفيروس على مناطق واسعة لنستطيع تحديد حالات الإصابة وعزلها، بالإضافة إلى التثقيف الصحي للمجتمع حول أهمية ارتداء الأقنعة والتباعد الاجتماعي وتجنب الازدحام والأماكن المغلقة».

هل سيواصل فيروس كورونا الانتشار بعد انتهاء الجائحة؟

يقول الخبراء إن الفيروس سيبقى موجودًا فترة من الزمن بعد انحسار الجائحة، وتعتمد فترة بقائه على قوة مناعتنا وفعالية اللقاح في حمايتنا من العدوى مجددًا.
من المستحيل الآن أن نعرف على وجه الدقة مدى تكرار الإصابة بعدوى سارس كوف-2 لأن عدد الحالات المؤكدة لإصابات متكررة قليل جدًا حتى الآن، لكن لو أصبح تكرار العدوى أمرًا شائعًا، فالفيروس سوف يبقى لا محالة.

سيضمن وجود لقاح فعال استمرار المناعة ضد الفيروس بين الناس وسيمنع تفشي الفيروس مستقبلًا، وإذا كان اللقاح ذو فعالية كبيرة وتلقاه عدد كاف من الناس بالإضافة إلى الجرعات الداعمة للقاح، فسيمنع ذلك انتشار الفيروس تمامًا، لكن هذه محض افتراضات.

ينتقل فيروس سارس كوف-2 بين البشر حتى لو لم تظهر عليهم أي أعراض وهذا يجعل الخبراء غير متفائلين باختفاء الفيروس على المدى القريب، على عكس الفيروس التاجي الذي سبب متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد SARS، إذ توقف عن الانتشار بعد عام تقريبًا من بدء تفشيه لأنه لم ينتشر من طريق المصابين غير العرضيين ما سمح للأطباء بعزل المرضى ومن كان على اتصال بهم بسهولة وإيقاف انتشار الفيروس. يقدر عدد المصابين غير العرضيين بفيروس كورونا بنحو 30% ما يجعل الاحتواء التام له أصعب بكثير.

اقرأ أيضًا:

كيف نجحت دول دون غيرها في السيطرة على وباء كورونا ؟

دراسة جديدة في معرفة دور العوامل الخلوية المتعلقة بفيروس كورونا

ترجمة: حيان شامية

تدقيق: مازن النفوري

مراجعة: وئام سليمان

المصدر