عندما تخرج وتنظر إلى السماء في ليلة صافية، فلا شيء سيبدو ساكنًا وهادئًا أكثر من ذلك. لكن العديد من تلك النجوم التي تبدو مسالمة هي دليل على تاريخ مضطرب، والآن لنكشف عن أسرارها. باستخدام بيانات من تلسكوب غايا لمسح خريطة مجرة درب التبانة ، اكتشف علماء الفلك تدفقًا كبيرًا لنجوم يُعتقد أنها بقايا مجرة قزمة جُرّت إلى القرص المجري قبل أن يتمزق. وأطلقوا عليها تيار نيكس، باسم إلهة الليل اليونانية.

وفقًا للشكل النموذجي لتطور المجرات، فإنها تنمو نتيجة لاندماجها وامتصاصها مجرات أصغر في عملية تراكمية. في الواقع يوجد الكثير من الأدلة على حدوث ذلك في مجرة درب التبانة، فقد حُدد عدد من التدفقات المتعلقة بالمجرات القزمة والعناقيد المجرية التي مزقتها قوى السحب المجرية.

يأتي القمر الصناعي غايا، الذي أُطلق عام 2013، ليبدأ بجمع البيانات منذ ذلك الحين ليُنتج أدق خريطة ثلاثية الأبعاد حتى الآن لمجرة درب التبانة. إنه يدرس بعناية حركة النجوم وسرعتها الشعاعية والمسافات فيما بينها ليتمكن من تحديد مكان كل شيء وكيف يتحرك.

تيار واسع من النجوم المتدفقة دليل على التاريخ العنيف لمجرة درب التبانة - البيانات المستقاة من تلسكوب غايا لمسح خريطة مجرة درب التبانة

تيار واسع من النجوم المتدفقة دليل على التاريخ العنيف لمجرة درب التبانة – البيانات المستقاة من تلسكوب غايا لمسح خريطة مجرة درب التبانة

يكشف ذلك تفاصيل غير مسبوقة لتفاعلات مجرة درب التبانة مع نجوم أخرى، مثل (2 Antlia)، ومجرة ساغيتاريوس الكروية القزمة، وبقايا المجرة القزمة (UM)، وتدفقات (Pisces-Eridanus) النجمية، التي يُعتقد أنها ما تبقى من العناقيد النجمية.

حُددت جميعها من طريق البحث عن الأشياء التي تتحرك وتُبنى بشكل مختلف عن بعضها في المجرة، لأنه من الصعب تحديد مجرة ممزقة ضمن مجرة أم. في المقابل قد تُتجاهل النجوم التي تتحرك مع دوران القرص المجري ولها تراكيب كيميائية متشابهة للنجوم التي تشكلت هنا.

بَنَت الفيزيائية النظرية لينا نسيب وزملاؤها باستخدام الإصدار الثاني من بيانات غايا فهرسًا يُشبه الشبكة العصبية للنجوم التي سُحبت إلى المجرة، وليس تلك التي وُلدت فيها.

شرح الباحثون في ورقتهم البحثية: «تأخذ هذه الشبكة مدخلات تتضمن 5 متغيرات لكل نجم: متغيران من الإحداثيات الزاوية، وحركتان لكل نجم، وزاوية تصوير مختلفة، ليكون المخرج مرتبطًا باحتمالية اندماج النجم».

وباستخراج النجوم الأكثر تأكيدًا أنها متلاحمة، وجد الفريق مجموعة مؤلفة من 232 نجمًا كانت تتحرك مع دوران المجرة وبتركيبات كيميائية متماثلة. ولم تكن هذه المجموعة مرتبطة بأي تدفق نجمي آخر.

بإجراء محاكاة لمدارات هذه النجوم قبل مليار سنة مضت، وجد الفريق أن مداراتها تتمتع بخصائص مختلفة عن النجوم الموجودة في القرصين المجريين السميك والرقيق لدرب التبانة.

تابع الباحثون: «إن اقتران هذه الملاحظة بحقيقة أن نيكس يتخلف بسرعته عن القرص المجري بنحو 90 كيلومترًا في الثانية، ولديه مكوّن سرعة شعاعي كبير، يؤكد أنه ناتج عن الاندماج».

يمكن إنشاء المجموعات النجمية التي تتحرك معًا بوسائل أخرى، مثل الرنين الناتج عن اضطرابات شريط المجرة أو موجات الكثافة المتولدة في الأذرع الحلزونية، لكن هذه الوسائل لا تتناسب مع نيكس، فلا يمكن أن تسبب تأخر سرعة نيكس دون أن تسبب تأثيرات أخرى لم تحددها البيانات.

يعتقد الفريق أن أفضل ما يناسب بياناتهم هي مجرة قزمة اندمجت في مرحلة ما مع مجرة درب التبانة، ثم تمددت عندما بدأت النجوم تدور حول مركز المجرة.

وعندما كرر الباحثون دراستهم بحذر أكبر، وجدوا مجموعة أخرى من النجوم تتطابق تقريبًا في المدار المجري والتركيبات الكيميائية مع تدفقات نيكس، لكن المجموعة الثانية تتميز بسرعة شعاعية معاكسة لمجموعة نيكس، ما يتوافق مع نموذج المجرة القزمة، فقد أظهرت المحاكاة أن المجموعة الثانية قد تكون حطامًا من مكان منفصل لنفس المجرة القزمة.

من المحتمل أن تدفقات نيكس تحتوي نجومًا لم تُحدد في الدراسة، لأنها تقع خارج المتغيرات التي تتغذى ضمن الشبكة العصبونية. لكن قد تساعد الأبحاث المستقبلية على تسليط الضوء على هذا الحدث، متى حدث؟ وكيف حدث؟ وما مدى ضخامة تلك المجرة القزمة؟

ولما كان توجد أدلة على ارتباط مجموعات النجوم المتراكمة بكتل من المادة المظلمة التي يُعتقد أنها تلاشت مع النجوم، فقد تساعدنا تدفقات نيكس على معرفة كيفية مساهمة هذه التلاحمات في بناء قرص المادة المظلمة في المجرة.

كتب الباحثون: «إذا كان تدفق نيكس بالفعل ناتجًا عن مثل هذا الاندماج، فسيقدم لنا دليلًا على النجوم المتراكمة، وربما كان مكونًا مرافقًا للمادة المظلمة في التدفق أو القرص. فوجود مثل هذا المكون مادةً مظلمة، سيُغيِّر معرفتنا الحالية بتوزيع الفضاء الطوري للمادة المظلمة جوهريًا، وله انعكاسات مهمة على عمليات البحث الأرضية عن جسيمات المادة المظلمة».

اقرأ أيضًا:

ربما يبلغ عدد الكواكب الشبيهة بالأرض في مجرة درب التبانة 6 مليارات كوكب

اكتشاف نوع جديد من النجوم النابضة؛ نجوم تنبض من جهة واحدة فقط

كيف تشكلت النجوم ؟

ترجمة: فارس بلول

مراجعة: أكرم محيي الدين

المصدر