يبلغ العديد من الناس منتصف العمر مع بعض الهفوات الذهنية البسيطة، أو ما يعرف بلحظات الكبر، مع التقدم في العمر، وعادةً تكون غير مؤذية. وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض فإن واحدًا من كل تسعة بالغين -بعمر 45 عامًا أو أكثر- يُبلغ عن ارتباك عرضي واحد على الأقل أو فقدان للذاكرة. كيف نعرف أن هذه الحوادث طبيعية؟ وكيف يمكنك أن تحمي نفسك من المشكلات المعرفية الأخطر مع التقدم في العمر؟

تقول فونيتا دوتسون، أستاذ علم النفس والشيخوخة في كتابها «ابقَ متيقظًا»: «تختلف عملية التقدم في العمر بين شخص وآخر. عمومًا، يمكنك التفكير في أن عقلك يشبه المنزل، إذا اعتنيت به ستحتفظ به مدةً طويلة، وإذا أهملته كنت أكثر عرضة للمشكلات بمرور الوقت».

الوسائل المتقدمة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، يسمح للباحثين باكتساب معرفة جديدة بالعضو الأعقد في جسم الإنسان، وتحديد طرق حمايته. تناقش دوتسون بعض الأبحاث الجديدة في هذا المجال النامي.

يتعلق الأمر بالقدرة على أداء المهام البدنية والعقلية، والتحكم في العواطف، والحفاظ على الذاكرة والقدرات المعرفية. يتطلّب كل ذلك وجود بنية دماغية صحية مع تدفق جيد للدم، وخلايا دماغية سليمة تتواصل بكفاءة.

تؤثر العديد من العوامل البيولوجية والبيئية وغيرها في صحة دماغنا، عمومًا إذا أولينا دماغنا الرعاية الصحيحة المناسبة، سنكون أقل عرضةً للإصابة بمشكلات كبيرة مع التقدم في العمر.

تعني الرعاية الصحيحة البقاء نشطًا جسديًا وعقليًا واجتماعيًا، باتباع نظام غذائي صحي، والحصول على نومٍ كافٍ، والاهتمام بصحتك الجسدية والعقلية.

كيف تتحقق من صحة دماغك؟

هل يجب إجراء الفحوصات إن كنت قلقًا بشأن خطر الإصابة بالخرف، أو كنت تمر بالكثير من لحظات الكبر؟

يفضل التحدث إلى طبيبك إن كنت قلقًا. إليك بعض التحذيرات التي تتطلب استشارة متخصص:

  •  تداخل ذاكرتك أو مشكلاتك المعرفية مع قدرتك على القيام بالأنشطة اليومية، مثل القيادة أو الطهي أو الأمور المالية.
  •  حدوث التغييرات بنحو مفاجئ.
  •  حدوث التغييرات بعد إصابة أو مرض أثّر في دماغك.

إذا مررت بهذه العلامات تجب استشارة طبيب أعصاب متخصص في العلاقة بين الدماغ والسلوك.

هل بإمكان استراتيجيات صحة الدماغ الجيدة أن تبطئ تطور الخرف أو مرض ألزهايمر ؟
نظرًا إلى أننا لا نملك علاجًا لمرض ألزهايمر أو لأنواع أخرى من الخرف حتى الآن، الوقاية هي رهاننا الأفضل. بإمكاننا تقليل خطر الإصابة بهذه الأمراض باتباع نمط حياة صحي. تسمح العادات الصحية لدماغنا بتحمل التغيرات الطبيعية المحتملة مع الشيخوخة، وبعض المشكلات التي نملك استعدادًا وراثيًا للإصابة بها.

يؤثر سلوكنا في طريقة شيخوخة الدماغ، بالطريقة ذاتها التي يؤثر بها في صحتنا الجسدية مع التقدم في العمر. تُظهر الدراسات أن الظروف الصحية في مرحلة الطفولة أو في منتصف العمر تحسن من فرص صحة الدماغ في مرحلة البلوغ. هذا يظهر خصوصًا عند للأشخاص المصابين بأمراض القلب، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة. هذا يعني أننا بحاجة إلى الحفاظ على سلوكنا الصحي خلال حياتنا لتقليل خطر الإصابة بمرض ألزهايمر والأنواع الأخرى من تنكس الدماغ مع التقدم في العمر.

حتى إن كنت لا تتمتع برعاية صحية ممتازة، لكل شخص طريقته للحفاظ على صحة الدماغ.

النوم

يغير النوم قواعد اللعبة عندما يتعلق الأمر بصحة الدماغ. إنه أمر صعب للعديد من الناس، إذ نريد القيام بالعديد من الأشياء في يوم واحد، لكن النوم مهم جدًا لجميع جوانب صحتنا، هذا لا يتعلق بالنوم عدد معين من الساعات، بل الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم الجيد العميق والمريح.

يؤثر النوم في أنظمة الجسم كافةً، متضمنةً الدماغ. ويؤثر في كيفية تواصل خلايا الدماغ معًا، لذلك فهو ضروري لقدرة الجسم على تكوين المسارات العصبية.

يرتبط الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم أو النوم المتقطع بالحصين، وضمور القشرة المخية، وانخفاض القدرة على تكوين خلايا دماغية جديدة.

تُشير الأبحاث إلى أن النوم يعمل على تنظيف الجسم. في أثناء النوم، يزيل السائل الدماغي الشوكي البقايا السامة من الدماغ، متضمنةً السموم المرتبطة بمرض ألزهايمر. لذلك فإن الأشخاص الذين يعانون قلة النوم على المدى الطويل أكثر عرضة للإصابة بألزهايمر.

أنماط الحياة المؤثرة في صحة الدماغ

التغذية أمر مهم، لا تقل أهميتها للدماغ عن أهميتها لصحة القلب. مثلًا، تظهر الأبحاث أن الدهون غير المشبعة تؤثر في خلايا الدماغ، إذ تخفض قدرة خلايا الدماغ على التواصل، ما يؤدي إلى مشكلات مثل الضعف المعرفي والاكتئاب.

فهم التفاوتات في صحة الدماغ

نحن بحاجة إلى معرفة المزيد عن كيفية تأثير الثقافات المختلفة والبيئات الاجتماعية في تغيرات الدماغ طوال العمر. مثلًا، ينتج الخرف الوعائي من ضرر في الدوائر المزاجية في الدماغ بسبب أمراض الأوعية الدموية، وهو شائع لدى البالغين من السُمر.

هل توجد روابط قوية بين الشيخوخة والاكتئاب؟

تتداخل بعض التغيرات التي تحدث في أدمغة كبار السن مع التغيرات التي نراها في أدمغة مرضى الاكتئاب. أكثر مناطق الدماغ تأثرًا بالشيخوخة هي الفصوص الأمامية، خاصةً الفص الجبهي. تصبح هذه المنطقة أصغر حجمًا مع التقدم في العمر، وتضعف الروابط بين قشرة الفص الجبهي وأجزاء الدماغ.

تُظهر الأبحاث أن الاكتئاب مرتبط بالتغيرات الهيكلية والوظيفية في شبكة من مناطق الدماغ التي تتأثر أيضًا بعملية الشيخوخة. يرتبط كل من الشيخوخة والاكتئاب أيضًا بالالتهاب في الدماغ، ويترافق مع انخفاض عامل التغذية العصبية المستمد من الدماغ، وتلف المادة البيضاء.

الاكتئاب وخطر الإصابة بمشكلات معرفية

تظهر الأبحاث أن كبار السن المصابين بالاكتئاب لديهم تغيرات أكثر في دماغهم، مثل نقص الحجم، مقارنةً بالأشخاص الأصغر سنًا الذين يعانون الاكتئاب، أو بكبار السن الذين لا يعانون الاكتئاب. توجد أيضًا صلة بين الاكتئاب والخرف.

إن معاناة الشخص فترةً طويلة من الاكتئاب -خاصةً مع تكرر النوبات- يزيد من خطر الإصابة بالخرف.

باستخدام علم النفس العصبي وتصوير الدماغ، نعمل على فهم كيفية ظهور الاكتئاب بنحو مختلف لدى الشباب، مقارنةً بكبار السن. يرتبط الاكتئاب لدى كبار السن بمشكلات إدراكية، إذ يواجه كبار السن المصابون بالاكتئاب أيضًا صعوبة أكبر في أداء الأنشطة اليومية، مثل الطهي وإدارة الوقت والشؤون المالية.

نكتشف كيفية ارتباط التغيرات في الدماغ بأنماط مختلفة من أعراض الاكتئاب، مثلًا: تسبب التغيرات في المادة البيضاء في الدماغ أعراضًا مثل الحزن أو فقدان الشغف أو مشكلات النوم، وترتبط أيضا بانخفاض ضغط الدم أو الالتهاب. تسمح معرفة التغيرات البيولوجية المختلفة وربطها بأنواع مختلفة من الأعراض بتحسين العلاج.

استنادًا إلى النموذج الطبي الحالي، يميل الأطباء إلى وصف الأدوية ذاتها للاكتئاب وعلاج حالات مختلفة، بصرف النظر عن الأعراض المحددة للمريض. يمكن اختيار علاجات تستهدف أعراض كل شخص، بفهم تأثير العلاجات المختلفة في الآليات العصبية البيولوجية، وكيفية ارتباط هذه الآليات بأعراض اكتئاب محددة.

اقرأ أيضًا:

شبكیة العین نافذة مباشرة على صحة الدماغ، تكشف أعراض ألزھایمر المبكرة

علماء الأعصاب يكتشفون جزءًا من الدماغ يستجيب للغناء تحديدًا

ترجمة: فاطمة الرقماني

تدقيق: حسين جرود

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر