إن مدة الدورة الشهرية وطبيعتها مؤشر مهم على الصحة العامة. تقترح دراسة جديدة على الأطباء مراقبة الدورة الشهرية في مرحلة المراهقة ومرحلة الرشد لاحقًا.

في دراسة استمرت 24 عامًا شملت نحو 80 ألف ممرضة حسنة الصحة في الولايات المتحدة، وُجد الرابط الحقيقي الأول بين الدورة الشهرية والموت المبكر.

وُجِد أن خطر الموت قبل سن السبعين مرتفع لدى النساء اللائي يختبرن دورات شهرية طويلة وغير منتظمة مقارنةً بالنساء ذوات الدورات الشهرية الأقصر والأكثر انتظامًا، وفقًا لدراسة طولية بدأت سنة 1989. كان هذا الرابط وثيق الصلة بالموت الناجم عن الأمراض القلبية الوعائية، ومرتبطًا إلى حد ما بالموت نتيجة السرطان.

يقول كيم جوناسوهو أخصائي فيزيولوجيا الإنجاب في جامعة كينجز غير المشارك في الدراسة: «ما نأمله من هذه الدراسة هو رفع الوعي حول عدم انتظام الدورة الشهرية، وزيادة التعليم والمعرفة، وتشجيع النساء والأطباء على أخذ الدورة الشهرية في الحسبان عند تقييم الصحة. لا يجب على كل النساء اللائي يختبرن دورات شهرية غير منتظمة القلق، فما زال علينا إجراء المزيد من الأبحاث، إضافةً إلى مشاركة العديد من العوامل المؤثرة في هذا المجال».

تُسمى الدورة الشهرية أحيانًا «المؤشر الحيوي الخامس»، إذ تتضمن المؤشرات الأخرى درجة الحرارة ومعدل النبض ومعدل التنفس وضغط الدم، وقد ارتبط عدم انتظام الدورة الشهرية بالكثير من العوامل الصحية، مثل الأمراض الجنسية والإنجابية وأمراض العظام والقلب والسرطان والاضطرابات العقلية، وغيرها من المشكلات الصحية المزمنة.

ارتباط عدم انتظام الدورة الشهرية بالموت المبكر. لماذا هذا مهم طبيًا - مدة الدورة الشهرية وطبيعتها مؤشر مهم على الصحة العامة

هذا لا يعني أن عدم انتظام الدورة الشهرية هو المسؤول عن هذه التأثيرات الصحية، بل يعني أن السبب الكامن وراء طول مدتها وعدم انتظامها ينعكس سلبًا على الصحة عمومًا.

لذا ليس من المفاجئ ارتباط عدم انتظام الدورة الشهرية بالموت المبكر، رغم عدم اهتمام مقدمي الرعاية بالدورة الشهرية عند تقييم الصحة القلبية الوعائية عمومًا.

رغم المدة الطويلة لهذه الدراسة والمتابعة الحثيثة للمتطوعين المشاركين بها، فهي تواجه بعض التحديات، لأن البحث عن الارتباطات المحتملة ليس بالأمر الهيّن. من الصعب إيجاد قاعدة بيانات موثوقة وكبيرة، وترتكز معظم النتائج على استبيانات فردية أو تطبيقات تتَبُّع الدورة الشهرية.

اعتمدت الدراسة على مجموعة من الممرضات اللائي يعشن في الولايات المتحدة، وتتراوح أعمارهن بين 25 و42، وقد تواصل الباحثون معهن عبر البريد أو الاستبيانات على الإنترنت كل عامين لجمع معلومات عن نمط الحياة والحمية المتبعة والتاريخ المرضي والأمراض.

طُلِب من الممرضات في بداية الدراسة سنة 1989 أن يتذكرن دوراتهن الشهرية في مرحلة المراهقة بين 14 و17 عامًا وفي مرحلة الرشد المبكر بين 18 و22 عامًا.

وسُئلت الممرضات مجددًا سنة 1993 عن مدة الدورة الشهرية وانتظامها عندما كانت أعمارهن بين 29 و46.

قال الباحثون: «وجدنا أن خطر الموت المبكر كان أعلى لدى النساء اللائي اختبرن دورات شهرية طويلة أو غير منتظمة».

في حين أن السبب قد يكون صعوبة تذكر الدورات الشهرية في فترات مبكرة من حياتهن، قد يكون أيضًا عرضًا على استمرار تردي الصحة.

وُجد أن الموت بسن مبكرة كان أكثر احتمالًا لدى المجموعات العمرية الأكبر التي امتدت عندها الدورة الشهرية لأكثر من 40 يومًا، مقارنةً باللائي امتدت عندهن الدورة الشهرية مدةً طبيعية تتراوح بين 26 و31 يومًا. كان هذا منتشرًا بوضوح لدى الممرضات اللائي اختبرن دائمًا دورات شهرية غير منتظمة في فترتي المراهقة والرشد المبكر، وأيضًا لدى المدخنات.

يُعد الاكتشاف الأخير منطقيًا، لأنه من المعروف أن التدخين يؤثر في الصحة القلبية الوعائية والمناعية والاستقلابية، وأن عدم انتظام الدورة الشهرية هو من أعراض تردي الصحة المتعلقة بما سبق.

يحذر الباحثون: «يجب تفسير هذا الرابط بحذر، نظرًا إلى أهمية الإحصائيات الجانبية والهامشية لهذه الاختبارات».

إضافةً إلى ذلك نجد أن جميع الممرضات المشاركات في هذه الدراسة بيضاوات البشرة ويعملن في نفس المجال، الذي يتطلب ساعات غير منتظمة من العمل، ما قد يؤثر في الصحة على المدى البعيد ويسبب اضطرابات في الدورة الشهرية.

يجب إجراء المزيد من البحث لاكتشاف الرابط بين الدورة الشهرية والحالات الصحية التي قد تسبب الموت، لكن الدراسة الحالية تقدم أقوى دليل حتى الآن على الصلة بين عدم انتظام الدورة الشهرية وتردي الصحة في مرحلة المراهقة أو لاحقًا في مرحلة الرشد.

يقول الكتّاب: «كانت هذه الروابط أقوى عندما كان عدم انتظام الدورة الشهرية وطول مدتها حاضرًا في مرحلة المراهقة وخلال الرشد».

بأخذ عوامل أخرى في الحسبان، مثل العمر والوزن ونمط الحياة وتاريخ العائلة المرضي، لم تتغير النتائج، مع عجز المؤلفين عن تحديد وجود عوامل أخرى قد تكون مؤثرة.

تقول جاكلين مايبين، وهي زميلة باحثة وطبيبة نسائية في جامعة إدنبرة، إن الأساليب المتبعة في هذه الدراسة موثوقة، ونتائجها مهمة، لكن لا داعي لأن تقلق النساء اللائي يختبرن دورات شهرية غير منتظمة.

«من المهم تذكر أن عدم انتظام الدورة الشهرية عرَض، لا تشخيص. وعلى هذا فإن السبب الدقيق وراء عدم انتظام الدورة الشهرية هو ما قد يزيد خطر الموت المبكر، وليس عدم انتظام النزف سببًا بحد ذاته».

يتوقع كتّاب الدراسة الحالية مثلًا أن الرابط بين الموت المبكر وعدم انتظام الدورة الشهرية قد يؤثر سلبًا في المحور الوطائي النخامي المبيضي، وهو جزء من الدماغ يتحكم في الهرمونات الأنثوية، وهو مؤشر على الصحة العامة.

يقول الكتّاب عن دراستهم الجديدة إنها أفضل دليل متوفر لفهم الآثار بعيدة المدى لارتباط الدورة الشهرية بالصحة، وذلك في غياب القدرة على إجراء تجربة عشوائية.

على مقدمي الرعاية الأساسيين سؤال المريضات عن الدورة الشهرية في مرحلة المراهقة والرشد، إذ إن ذلك ضروري لتقييم الصحة العامة.

تقول العالمة المختصة في الأمومة راتشيل ترايب من جامعة كينجز في لندن: «لا يجب أن تكون هذه الدراسة مصدر قلق لجميع النساء اليافعات اللائي يختبرن دورات شهرية غير منتظمة أو طويلة، لوجود عدة عوامل أخرى مؤثرة. لكنني آمل أن ترفع هذه المعلومات من مستوى الوعي وتشجع مقدمي الرعاية الصحية والنساء على البحث حول أسباب عدم انتظام الدورة الشهرية، وهي وسيلة تحمل الأمل في تحسين الصحة الإنجابية وحصد نتائج إيجابية على المدى الطويل».

اقرأ أيضًا:

أضرار عدم انتظام الدورة الشهرية

الدورة الشهرية غير الطبيعية (تأخر الطمث)

ترجمة: ربا كيال

تدقيق: سمية بن لكحل

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر