يزداد خطر الإصابة بالخرف بشكل ملحوظ مع تقدم العمر، إذ يصيب نحو شخص واحد من كل مئة ممن تتراوح أعمارهم بين 65 و69 عامًا، فيما ترتفع النسبة إلى شخص واحد من كل ستة في سن الثمانين فما فوق.

وبما أن تطور الخرف يحدث على مدى سنوات طويلة ولا يستجيب للعلاجات الطبية المتاحة، تُعزى التكاليف الباهظة المصاحبة له غالبًا إلى الحاجة إلى رعاية طويلة الأمد. وعلى الصعيد الاقتصادي الصحي، يتجاوز تأثير الخرف مجمل تأثير السرطان وأمراض القلب والسكتات الدماغية معًا.

ترجع غالبية حالات الخرف في المراحل المتأخرة من العمر إلى حالة تنكس عصبي تُعرف بمرض ألزهايمر. إذ يلاحظ علماء الأمراض في أدمغة المصابين تكتلات بروتينية غير طبيعية تترسب بين الخلايا العصبية (لويحات الأميلويد)، وحزمًا من الخيوط البروتينية التي تتغير كيميائيًا وتدمر الخلايا من الداخل (التشابكات الليفية العصبية).

تُبنى الآمال على أدوية تستهدف هذين الاضطرابين أملًا في تعديل المسار السريري للمرض. لكن حتى بعد أكثر من عقد من الزمن، لم يُعثر بعد على علاج يثبت فعاليته في إبطاء تقدم مرض ألزهايمر.

مسار تطور المرض

تشكل وتيرة تطور المرض البطيئة إحدى العقبات الرئيسة أمام جهود البحث، فكما يحتفظ الجسم بأعضاء تتجاوز حاجته الفعلية للبقاء، يضم الدماغ خلايا عصبية إضافية تتيح له الاستمرار في أداء وظائفه حتى بعد تعرضه للضرر (كالسكتات الدماغية أو إصابات الرأس).

ولكن حين يتسلل المرض ببطء ويدمر الوحدات العصبية تباعًا، تُخفي آليات التعويض الدماغي آثار التدهور إلى أن يبلغ المرض مرحلة متقدمة يُصبح عندها الضرر غير قابل للعلاج.

تُطرح حلول عدة لتجاوز هذه الإشكالية، أبرزها اعتماد مصطلح (الضعف الإدراكي المعتدل) للإشارة إلى فئة من الأفراد الذين تطرأ على قدراتهم العقلية تغيرات ملحوظة مع احتفاظهم باستقلاليتهم اليومية.

ومن بين هؤلاء، ينتمي بعض الأشخاص إلى الفئة التي تمثل تغيراتهم الإدراكية المرحلة الأولى لمرض ألزهايمر، فيما يعكس آخرون محض تغيرات طبيعية مرتبطة بالشيخوخة، وقد يُسجل بعضهم تحسنًا في الأداء مع مرور الوقت.

علامات المرض في الدماغ

تُعد القدرة على تحديد الأفراد المعرضين لتطور الخرف باختبار بسيط وموثوق -وحبذا غير مكلف- خطوة محورية نحو تدشين عصر جديد لاكتشاف علاجات ناجعة. لكن المؤشرات الحيوية المتوفرة حاليًا تبقى معقدة ومكلفة ومحدودة الدقة.

فمع إن تصوير الأميلويد وتحليل السائل الدماغي الشوكي يكشفان أكثر من 90% من حالات ألزهايمر، فقد تسجَّل نتائج إيجابية لدى نحو 50% من غير المصابين.

وتُطرح الوقاية كاستراتيجية بديلة لتخفيف العبء الناجم عن ألزهايمر بتحديد عوامل الخطر والحد منها. فإلى جانب الاستعدادات الوراثية، تسهم عوامل بيئية مهمة -كإصابات الرأس ومستوى التعليم- في نشوء المرض، ما يوحي بأن تحسين التشريعات المتعلقة بسلامة الدراجات أو تعزيز جودة التعليم قد يعود بفوائد صحية ومجتمعية بعيدة المدى.

تكشف الدراسات أيضًا عن ارتباط بين ارتفاع مستويات الحمض الأميني هوموسيستين وزيادة خطر الإصابة بالخرف. إذ يُولد بعض الأفراد بتركيزات عالية من هذا الحمض، ما يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية وإلى سكتات دماغية ونوبات قلبية في أعمار مبكرة. ومع التقدم في العمر، يرتفع مستوى الهوموسيستين تدريجيًا، وقد أظهرت الأبحاث أن المستويات المرتفعة تضاعف احتمالات الإصابة بالخرف.

تدعم الأدلة الحديثة هذه الفرضية، إذ يرتبط ارتفاع الهوموسيستين بمعدلات أعلى لانكماش الدماغ وزيادة التشابكات الليفية العصبية، ما يعزز الصلة البيولوجية المحتملة بين هذا الحمض ومرض ألزهايمر.

علاج الهوموسيستين

لا يُمتص الهوموسيستين عبر الغذاء، ما يعني أن تعديلات نمط الحياة وحدها لا تكفي للحد من مخاطره. لكن مستواه يعتمد أساسًا على توافر فيتامينات ب في الجسم، التي تُسهم في تحوله إلى مركبات غير ضارة.

يؤدي نقص مستويات فيتامين ب12 وحمض الفوليك إلى ارتفاع تركيز الهوموسيستين، فيما تُعيد المكملات الغذائية المنتظمة مستواه إلى الحدود الطبيعية.

وصفة بسيطة … آثار واعدة

هل يمكن لتناول فيتامينات ب الخفض من خطر الخرف لدى من يعانون من مستويات عالية من الهوموسيستين؟

شملت تجربة VITACOG السريرية أشخاصًا يعانون من ارتفاع الهوموسيستين، وكشفت أن أدمغة أولئك الذين تناولوا فيتامينات ب تقلصت بمعدل أبطأ مقارنة بنظرائهم الذين تلقوا علاجًا وهميًا، سيما في المناطق الدماغية المرتبطة ببدايات ألزهايمر.

تتيح هذه النتائج الفرصة لوجوب إجراء تجربة وطنية واسعة النطاق لاختبار مدى إمكانية ترجمة هذه النتائج إلى إبطاء ملموس للتدهور المعرفي. إذ توفرت الحجج العلمية والاقتصادية الداعمة لإجراء التجربة، وساعدت شبكة وطنية من خبراء الخرف في إعدادها.

ولكن برز معوق غير متوقع، إذ أظهر تحليل تلوي حديث للبيانات المستخلصة من تجارب تناول الفيتامينات ب عبر طيف واسع من الحالات (عامة السكان ومرضى ألزهايمر) عدم وجود فائدة ملحوظة في الوقاية من التدهور المعرفي أو الخرف.

دفعت هذه النتيجة بعض المراجعين الرسميين إلى الاستنتاج أن لا جدوى من تمويل تجارب إضافية. لكن التقييم الأوسع لم يكن مصممًا لقياس تأثير خفض الهوموسيستين بالتحديد، ولم يأخذ في الحسبان اختلاف الجرعات ومدى ارتفاع مستويات الحمض لدى المشاركين.

ففي تجربة VITACOG استفاد فقط الأفراد الذين كانت مستويات الهوموسيستين لديهم مرتفعة بالفعل، وهو ما يعزز الحاجة إلى مقاربة أكثر دقة واستهدافًا.

لذلك، يرى كثير من العلماء أن التخلي عن مواصلة البحث سيكون بمثابة تفويت لفرصة واعدة، وأن استهداف فئات محددة ترتفع لديها مستويات الهوموسيستين قد يمثل مفتاحًا فعالًا لتأخير معدلات الإصابة بالخرف أو تقليله.

اقرأ أيضًا:

هل يمكن لرذاذ أنفي مبتكر أن يؤخر مرض ألزهايمر مدة 10 سنوات أو أكثر؟

هل يمكن أن تساهم بعض بكتيريا الأمعاء في ظهور أعراض ألزهايمر؟

ترجمة: علاء الشحت

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر