إذا كنت أطول من أجداد أجدادك -وربما تكون كذلك- فأنت لديك جهاز استشعار في عقلك عليك أن تشكره. هذا وفقًا لورقة بحثية جديدة نُشرت في مجلة Nature، كشفت أخيرًا الآلية الدقيقة وراء زيادة طول البشر عمومًا خلال القرن الماضي.

إذا استخدمنا آلة زمن لنعود 100 عام في الماضي، فقد تكون مميزًا عن الآخرين في ذلك الزمن، ليس بسبب القناع الواقي أو التباعد الاجتماعي، فذلك كان منتشرًا أصلًا في فترة الأنفلونزا الاسبانية، لكن لأنّك غالبًا ستكون طويل القامة مقارنةً بالأشخاص من حولك .إذا كنت في الولايات المتحدة، فمن المحتمل أن تكون أطول بنحو 10 سنتيمترات. في أوروبا، سيجد المسافرون عبر الزمن أنفسهم اليوم بطول 15 سم أكثر من أسلافهم.

قد لا يفاجئك ذلك تمامًا. فقد نشأ الناس في الماضي وهم يعانون سوء التغذية ومن قوانين عمالة الأطفال الصعبة، قبل أن نصل إلى معدلات التدخين الحالية ومستويات الشعور بالضيق العام، لذلك لا عجب أنهم لم يصلوا إلى أقصى إمكانياتهم من حيث الطول. قد لا تفاجئك معرفة أن الناس قبل قرن من الزمان لم يبلغوا جنسيًا إلا بعد تجاوز سن المراهقة اليوم، لنفس الأسباب تقريبًا: سوء التغذية، وعدم القدرة على الوصول إلى الطعام بأمان، والضغوط الحياتية الأخرى. هذا إضافةً إلى انتشار استهلاك الكحول بإفراط.

ربما كان هذا صحيحًا، لكنه لا يفسر المشكلة تمامًا. بالتأكيد، وجود وصول آمن وجيد إلى الطعام المُغذي والوفير يجعل السكان أطول، لكن لماذا؟

المفتاح هو مُستقبِل يُسمى (MC3R) يُعبر عنه في منطقة ما تحت المهاد، جزء الدماغ الذي ينظم الهرمونات والعمليات الجسدية للحفاظ على سير كل شيء بشكل جيد.

يقول السير ستيفن أورايلي، كبير مؤلفي الدراسة: هذا المستقبِل يُخبر الجسد أنّنا على ما يرام، لدينا الكثير من الطعام لذا ننمو بسرعة، وسنبلغ قريبًا وننجب الكثير من الأطفال. إنه ليس السحر، بل كأن لدينا شبكة كاملة تُخطط لكل شيء.

كيف اكتشف الباحثون ذلك؟ كما هو الحال مع عدد غير قليل من الاكتشافات في السنوات الأخيرة، كان ذلك بفضل قاعدة البيانات الضخمة التي تُسمى البنك الحيوي في المملكة المتحدة. لقد جمعوا معلومات وراثية وصحية من أكثر من نصف مليون متطوع. مسح الفريق البيانات بحثًا عن الأشخاص الذين يعانون طفرات من شأنها أن تتداخل مع الأداء السليم لـ(MC3R)، لمعرفة التأثيرات التي قد يتعرضون لها. الشيء المشترك بين عدة آلاف من الأشخاص أنهم كانوا أقصر في المتوسط، ودخلوا سن البلوغ في وقت متأخر مقارنةً بعامة السكان.

قال المؤلف المشارك في الدراسة البروفيسور جون بيري: هذا وقت مثير للغاية لعلم الوراثة البشرية. بواسطة تحليل التسلسل الجيني لعدد كبير من المشاركين في البحث، يُمكننا الآن فهم العمليات البيولوجية الأساسية التي ظلت بعيدة المنال حتى الآن.

شخص سيئ الحظ، أظهرت البيانات أنه ليس لديه نسخة واحدة بل نسختان من طفرة ضارة في جين (MC3R) الخاص به. النتيجة أنه لم يدخل سن البلوغ حتى تجاوز العشرين من العمر. وحتى عندما بلغ أقصى طول له، كان لا يزال قصير القامة بشكل ملحوظ.

أوضح أورايلي: بوسع الدماغ أن يشعر بالعناصر الغذائية، ويفسر ذلك لاتخاذ قرارات لا واعية تؤثر في نمونا وتطورنا الجنسي. تحديد المسار في الدماغ حيث تترجم التغذية إلى نمو وبلوغ يُفسر ظاهرة عالمية تتمثل في زيادة الطول وتقليل سن البلوغ التي حيرت العلماء طويلًا.

أوضح المؤلفون أن لهذا الاكتشاف فوائد فورية للصحة العامة، خاصةً للأطفال الذين يعانون تأخر النمو. لكن الآثار لا تقتصر فقط على نمو الطفل، بل تُقدم النتائج أيضًا علاجًا محتملًا للأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة.

قال أورايلي: ترتبط العديد من الأمراض المزمنة بفقدان كتلة الجسم، متضمنةً العضلات، ما يسبب ضعفًا. يؤثر نشاط مسار (MC3R) في مقدار الكتلة الخالية من الدهون التي يحملها الشخص. إن الأبحاث المستقبلية يجب أن تبحث قدرة الأدوية التي تنشط (MC3R) انتقائيًا على إعادة توجيه السعرات الحرارية إلى العضلات والأنسجة الخالية من الدهون، مع احتمال تحسين الوظيفة البدنية للمرضى.

اقرأ أيضًا:

الذكاء الاصطناعي يرصد سلفًا متخفيًا في الجينوم البشري

مفاجأة! خلايا الدم الحمراء تؤدي دورًا مهمًا في جهازنا المناعي

ترجمة: محمد حلاق

تدقيق: أحمد مهدلي

المصدر