وفقًا لحساباتنا عن المادة العادية في الكون، لا يوجد الكثير منها لكي ندعي أنها مصدر التأثيرات الجاذبية التي نراها. وأيًا كان المكون لباقي الكتلة، فهو ليس بالشيء الذي يمكننا رصده بسهولة، ومحاولتنا معرفة ماهيته معقدة ومستهلكة. المصطلح الذي نطلقه على تلك الكتلة الغريبة هو: المادة المظلمة، وهناك العديد من الأسماء البديلة، أحدها ما قدمه لنا كل من ستيفن هوكينج وبيرنارد كار في ورقة بحثية في سبعينيات القرن الماضي، وهو الثقوب السوداء الخالدة.

قال عالم الفيزياء بجامعة ميامي (نيكو كابيلوتي): «تتنبأ دراستنا بشكل الكون إذا ما كانت الثقوب السوداء الموجودة منذ بدايته هي من كونت المادة المظلمة، وليست الجزيئات غير المعروفة كما اقترح ستيفن هوكينج في السبعينيات».

سيؤدي هذا إلى عدة أمور مهمة، أولًا: لن نحتاج إلى فيزياء جديدة لتفسير ماهية المادة المظلمة. ثانيًا: كان باستطاعتنا الإجابة عن أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا في الفيزياء الفلكية، ألا وهو: كيف يمكن للثقوب السوداء العملاقة في بدايات الكون أن تكون قد نمت بهذه السرعة وبهذا الحجم؟

إذا نظرنا إلى الآليات التي نلاحظها اليوم في الكون، فإنه لم يكن هناك وقت كافٍ لتشكّل تلك الثقوب السوداء. هذا الأمر أيضًا سيحل المعضلة التي كانت سببًا في زيادة حجم المجرة طرديًا مع زيادة حجم الثقوب السوداء العملاقة في مركزها.

توجد العديد من الأسباب التي لا تجعل الثقوب السوداء دليلًا على مكان المادة المظلمة رغم جاذبيتها الشديدة. وتتشارك الثقوب السوداء والمادة المظلمة في كونهما معتمتين، وإذا لم يجذبا أي شيء في الفضاء، فسيكون أمر تعقبهما صعبًا جدًا؛ فهما يُعرفان فقط من تأثير جاذبيتهما على ما يحيط بهما في الزمكان.

حجم المادة المظلمة الهائل هو إحدى المشكلات التي تواجه الفيزيائيين. وفقًا لحساباتنا 15% فقط من الكون مصنوع من المادة العادية، أما عن النسبة المتبقية 85% فهي من المادة المظلمة، وهذه النسبة كبيرة جدًا على الثقوب السوداء.

وفقًا لنماذجنا، فإن الثقوب السوداء ذات الأحجام النجمية تتشكل من النجوم العملاقة، وليس هناك ما يكفي من النجوم العملاقة في كوننا لإنتاج ذلك الكم الكبير من الثقوب السوداء. معظم نجوم كوننا ليست إلا أقزامًا حمراء، وليست نجومًا عملاقة.

ومع ذلك، فإن الثقوب السوداء الخالدة هي أمر آخر، ولهذا تعد مرشحًا للمادة المظلمة. ويتضح من اسمها (الخالدة) أنها تكونت من البلازما التي ملأت الكون بعد اللحظات الأولى من الانفجار العظيم.

قد تكون تلك الثقوب السوداء البذور التي أنبتت باقي الثقوب السوداء الأخرى، والتي قد أفلتت من الرصد بسبب حجمها الصغير.

هذا التفسير قد يحل أيضًا بعض الألغاز الأخرى، مثل الثقوب السوداء الهائلة -أكبر من كتلة الشمس بملايين إلى مليارات المرات- وكيف تصبح بهذا الحجم، فهذا السؤال يمثل صداعًا لنا.

وفقًا لحسابات الفريق، يمكن أن يعود سبب هذا الحجم إلى بدايات الكون واندماج تلك الثقوب السوداء بالثقوب السوداء الخالدة، وتراكم الغازات والنجوم.

قال عالم الفضاء والفيزيائي في جامعة ييل، بريامفادا ناتاراجان: «قد تكون الثقوب السوداء الخالدة -إن وجدت- هي مصدر الثقوب السوداء العملاقة التي نراها اليوم، ومن ضمنهم الثقب الأسود العملاق الذي يتوسط مجرتنا درب التبانة».

وأضاف: «الأمر الذي يثيرني حول هذه الفكرة، هو طريقة توحيدها لهاتين المشكلتين -طبيعية المادة المظلمة وتكوّن الثقوب السوداء- وحلهما في الوقت نفسه».

قد تساعدنا الثقوب السوداء الخالدة على حل لغز الإشعاع الفائض من الأشعة تحت الحمراء في الكون، فوفقًا للفريق، فإن نمو الثقوب السوداء الخالدة قد يساعدنا في إنتاج ذات الأشعة تحت الحمراء.

مثلًا، ينحني الضوء البعيد القادم إلينا عندما يمر على حقل جاذبية ثقب أسود، وهذا ما لم نلاحظه مع جميع الثقوب السوداء التي يُفترض أنها تشكل نحو 85% من المادة الموجودة في الكون.

قد نكون أخفقنا في اختيار الأسئلة الصحيحة، لكن فريقنا لم يحاول إثبات وجود الثقوب السوداء الخالدة، بل حاول أن يعمل وفقًا لافتراض وجودها حتى نتمكن من معرفة ما نحن بحاجة للبحث عنه. نأمل الحصول على بعض الأجوبة من تلسكوب جيمس ويب الذي أطلق مؤخرًا.

قال عالم الفلك في وكالة الفضاء الأوروبية، جانثر هاسنجر: «إذا كانت النجوم والمجرات قد تكونت بالفعل فيما يسمى بعصور المادة المظلمة، فيُفترض أن يجلب لنا تلسكوب جيمس ويب بعض الأدلة».

اقرأ أيضًا:

قد تزداد الثقوب السوداء حجمًا مع توسع الكون

ماذا يحدث عند اصطدام الثقوب السوداء ببعضها؟

ترجمة: أحمد صفوت

تدقيق: عبد المنعم الحسين

المصدر