انظر إلى السماء ليلًا وسترى نجومًا عديدة تابعة لمئات المليارات من المجرات، بعض هذه المجرات تدور حول أقراص زرقاء مثل مجرتنا درب تبانة، وبعضها مثل الكرات الحمراء أو بهيئة مشوهة أو تكتلات فوضوية أو غير ذلك، فلماذا تختلف المجرات في تكوينها؟ اتضح أن شكل المجرة يخبرنا القليل عن الأحداث التي وقعت في عمر المجرة الطويل جدًّا.

تصور فني لقرص وولف، الذي يُعد مجرةً قرصيةً ضخمةً في الكون المبكر

تصور فني لقرص وولف، الذي يُعد مجرةً قرصيةً ضخمةً في الكون المبكر

تُصنَّف أشكال المجرات أساسًا إلى نوعين، القرصي والبيضوي (الإهليجي). يقول كاميرون هاملز عالم الفيزياء الفلكية النظرية في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا: المجرة القرصية، أو الحلزونية، تشبه البيضة المقلية، إذ تمتلك المجرة مركزًا كرويًا مثل صفار البيض، يحيط به قرص من الغاز والنجوم مثل بياض البيض. تُصنف مجرة درب التبانة ومجرة أندروميدا -المجرة الأقرب إلينا- ضمن هذه الفئة.

نظريًا، تتشكل المجرات القرصية في البداية من سحب الهيدروجين، فتجمع الجاذبية جزيئات الغاز معًا، ثم تبدأ السحابة بالدوران وتزداد كتلتها الكلية مع تقارُب ذرات الهيدروجين، فتقوى جاذبيتها حتى تسبب انهيار الغاز في قرص دائري يستقر معظم الغاز على حوافه ليغذي النجوم الجديدة المتشكلة. أكد إدوين هابل منذ قرن وجود مجرات أخرى إضافةً إلى مجرتنا، وعرَّف المجرات القرصية بالمجرات المتأخرة، إذ يوحي شكلها بأنها تشكلت في وقت متأخر من تاريخ الكون، وفقًا لوكالة ناسا.

أما المجرات الإهليجية -التي سماها هابل المجرات المبكرة- فهي الأقدم، إذ لا تدور مثل المجرات القرصية، وتكون حركة النجوم فيها عشوائيةً أكثر. يرجح روبرت باسيت عالم الفيزياء الفلكية الرصدية -الذي يدرس تطور المجرات في جامعة سوينبرن في ملبورن في أستراليا- أن تكون المجرات الإهليجية نتاج اندماج المجرات، إذ يقول: «عندما تندمج مجرتان لهما الكتلة نفسها، تبدأ نجومهما بالتجاذب بفعل الجاذبية، ما يعطل دوران النجوم ويخلق مدارات أكثر عشوائية».

لكن لا ينتج عن كل اندماج مجري مجرةً إهليجية، فمجرة درب التبانة قديمة وكبيرة جدًّا، ومع ذلك تحافظ على شكلها القرصي، وقد ازدادت كتلتها بالاندماج مع المجرات القزمة -الأصغر كثيرًا من مجرتنا- وبجمع الغازات الحرة من الكون أيضًا. قال باسيت أن مجرة أندروميدا الشقيقة قرصية الشكل تتجه نحو مجرة درب التبانة مباشرةً. قد تندمج المجرتان الحلزونيتان بعد مليارات السنين من الآن، وسيؤثر كل من القرصين المجريين في دوران الآخر، ما يخلق مجرةً إهليجيةً أكثر عشوائية.

هذه الاندماجات المجرية ليست فورية، فهي تستغرق مئات الملايين بل مليارات السنين. في الواقع، تحدث عمليات الاندماج باستمرار ببطء شديد حاليًا، وتبدو ثابتةً لنا فلا نستطيع رصدها. يقول باسيت: «ظلت المجرات على مدار الحضارات البشرية محتفظةً بشكلها الحالي»، صنف هابل هذه المجرات في تصنيف خاص يُسمى المجرات غير المنتظمة. قال هاملز: «بالنظر إلى المجرات، نجدها في حالة من الفوضى مع مكونات عديدة»، ويضيف باسيت: «تبدو المجرات غير المنتظمة كأنها حطام قطار كبير».

تُسمى هذه المجرة Mrk 820، وتصنف بأنها مجرة عدسية. يحيط بها عدد كبير من أنواع المجرات الأخرى مثل المجرات البيضوية والحلزونية

تُسمى هذه المجرة Mrk 820، وتصنف بأنها مجرة عدسية. يحيط بها عدد كبير من أنواع المجرات الأخرى مثل المجرات البيضوية والحلزونية

ثمة نوع نادر هو المجرات العدسية، التي تُعد مزيجًا بين المجرة الإهليجية والقرصية. وفقًا لباسيت، قد تستهلك مجرة قرصية كل غازها فلا تستطيع تكوين نجوم جديدة، عندها تبدأ النجوم داخلها بالتفاعل، وبتأثير شدة جاذبيتها ينشأ شكل يشبه العدسة، قرص دوار لكن إهليجي قليلًا.

يقول باسيت: «استنتج العلماء كل ما اكتشفوه حتى الآن عن المجرات وأشكالها ثلاثية الأبعاد باستخدام ألوف الصور ثنائية الأبعاد، مع الاعتماد على خصائص أخرى مثل لون المجرة وحركتها». فمثلًا تتميز المجرات القرصية ذات العمر الأقصر بلونها الأزرق، إذ تكون النجوم الزرقاء كبيرةً عامةً، فتحترق أسرع وتمتلك درجة حرارة عاليةً جدًّا (يتميز اللون الأزرق بتردد عال فيكون أنشط من الضوء الأحمر). أما المجرات الإهليجية فتعج بالنجوم القديمة التي تُسمى الأقزام الحمراء، وتتميز بعدم احتراقها بالسرعة أو الحرارة نفسها.

يقول هاملز: «مع كل ما تعلمناه عن هذه الهياكل السماوية الضخمة، فما زلنا نجهل الكثير».

اقرأ أيضًا:

تيار واسع من النجوم المتدفقة دليل على التاريخ العنيف لمجرة درب التبانة

اكتشاف مجرة عملاقة أضاءت الكون مباشرةً بعد الانفجار العظيم

ترجمة: صابر مخلوف

تدقيق: راما الهريسي

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر