كيف يقومُ البروتينُ بوظيفته؟ أخيرًا.. اكتشفَ العلماءُ الرابط التطوري بين البروتين ووظيفتِه

تُعتبر البروتينات أكثر من مُجرد مَطلَب غذائي. فهذه المجموعة المتنوعة من الجزيئات تسيطر تقريبًا على جميع العمليات الخلوية في الكائن الحي. وقد يُدرك العلماء بُنية البروتين ووظيفته، ولكنهم لم يكونوا قادرين دائمًا على ربط الاثنين معًا.

تكمنُ المشكلة الكبرى التي يُواجهها علم الأحياء في إيجاد تفسير ما للطريقة التي يُؤدي من خلالها البروتين وظيفته. وبالنسبة لأستاذ المعلوماتية الحيوية في جامعة إلينوي غوستافو كايتانو أنوليس (Gustavo Caetano-Anollés)، فإنّه يُفسر ذلك قائلًا: «نعتقدُ أنّ الإجابة تكمنُ في طريقة تطور البروتين».

اكتشف الجيولوجيون بقايا مواد حيّة محفوظة في الصخور، ويُقدّر عُمرها بمليارات السنين. وفي بعض الحالات، كانت عملية حِفظ الميكروبات والأنسجة جيدة لدرجة أنّه أصبحَ مُمكناً الكشفُ عن البُنى الخلوية المجهرية التي ارتبطت سابقًا مع بروتينات مُعينة.

وقدّم هذا الاكتشاف الجيولوجي للعلماء رابطًا خفيًا يتعلق بالتاريخ التطوري للبُنى البروتينية على مدى فترات زمنية طويلة للغاية. ولكن حتى الآن، لم يكن من المُمكن دائمًا الربط بين هذه البُنى ووظيفتها بهدف معرفة سلوك البروتينات ضمن الخلايا عبر مليارات السنين مقارنة باليوم.

يُضيف الأستاذ غوستافو قائلًا: «لقد تمكّنا وللمرة الأولى أن نتتبع عمليةَ التطور وصولًا إلى مستوى الشبكة البيولوجية».

لقد قام كل من الأستاذ كايتانو أنوليس وطلاب الدراسات العليا فايز عزيز (Fayez Aziz) وكيلسي كايتانو أنوليس (Kelsey Caetano-Anollés) باستخدام الشبكات لإيجاد العلاقة بين بُنية البروتين ووظيفته الجُزيئية. حيث قاموا بإنشاء مخطط زمني لبُنى البروتين يشمل 3.8 مليار سنة من السّجل الجيولوجي. ولكنهم احتاجوا لوسيلة تُمكّنهم من الربط بين هذه البُنى ووظيفتها. وللقيام بذلك، بحثوا في التراكيب الجينيّة لمئات الكائنات الحيّة.

يُوضح كايتانو أنوليس قائلًا: «لقد تبيّن أنه يوجدُ قُصاصات (snippets) صغيرة في جيناتنا يتم حِفظها بشكل لا يصدق بمرورالزمن». ويُضيف: «إن هذا الأمر لا يحدث فقط في الجينوم البشري، فعندما ننظر للكائنات الراقية كالنباتات والفطور والحيوانات، بالإضافة إلى البكتيريا والبكتيريا القديمة والفيروسات فإننا دائمًا ما نجد مثل هذه القُصاصات، فنحن نراها بشكلٍ متكرر للغاية».

ووجد فريق البحث أنّ هذه القطع الجينيّة الصغيرة تحثّ البروتينات على إنتاج ما يُعرف بالحلقات (loops)، والتي تعدّ أصغر وحدة بُنيوية في البروتين. وعندما تجتمع هذه الحلقات جنبًا إلى جنب، فإنها تُشكل مواقعَ فعالة أو ما يُدعى بالجيوب الجُزيئيّة والتي تمنح البروتينات وظيفتها. فعلى سبيل المثال: فإن بروتين الهيموغلوبين (hemoglobin) -المسؤولُ عن حمل الأكسجين في الدم- يمتلك حلقتين تُشكلان الموقعَ الفعال الذي يربط الأكسجين. ويُمكن أن تندمج هذه الحلقات لتشكيل بُنى بروتينيّة أكبر تُعرف بالمجالات (domains).

وبشكل لافت للنظر، تُظهر الدراسة الجديدة أنّ الحلقات تم توظيفُها مرارًا وتكرارًا لأداءِ وظائفَ جديدٍة، وأنّ هذه العملية كانت نشطة ومُستمرّة منذ بداية الحياة.

ويشير إلى ذلك كايتانو أنوليس قائلًا: «يُعتبر هذا التوظيفُ أمرًا مهمًا لفهم التنوّع البيولوجي».

إنّ أحدَ الجوانب الهامّة في الدراسة يتعلقُ بالربط الفعليّ بين بُنية المجال والحلقات الوظيفيّة. حيث وجد الباحثون أنّ هذا الربط يتميزُ بخاصية غيرمتوقعة تظهر في الوقت المناسب وتُعرف باسم الوحدات الهرمية (hierarchical modularity).

يُشير كايتانو أنوليس موضحًا: «تُعتبر الحلقات وحدات متماسكة، وكذلك كل من المجالات والبروتينات والخلايا والأعضاء». ويُضيف: «جميعنا مُكوّنون من وحداٍت متماسكة، بما في ذلك أجسامنا البشريّة. ويمكن أن تُعرّف الوحداتُ الهرمية بأنها عملية تجميع أجزاء صغيرة متماسكة بهدف تشكيل بُنية أكبر وأكثر تعقيدًا».

وتوجد الوحدات الهرمية أيضًا في الشبكات التي يصنعُها الإنسان كالإنترنت. فعلى سبيل المثال، يُمثل كل راوتر (جهاز توجيه) “العقدة” التي تدفعُ المعلومات إلى أجهزة كمبيوتر مُختلفة. وعندما تتفاعل الملايين من أجهزة الكمبيوتر مع بعضها البعض على شبكة الانترنت، يؤدي ذلك إلى ظهور وحدات أكبر وأكثر تعقيدًا. ويقترحُ كايتانو أنوليس أنه يمكن تمثيل عملية تطور الشبكات الاصطناعية بالطريقة ذاتها التي تُمكّننا من تمثيل الشبكات الحيوية.

ويُفسر ذلك كايتانو أنوليس قائلًا: «من وجهة نظر علوم الحاسوب، فإنّ قلة من الناس حاولوا استكشاف كيفية تعقّب الشبكات بمرور الزمن. تخيل عملية استكشاف كيفية تغير الإنترنت عند إضافة أجهزة راوتر جديدة أو فصلها أو ربطها مع بعضها البعض. إنها مهمٌة شاقة لأنّ هناك الملايين من أجهزة الراوتر التي يجب تعقّبها، كما أنّ الاتصال عبر الإنترنت يمكن أن يكون ديناميكيًا للغاية. ونحن نحاول أن نُبيّن من خلال دراستنا كيفيةَ إنجاز ذلك ضمن الشبكات الصغيرة جدًا».

إنّ الأساليب التي طورها كايتانو أنوليس وفريقه تمتلك القدرة على تفسير قدرة التغييرعلى هيكلة العديد من الأنظمة المتنوعة، كالانترنت والشبكات الاجتماعية وصولًا إلى مجموع البروتينات في الكائن الحيّ.


إعداد: زينب النيال
تدقيق: دانه أبو فرحة
المصدر