يعاني عدد كبير من البشر من داء السكري منذ آلاف السنين وحتى يومنا هذا، ومع أنه مرض قديم لكننا ما زلنا نكتشف معلومات جديدة عنه. حُدد الفرق بين النمطين الأول والثاني من داء السكري منذ قرون مضت، لكن الفئات الفرعية لا تنتهي عند ذلك الحد. في دراسة جديدة، وجد الباحثون في المملكة المتحدة دلائل تشير إلى وجود فئتين فرعيتين ضمن داء السكري من النمط الأول، وتسميان TIDE1 وTIDE2 .

يقول عالم تأثير الأدوية والغدد الصم نويل مورغان من جامعة إكستير: «نترقب بشدة اكتشاف دليل يؤكد أن داء السكري من النمط الأول يضم حالتين مختلفتين. تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أنه قد يساعدنا على فهم أسباب المرض، بالإضافة إلى إيجاد طريقة لوقاية الأطفال من الإصابة بمرض السكري من النمط الأول».

في داء السكري، يفشل الجسم في المحافظة على مستوى سكر الغلوكوز في الدم ضمن الحدود الطبيعية، وله نمطان رئيسيان.

يُشخص النمط الأول من داء السكري عادة عند الأطفال والشبان، وهو مرض مزمن. أما النمط الثاني فيظهر عادة عند الراشدين وهو النمط الأكثر شيوعًا، يمكن الوقاية منه وعلاجه ويتأثر بنمط الحياة والعوامل الوراثية.

لكن العلماء اكتشفوا مؤخرًا أن هذه التصنيفات تحتاج مزيدًا من الدراسة، إذ وجدت الأبحاث أنواعًا جديدة من داء السكري. وقد يكون النمط الثاني منه أكثر تعقيدًا مما ظننا.

وفقًا للدراسة الأخيرة، تتعدد الحالات ضمن داء السكري من النمط الأول، ويبدو أن الاختلاف بينها يتعلق بأعمار المصابين عند تشخيصهم بالمرض.

أجرى أفرادٌ من ضمن الفريق نفسه بحثًا آخر في عامي 2014 و2016، ووجدوا أن الأنماط المختلفة من الاستجابة المناعية قد تكون السبب في ظهور داء السكري من النمط الأول، ما يطرح إمكانية وجود أنواع فرعيةٍ منه. واليوم توجد أبحاث كثيرة تدعم هذه الفرضية.

حلّل الباحثون خلال الدراسة الجديدة قرابة مئة وثلاثين عينة مأخوذة من الأطفال والشبان المشخصين حديثًا بالنمط الأول من السكري. أظهرت هذه النتائج نمطين مختلفين كليًا وفقًا لطليعة الأنسولين في كل منهما (طليعة الأنسولين هي مادة ينتجها البنكرياس ويُصنع منها هرمون الأنسولين).

وجد الباحثون خللًا في معالجة الجسم لطليعة الأنسولين عند الأطفال الذين شُخِّصوا بداء السكري قبل السابعة من العمر. أُفرزت طليعة الأنسولين من قِبل المجموعات الخلوية التي تسمى الجزر البنكرياسية، وهي المسؤولة عن إنتاج هرمون الأنسولين أيضًا. يدل هذا على عدم تحول طليعة الأنسولين إلى الهرمون بمعدل يلبي حاجة الجسم.

عند المرضى الذين تتجاوز أعمارهم الثلاثة عشر عامًا، لم تفرز طليعة الأنسولين بالإضافة إلى الأنسولين من الجزر البنكرياسية، ما يشير إلى إنتاج هرموني طبيعي أكثر.

لوحظ أيضًا تخرب مناعي ذاتي للخلايا المنتجة للأنسولين في جزر البنكرياس في كلتا الحالتين ولكن بوتيرة مختلفة، إذ تجري عملية التخرب بوتيرة أسرع عند الأطفال دون السابعة من العمر.

يفسر الباحثون ذلك في دراستهم: «تُظهر النتائج بوضوح وجود حالات مختلفة من داء السكري من النمط الأول تبعًا للعمر الذي يشخص فيه المرض، ويمكن التمييز بين هذه الحالات نسيجيًا. نعتقد أن داء السكري من النمط الأول يضم نوعين فرعيين يسميان TIDE1 و .«TIDE2

داء السكري - تُظهر الصورة أعلاه تصويرًا مجهريًا يبين على اليسار تجمعات خلوية ينفصل فيها الأنسولين عن طليعته TIDE2، وعلى اليمين تجمعات خلوية تختل فيها معالجة طليعة الأنسولين.TIDE1

تُظهر الصورة أعلاه تصويرًا مجهريًا يبين على اليسار تجمعات خلوية ينفصل فيها الأنسولين عن طليعته TIDE2، وعلى اليمين تجمعات خلوية تختل فيها معالجة طليعة الأنسولين.TIDE1

في TIDE1، تختل عملية معالجة الأنسولين، وهو النوع الفرعي الذي يُشخص عند الأطفال دون السابعة من العمر. يُشخص النوع الفرعي الثاني TIDE2 عند الأطفال ذوي الثلاثة عشر عامًا وما فوق. أما الأطفال بين السبعة والثلاثة عشر عامًا فقد يكونون مصابين بأي من النوعين السابقين.

يقول الباحثون: «لا يشمل الاختلاف بين هذين النوعين جميع حالات التباين الوراثي بين المصابين بداء السكري من النمط الأول، فمن الممكن اكتشاف أنواع جديدة تضاف للنوعين السابقين وتندرج تحت هذا النمط أيضًا».

حل هذا اللغز متروك للأبحاث القادمة، وقد نحتاج لإجراء دراسات موسعة تشمل أعدادًا أكبر من المرضى، وذلك لتأكيد أنواع المرض الفرعية المعروفة حتى الآن.

وفقًا للفريق البحثي، قد يشكل عمر المرضى حين يشخصون بداء السكري من النمط الأول دليلًا مهمًا، وقد يقودنا إلى معرفة نمطهم الفرعي من المرض وآليته المرضية بدقة. وبذلك نقترب أكثر من اليوم الذي سنستطيع فيه معالجة داء السكري من النمط الأول بنوعيه الفرعيين الأول والثاني، بالإضافة إلى أي أنواع أُخرى قد يكتشفها الباحثون لاحقًا.

تقول مديرة البحث إليزابيث روبيرتسون التي ساهمت بتمويل الدراسة: «في المستقبل القريب سنستطيع كبح الهجوم المناعي المسبب لداء السكري من النمط الأول، ولكن علينا بذل مزيد من الجهد للتعامل مع هذه الحالات المعقدة وإيجاد علاجات جديدة فعالة قدر الإمكان. نأمل أن تخطو بنا نتائج دراستنا خطوةً نحو الأمام في سبيل إنجاز ذلك».

وردت هذه الدراسات في Diabetologia

اقرأ أيضًا:

داء مورغيلونس

علماء يصنعون أعضاء بشرية في المختبر!

ترجمة: علي علوش

تدقيق: غزل الكردي

مراجعة: تسنيم المنجد

المصدر