هناك علاقة معروفة بين الصحة النفسية وعادات الأكل، لكن كيف يؤثر التوتر على الشهية؟

يقلل الخضوع للاختبارات أو التعرّض إلى مواقف محرجة الشهية لدى بعض الأشخاص ويمنعانهم من تناول الطعام لأيامٍ متتالية. بينما لدى آخرين، تؤدي مشاكل الصحة النفسية إلى زيادة تناولهم للطعام وقد يصل الأمر بهم إلى النهم.

لكن ما الذي يجعلنا نلجأ إلى الطعام؟ هل هو شيء موجود في جيناتنا أم أن زيادة الأكل الناجمة عن التوتر هي أكثر ارتباطًا بطريقة التربية وعلم النفس الفردي؟

سنلقي نظرة على ظاهرة الأكل المريح -هي تناول الطعام كي يشعر المرء بالسعادة، ليس لأنه جائع- وما الذي يمكننا فعله لإيقافها. في نفس الوقت، تجب معرفة أنه قد يكون من الصعب تحديد السبب الدقيق الذي يدفع الفرد إلى تناول الطعام عند شعوره بالتوتر. يشير العلماء إلى أن السبب قد يعود إلى الهرمونات أو طبيعة الفرد، لا توجد معايير تشخيصية محددة لهذا السلوك لأن كل شخص يتعامل مع التوتر والعواطف والجوع بشكل مختلف عن الأخر.

التوتر هو حالة فيزيولوجية ونفسية يمكنها تغيير عملية التمثيل الغذائي. تزيد هذه الحالة من قابلية الجسم إلى الإصابة بالأمراض، وتؤثر على صحة القلب والأوعية الدموية، ولها تأثير كبير على الرفاهية العاطفية.

نظرًا إلى أن الدماغ والأمعاء في اتصال مستمر -نُطلق عليه محور الأمعاء والدماغ- يمكن أن يؤثر التوتر تأثيرًا كبيرًا على الشهية والعادات الغذائية. أظهرت الدراسات أن هذا الاتصال قد يظهر في سن مبكرة جدًا. وفقًا لإحدى الدراسات المنشورة في مجلة Appetite يمكن للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و 9 سنوات إظهار سلوك الأكل المريح عندما يتعرضون إلى مستويات عالية من التوتر. يعد هذا الأمر مصدرًا للقلق، إذ من الممكن أن تستمر هذه السلوكيات الخاطئة حتى مرحلة البلوغ.

يوجد نوعان رئيسيان من التوتر: حاد ومزمن. التوتر الحاد ينتج عن ضغوط غير متوقعة وشديدة في كثير من الأحيان. أما التوتر المزمن فهو أقل حدة لكنه يستمر إلى وقت طويل وقد يرتبط بالظروف الشخصية. من المهم التمييز بينهما لأن لكل نوع تأثيرًا مختلفًا في الجسم، ووفقًا لمجلة Nutrition فقد يكون لهما تأثير مختلف في سلوكيات الطعام أيضًا.

يرتبط التوتر المزمن بتناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من السعرات الحرارية والسكريات والدهون. في حين يُعتقد أن التوتر الحاد يُثبّط الشهية ويولّد إحساس ضيقٍ في المعدة. رغم ذلك، لا تعد هذه الأمور قاعدة عامة، وقد تختلف المؤشرات من شخص إلى آخر.

إنّ عملية السيطرة على الشهية معقدة كثيرًا، ويُتحكم بها بواسطة هرمونات محددة مثل الغريلين واللبتين. يُعرف الغريلين أنه الهرمون المنشط للشهية.

وفق دراسة في المجلة الدولية للعلوم الجزيئية اكتُشف انخفاض في مستويات هرمون الغريلين لدى حيوانات التجربة التي تعاني فقدان الشهية، وكذلك عند الأشخاص الذين يتناولون أدوية مضادة للسرطان وبعض مضادات الاكتئاب التي يكون التأثير الجانبي الرئيسي لها هو فقدان الشهية.

ينخفض هذا الهرمون استجابةً للتوتر الحاد ويرتفع عند التوتر المزمن. وأظهرت الدراسات التي أجريت على الفئران أنه إذا عُرّضت هذه الحيوانات إلى نموذج الإجهاد الجماعي المزمن وضغط العزلة فإن مستويات الغريلين وتناول الطعام سيزداد كثيرًا.

في الوقت عينه، سيقل تناول الفئران للطعام عندما تتعرّض إلى ضغوط حتى لو كانت مستويات الغريلين لديها مرتفعة. يشير العلماء إلى أن الحيوانات -وربما البشر أيضًا- يمكنها تطوير ما يسمى مقاومة الغريلين اعتمادًا على نوع الضغوطات التي تتعرض لها. وقد لوحظ أن إناث الفئران كانت أكثر عرضة للإفراط في تناول الطعام عندما كانت هرموناتها غير متوازنة، الأمر الذي يفسر سبب انخراط النساء في سلوك الأكل المريح أكثر من الرجال.

قد تكون الشيخوخة أيضًا سببًا آخر يؤدي إلى قلة الشهية، فإن مع التقدم في السن يميل الشخص إلى اللامبالاة والمعاناة من الضعف الإدراكي واضطرابات النوم والأمراض الجسدية، وهي عوامل تتداخل مع استجابات الجسم للتوتر. لذا من المحتمل أن تؤدي الشيخوخة إلى تعديل تأثير هرمون الغريلين على سلوكياتنا الغذائية.

اللبتين هو هرمون آخر له دور في التحكم بالشهية ويعزز الشعور بالشبع. وفقًا لمجلة Nutrients تنخفض مستويات اللبتين بعد التوتر الحاد، ويتعرض الأفراد ذوي الوزن الطبيعي والنساء إلى تقلبات حادة في مستويات الهرمون.

يوجد عامل آخر يربط بين التوتر والشهية هو الأوركسينات orexins، وهي مركبات يفرزها الدماغ استجابةً للضغوط ثبت أن لها علاقة بسلوكيات الإطعام وفقًا لمجلة Frontiers in Neuroendocrinology.

تقول اختصاصية التغذية رهف البوشي: «يزداد أكل بعض الناس عند الضغط عليهم كآلية للمساعدة في تقليل التوتر، وغالبًا ما يُشار إليه بالأكل العاطفي. عندما يتعرض الجسم للضغط فإنه يفرز الكورتيزول استجابةً للتوتر، الذي بدوره يزيد الشهية. يميل الكثيرون إلى اشتهاء الأطعمة المريحة التي تكون غنية بالدهون أو السكر».

تضيف آشلي بانيستر اختصاصية تغذية ومدربة صحية في Noom: «لقد ثبت أن الأطعمة الحاوية على نسبة عالية من الدهون والسكر تخفف من استجابة الجسم للتوتر. نتيجة لذلك قد يكون من الصعب التغلب على الرغبة في تناول الطعام بسبب التوتر نظرًا لوجود آليات فيزيولوجية تدفع الجسم إلى تناول الطعام. أخيرًا، يمكن للأطعمة المريحة تنشيط نظام المكافأة في الدماغ ما يجعل تقليل تناول الطعام المريح أكثر صعوبة».

يتداخل التوتر مع التنظيم الذاتي في الجسم الذي بدوره يغير من عملية اتخاذ القرار لدينا ويؤدي إلى خفض النشاط البدني والنوم، وهما عاملان مهمان في تنظيم هرمونات الشهية.

ذُكر في مجلة Physiology & Behavior أنه قد يؤدي كلٌ من التوتر والطعام اللذيذ إلى تحفيز إفراز المواد الأفيونية في الجسم. أشهر هذه المواد الأندروفين، وهي مركبات كيميائية تحث على الشعور بالرضا ولها القدرة على خفض مستويات الألم وتجعلنا نشعر بمزيد من الاسترخاء والراحة.

يتفق العديد من الخبراء أن ظاهرة فقدان الشهية عند التوتر يعتمد غالبًا على فيزيولوجيا الجسم، ويكون هذا التأثير مؤقتًا.

تقول آشلي بانيستر: «بدايةً، تحت الضغط الحاد قد نجد أن الشهية تقل بالفعل، وهذه استجابة هرمونية مرتبطة بالتوتر، إذ يرتفع مستوى الإبينفرين في حالة التوتر الحاد ما يؤدي إلى استجابة الجسم للمشكلة أو الهروب. تقلل هذه الحالة من الشهية مؤقتًا، ومع استمرار التوتر، ترتفع مستويات الكورتيزول ما يؤدي إلى زيادة الشهية وزيادة كميات الطعام المرتبط بالتوتر».

التوتر هو السبب المؤكد للأكل المريح وتخفيفه هو الخطوة الأولى كي تتحسن العلاقة مع الطعام. لكن الإلتزام بحمية وتقليل تناول الطعام قد يكون صعبًا. إذن بِمَ يوصي الخبراء؟

تنصح رهف البوشي باتباع العديد من الخطوات المساعدة في تخفيف التوتر، على سبيل المثال، الذهاب في نزهة على الأقدام أو التحدث مع صديق أو الاستحمام أو التنفس بعمق أو الاستماع إلى الموسيقى أو التأمل.

قد تبدو حلولًا بسيطة لكن الأدلة تدعم فاعليتها في تخفيف التوتر. وفقًا لمجلة Appetite فقد أظهرت الدراسات أن إعطاء نفسك الوقت اللازم للاسترخاء بشكل منتظم قد يقلل كثيرًا من تناول الطعام المرتبط بالتوتر.

تقول بانيستر: «عمومًا، تختلف طبيعة الجسم من فرد إلى آخر وقد يستغرق الأمر بعض المحاولة كي يعرف الفرد ما يناسبه. إن فهم السبب وراء الأكل تحت الضغط يمكن أن يساعد في تغيير السلوك. لا يمكننا التحكم في استجابة الجسم للتوتر ولكن ما يمكننا فعله هو إيجاد طرق للتعامل مع التوتر دون اللجوء إلى الطعام أو تغيير نوعيته».

توصي بانيستر بوجود نظام دعم اجتماعي يقوي الروابط بين هؤلاء الأشخاص. الأمر الذي يمنح الفرد شخصًا يلجأ إليه عند التعرض إلى ضغوط أو مواقف صعبة. أيضًا، يساعد الانخراط في الأنشطة الاجتماعية الأشخاص على تمضية الوقت معًا بعيدًا عن مصادر التوتر.

اقرأ أيضًا:

توقيت تناول الطعام يساعد على تقليل الشهية وحرق الدهون

فقدان الشهية: أسبابه، وأعراضه وعلاجه

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: فاطمة جابر

المصدر