المادة المظلمة، المكوّن المحير الذي يشكل النسبة الكبرى من كتلة الكون، قد تكون مكونةً من نوع من الجُسيمات الضخمة تسمى الغرافيتونات، التي ظهرت للوجود في اللحظات الأولى بعد الانفجار العظيم.

تقترح دراسة جديدة أن هذه الجُسيمات الافتراضية قد تكون لاجئات فضائية آتية من أبعاد إضافية.

وتشير حسابات الباحثين إلى أنّ هذه الجُسيمات ربما صُنعت بالكمية الصحيحة بالضبط لتفسير ماهية المادة المظلمة التي لا يمكن رؤيتها، إذا جاز التعبير، إلا عبر تأثير جاذبيتها على المادة العادية.

قال غيا كومو كاتشياباغليا، عالم فيزيائي في جامعة ليون بفرنسا والمشارك في تأليف الدراسة: «صُنعت الغرافيتونات الضخمة عن طريق اصطدامات المواد العادية في الكون المبكر. لكن يُعتقد أنّ هذه العملية نادرة جدًا لتُرشح الغرافيتونات لتكون المادة المظلمة».

وفي المقابل، وجد كاتشياباغليا وفزيائيون من جامعة كوريا، هايينغ كاي و سونغ جي لي، في دراسة جديدة نُشرت في مجلة Physical Review Letters، أنه ربما أُنتجت كمية كافية من جسيمات الغرافيتون خلال اللحظات الأولى للكون لتعادل كل المادة المظلمة التي نعلم حاليًا بوجودها في الكون.

وجدت الدراسة أيضًا أن كتلة جُسيم الغرافيتون، إذا كان موجوًدا، ستكون أقل من 1 ميغا إلكترون فولت (MeV)، أي ليست أكثر من ضعف كتلة الإلكترون.

يُعتبر هذا المستوى من الكتلة أقل كثيرًا من القدر الذي تُنتج عنده بوزونات هيغز الكتلة من أجل المادة العادية، الشيء الذي يعتبر مفتاحًا للنموذج المناسب لإنتاج كمية كافية منها لتفسر كل المادة المظلمة الموجودة في الكون. (على سبيل المقارنة، فإن أخفّ جسيم، النيوترينو يزن أقل من 2 إلكترون فولت، بينما يزن البروتون تقريبا 940 ميغا إلكترون فولت).

عثر الفريق على جسيمات الغرافيتون في أثناء سعيهم للتأكد من وجود أبعاد إضافية إلى جانب الأبعاد المكانية المرئية الثلاثة والبعد الزماني، (الأبعاد الإضافية هي التي يشك بعض الفيزيائيين في وجودها).

تقول نظرية الفريق أنه عند انتشار الجاذبية عبر أبعاد إضافية فإنها تتحول إلى مادة في كوننا تأخذ شكل غرافيتونات ضخمة. لكن هذه الجسيمات لن تتفاعل إلا تفاعلًا ضعيفًا مع المادة العادية وفقط عبر قوى الجاذبية.

هذا الوصف يشبه بشكل مخيف ما نعرفه حول المادة المظلمة التي لا تتفاعل مع الضوء، بينما لها تأثير جاذبي يُستشعر في جميع أنحاء الكون، التأثير الجاذبي هو الذي يمنع المجرات من الابتعاد عن بعضها البعض.

يقول كاتشياباغليا: «إن الميزة الأساسية لاعتبار الغرافيتونات الضخمة هي جزيئات المادة المظلمة هي أنها لا تتفاعل إلا عبر الجاذبية، وبالتالي يمكنها التملّص من محاولات الكشف عن حضورها».

لكن في المقابل، يمكن استشعار الجزيئات الأخرى المرشحة للمادة المظلمة، مثل الجزيئات الضخمة ضعيفة التفاعل، الأكسيونات، والنيوترونات، عبر تفاعلاتها الغامضة أيضًا مع قوى ومجالات أخرى.

وأيضًا تعتبر حقيقة أن الغرافيتونات الضخمة لا تتفاعل إلا نادرًا عبر الجاذبية مع جسيمات وقوى أخرى من كوننا، ميزةً أخرى لها.

قال كاتشياباغليا: «لأن تفاعلاتها ضعيفة جدًا، لا تضمحّل الغرافيتونات إلا ببطء شديد، وهو ما يبقيها مستقرةً طوال عمر الكون. لنفس السبب، أُنتجت ببطء خلال توسع الكون وتراكمت إلى يومنا هذا».

في الماضي، ظن الفيزيائيون أن الغرافيتونات بعيدة جدًا عن إمكانية أنها المادة المظلمة، لأن العمليات التي تنتجها نادرة جدًا. نتيجةً لذلك فإن الغرافيتونات ستُنتج بنسبة أقل بكثير من الجسيمات الأخرى.

لكن الفريق توصل إلى أنه بعد الانفجار العظيم ب 1 بيكرو ثانية (جزء من تريليون جزء من الثانية) صُنِع كثير من هذه الغرافيتونات، أكثر بكثير مما تقترح النظريات السابقة.

وجدت الدراسات أن هذا التحسين في النظريات كافٍ لتُفسر الغرافيتونات الضخمة كمية المادة المظلمة التي اكتشفنا وجودها في الكون كليًا.

قال كاتشياباغليا: «جاءنا هذا التحسين مثل الصدمة، فكان علينا التحقق عدة مرات للتأكد من أن النتيجة التي توصلنا إليها صحيحة. وهذا لأنها تقودنا إلى نقلة نوعية تتمثل في اعتبار الغرافيتونات الضخمة مرشحًا محتملًا للمادة المظلمة».

بما أن الغرافيتونات الضخمة لها طاقة أقل من مستوى طاقة بوزونات هيغز، فلن يعيق دراستها عدم اليقين المصاحب للمستويات العالية من الطاقة التي لا تجيد فيزياء الجسيمات التعامل معها جيدًا.

وتربط نظرية الفريق أيضًا بين الفيزياء المدروسة في مسرعات الجسيمات مثل مصادم الهادرونات الكبير، مع فيزياء الجاذبية.

يعني هذا أن المسرعات القوية للجسيمات مثل المصادم الدوراني التابع لسيرن. الذي ينبغي أن يبدأ عمله سنة 2035، يمكنه البحث عن وجود أدلة على هذه الجسيمات المحتملة للمادة المظلمة.

قال كاتشياباغليا: «ربما تكون مصادمات الجسيمات المستقبلية عالية الدقة هي أفضل ما نستطيع أن نعقد عليه آمالًا معقولة. وهذا شيء نعمل على التحقق منه حاليًا».

اقرأ أيضًا:

مرصد جیمس ویب الفضائي قد یساعد في حل لغز المادة المظلمة

دراسة جديدة حول توقعات ستيفن هوكنغ عن المادة المظلمة والثقوب السوداء

 

تدقيق: باسل حميدي

مراجعة: أحلام مرشد

المصدر