بعد مراقبة استمرت عقدين، اكتشف علماء الفلك للمرة الأولى وجود خلل في سلوك النجم النابض المُسمى PSR J0908-4913 (اختصارًا J0908)، والخلل glitching في النجوم النابضة هو انقطاع مفاجئ في فترة تردد النجم النابض ودورانه.

ليس هذا نجمًا جديدًا يُضاف إلى النجوم النابضة ذات السلوك المميز المكتشَفة سابقًا فحسب (والتي يدرسها العلماء لمحاولة فهم تركيب النجوم النيوترونية)، بل قد يدل أيضًا على وجود الكثير من النجوم النابضة المماثلة التي لم نكتشفها بعد.

العلماء يرصدون للمرة الأولى خللًا في سلوك هذا النجم النابض - خلل في سلوك نجم نابض - PSR J0908-4913 (اختصارًا J0908) - تردد النجم النابض ودورانه

قال الفيزيائي الفلكي ماركوس لور Marcus Lower، من جامعة سوينبرن للتكنولوجيا في أستراليا: «من المدهش إننا راقبنا هذا النجم النابض على مدار 20 سنة دون أن نرصد أي خلل. نعتزم في المستقبل مراقبة مئات بل آلاف النجوم النابضة على نطاق واسع، وذلك ضمن مشروع مصفوفة الكيلومتر المربعSquare Kilometer Array ، إذ تصعب مراقبة أكثر هذه النجوم بواسطة مرصدي باركس Parkes ومولونجلو Molonglo. سيكتشف هذا المشروع الكثير من النجوم النابضة التي لم تتمكن التليسكوبات الحالية من رصدها».

النجوم النابضة Pulsars هي نجوم تدور بسرعة شديدة، وهي نوع من النجوم الميتة المُسماة النجوم النيوترونية neutron star، النواة المتبقية من نجم ذي كتلة معينة بعد وصوله إلى مرحلة السوبرنوفا supernova، وهي تشبه منارة كونية تُصدر الإشعاع من قطبيها.

وبسبب انتظام معدل دورانها غالبًا، يكون هذا اللمعان دقيقًا للغاية، وهي خاصية مفيدة لكثير من التطبيقات العلمية.

شاهد الفيديو:

من بين 2700 نجم نابض معروف في درب التبانة، فقط عدد قليل جدًّا منها (نحو 130-190، أي نسبة 5-7%) يُظهر خللًا، أي حدوث انقطاع في دوران النجم يعقبه تسارع في معدل الدوران، ويُعتقَد إن ذلك ناتج عن عمليات معينة تحدث داخل النجم النيوتروني.

اكتُشف النجمJ0908 ، الذي تبلغ فترة دورانه 107 مللي ثانية، سنة 1988 بواسطة تليسكوبMOST ، ورُصد على مدار عقدين بواسطة مرصد باركس، ثم رُصد مرةً أخرى بواسطةMOST سنة 2015 ضمن مشروعUTMOST . وهو عمل مشترك غرضه دراسة الأجرام في الوقت الفعلي.

وفي أكتوبر 2019، أظهرت البيانات خللًا في سرعة دوران النجم النابض، ووصف العلماء ذلك في ورقتهم البحثية بتغير مستمر في تردد دوران النجم، وهو ما يبدو أمرًا طبيعيًّا في هذا النوع من النجوم.

يوضح لور: «يُعَد النجمJ0908 نجمًا نابضًا شابًّا young pulsar. هذا النوع من النجوم النابضة يعاني أكثره خللًا، يتمثل في فترات دوران غير ثابتة، إذ تتبدل فترة الدوران بمعدل يتراوح من عشرات إلى مئات الميللي ثانية في غضون بضع سنوات. لم يتضح لنا بعد ما إذا كان ثبات فترات الدوران مرتبطًا بمدى الخلل، لكننا لاحظنا تماثل الخلل في النجوم النابضة ذات معدلات الدوران المتشابهة».

يحدث الخلل في هذا النوع من النجوم النابضة كل 6 – 25 عامًا، لذلك من المحتمل أن النجم النابضJ0908 قد حدث به الخلل عدة مرات سابقًا، وأن الملاحظة طويلة الأمد له بدأت بعد الخلل مباشرةً.

لكن الخلل الحادث في النجوم النابضة ليس متماثلًا دائمًا. مثلًا النجم النابض فيلا Vela يحدث الخلل فيه مرة كل 3 سنوات، واكتشف علماء الفلك حديثًا أن معدل دورانه يتباطأ تدريجيًّا قبل حدوث الخلل، ثم يعود وينتظم في معدل دورانه الطبيعي بعد ذلك.

حدث الخلل في النجمJ0908 بين عمليتي رصد، لذلك لم يتمكن الفريق من تحديد ما حدث مباشرةً قبل الخلل وبعده، ولم يلاحظوا دليلًا على تغير معدل الدوران، أو عودته إلى المعدل الطبيعي.

لا يمكننا الجزم بحدوث العودة إلى المعدل الطبيعي بعد الخلل، قد يستغرق الأمر بعض الوقت، وهو ما يُعَد أمرًا طبيعيًّا كذلك. أما الأمر غير المعتاد فهو تاريخ المراقبة طويلة الأمد للنجم. يقول لور: «تتيح لنا المراقبة طويلة الأمد فرصة ملاحظة سلوك النجم قبل الخلل، وهو ما سيمكننا من تحديد إذا ما كان النجم يسلك سلوكًا غريبًا الآن».

وكلما رصدنا المزيد من النجوم النابضة التي تُظهر خللًا، تمكنّا من فهم أفضل لتلك الظاهرة.

صرح لور لموقع ScienceAlert: «كل خلل نكتشفه يقربنا من تفسير هذه الظاهرة، نحن لا ندري ما إذا كانت هذه الظاهرة تظهر في كل النجوم النابضة أم لا. لذلك فإن اكتشافنا لنجوم نابضة جديدة يعزز فهمنا لمدى انتشار ظاهرة الخلل بين النجوم النيوترونية. تدور الكثير من النقاشات حول أثر الخلل في سرعة دوران النجم النابض على المدى البعيد، خاصةً في النجوم النابضة التي تدور بسرعة أقل من سواها. ولمعرفة إجابة هذه التساؤلات، نحن في حاجة إلى مراقبة عدد كبير من النجوم النابضة».

قد يستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يُظهر النجم J0908 الخلل مجددًا، ولكن ما زال أمامنا الكثير لدراسته عن النجم، مثل ظهور أي تصرف غريب بعد الخلل، والوقت الذي يستغرقه النجم ليعود إلى وضعه الطبيعي، وما إذا كان الخلل يسبب أي تغيرات طويلة الأجل.

اقرأ أيضًا:

ترجمة: آية قاسم

تدقيق: زيد الخطيب

مراجعة: أكرم محيي الدين

من قال إننا انتهينا من اكتشاف أنواع النجوم؟ اكتشاف نوع جديد من النجوم النابضة

إثبات جديد للنسبية العامة عبر قياسات النجوم النابضة في الفضاء

المصدر