يمثل بناء محطة الفضاء الدولية أكثر محاولة علمية وتكنولوجية معقدة للإنسان ما تزال مستمرةً في النمو والتوسع. لنتعرف معًا على هذا المشروع العظيم وماذا قدم للإنسان على كوكب الأرض.

محطة الفضاء الدولية (ISS) أضخم مشروع بناه الإنسان في الفضاء وتشاركت في بناءه عدة دول. أُنهي إنشاء بناءه الرئيسي بين عامي 1998 و2011، واستمرت المحطة بعدها بالتوسع والتطور لتشتمل تنفيذ مهمات وإجراء تجارب جديدة. لم يتوقف انشغال المحطة منذ الثاني من نوفمبر عام 2000.

محطة الفضاء الدولية ليست ملكًا لدولة واحدة، بل هي برنامج تعاوني بين أوروبا والولايات المتحدة وروسيا وكندا واليابان حسب توصيف وكالة الفضاء الأوروبية.

منذ أبريل 2021 زار 244 فردًا من 19 دولةً محطة الفضاء الدولية. كانت الولايات المتحدة وروسيا أكثر الدول المساهمة؛ إذ بلغ عدد الزوار القادمين من الولايات المتحدة 153 شخصًا، في حين أتى 50 شخصًا من روسيا. توزّع أوقات رواد الفضاء وأوقات البحث في محطة الفضاء الدولية على وكالات الفضاء المعنية حسب مساتهمة كل منها بالأموال والموارد التي تقدمها مثل النماذج وأجهزة التشغيل الآلية.

تساهم 15 دولةً في محطة الفضاء الدولية؛ ناسا -نيابة عن الولايات المتحدة- ورسكوزموس -عن روسيا- ووكالة الفضاء الأوروبية، وهم الشركاء الأكثر مساهمةً في المحطة. ومن المساهمين الآخرين وكالة استكشاف الفضاء اليابانية ووكالة الفضاء الكندية.

يخطط القائمون على المحطة الاستمرار في تشغيلها حتى نهاية عام 2024 على أقل تقدير، قد يحدث تمديد للمهلة حتى عام 2028. يبقى مستقبل المحطة بعد ذلك غير واضحًا؛ إذ قد تُنزل أو يُعاد تدويرها لبناء محطات فضاء مستقبلية في مدار الأرض.

تقدم مراكز التحكم في البعثات في هيوستن وموسكو ومركز التحكم في حمولة المحطة في هانتسفيل في آلا المساعدة للطاقم الموجود على متن المحطة. تقدم مراكز التحكم في البعثات في اليابان وكندا وأوروبا الدعم أيضًا. يمكن أيضًا التحكم بمحطة الفضاء الدولية من مركزي التحكم في هيوستن وموسكو.

تحلق محطة الفضاء الدولية على ارتفاع حوالي 248 ميل (400 كيلومتر) عن سطح الأرض وتدور دورةً كاملةً حول الكوكب كل 90 دقيقةً بسرعة تصل لنحو 17500 متر في الساعة (28000 كيلومتر في الساعة). في يوم واحد تقطع محطة الفضاء الدولية المسافة ذاتها تقريبًا التي تستغرقها في الانطلاق نحو القمر والعودة إلى كوكب الأرض.

تنافس محطة الفضاء الدولية كوكب الزهرة من حيث السطوع وتظهر في سماء الليل كضوء لامع متحرك. ويستطيع مراقبو السماء في الليل رؤيتها من الأرض دون استخدام التلسكوب إذا نظروا في المكان المناسب والوقت المناسب.

إليكم بضع أدوات تساعدكم في معرفة الوقت المناسب لرؤية محطة الفضاء الدولية، إضافةً إلى الطريقة المناسبة:

  • تطبيق وكالة ناسا: Spot the Station.
  • موقعا Heavens-Above و Ny2o.
  • المتعقب الخاص بوكالة الفضاء الأوروبية الذي يبث مباشرةً الوضع من هناك: live tracker.

ما الأعمال التي يفعلها رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية؟

يوجد عادةً طاقم دولي مكون من سبعة أفراد يعيشون ويعملون في المحطة. ولكن قد يختلف هذا الرقم عندما تجري عملية تبديل الطاقم؛ مثلًا في عام 2009 زار 13 شخصًا من الطاقم محطة الفضاء الدولية، وهذا رقم قياسي لأكبر عدد من الناس كانوا في الفضاء في الوقت ذاته.

عادةً ينطلق رواد الفضاء نحو محطة الفضاء الدولية باستخدام كبسولة سويوز الروسية، التي أُطلقت لأول مرة عام 1967 والتي تُعد سفينة الفضاء الوحيدة التي تحمل الناس إلى محطة الفضاء الدولية منذ أن وصل برنامج المكوكات الفضائي التابع إلى ناسا إلى نهاية خدمته عام 2011. لكن في الثالث من مارس عام 2020 أصبحت كبسولة سبيس دراغون التي صممتها شركة سبايس إكس أول سفينة فضاء تملكها جهة خاصة تنقل الناس إلى محطة الفضاء الدولية.

حالما يحط رواد الفضاء رحالهم في محطة الفضاء الدولية يمضون وقت البعثة -الذي يمتد إلى ستة أشهر تقريبًا- في إجراء تجارب علمية متنوعة وصيانة المحطة وإصلاحها. بعيدًا عن العمل يقضي رواد الفضاء ساعتين على الأقل في التمارين والاعتناء بأنفسهم ويسيرون أحيانًا في الفضاء ويجرون الفعاليات الإعلامية والمدرسية للتواصل والتوعية، وينشرون التحديثات على وسائل التواصل الاجتماعي. كان مايك ماسمينو أول رائد فضاء يغرد على تويتر أثناء ركوبه مكوكًا فضائيًا في مايو عام 2009.

تُعد محطة الفضاء الدولية منصةً للأبحاث طويلة المدى المتعلقة بصحة الإنسان، التي تعتبرها ناسا الخطوة الأساسية التي ستسمح للإنسان باستكشاف وجهات أخرى في النظام الشمسي كالقمر وكوكب المريخ.

يطرأ على أجسام البشر تغييرات في ظل الجاذبية الضعيفة تشمل تغيرًا في العضلات والعظام وجهاز القلب والأوعية الدموية والعيون؛ ولذلك تحاول الكثير من الدراسات التعرف على مدى حدِّية هذا التغيرات وقابلية عكسها.

يشارك رواد الفضاء في اختبار المنتجات كاختبار آلة تحضير القهوة والطابعات ثلاثية الأبعاد أو يجرون التجارب البيولوجية على القوارض والنباتات التي استطاعوا زراعتها وأكلها أحيانًا في الفضاء. وباعتباره المختبر الوحيد الموجود ضمن جاذبية ضعيفة سهلت محطة الفضاء الدولية على 3600 باحث إجراء أكثر من 2500 تجربة حتى الآن.

في عام 2019 أعلن المسؤولون التنفيذيون في وكالة ناسا أن محطة الفضاء الدولية ستفتح غرف الهواء المضغوط أمام الأعمال التجارية ورواد الفضاء الفرديين، ما سيمكن القطاع الخاص باختبار أجهزة تكنولوجية جديدة وتدريب رواد الفضاء في ظل الجاذبية الضعيفة. وتُعد شركة سبيس أكسيوم -التي تتخذ من هيوستن مقرًا لها- خططًا لبناء نماذج تجارية جديدة في محطة الفضاء للحث على نمو اقتصاد خارج كوكب الأرض وازدهاره.

لا تنحصر مهمة الطواقم في مجال العلوم فحسب، بل تشمل أعمال صيانة محطة الفضاء الدولية أيضًا؛ إذ يتطلب هذا الأمر أحيانًا إقدامهم على مغامرة المشي في الفضاء لإجراء الإصلاحات. ومن وقت لآخر تكون هذه الإصلاحات طارئةً وعاجلةً كالعطل الجزئي الذي طرأ على جهاز الأمونيا وتكرر عدة مرات.

طرأ تغيير على إجراءات المشي في الفضاء بأمان بعد الحادثة التي تعرض لها رائد الفضاء لوكا بارميتانو التي كادت أن تودي بحياته عام 2013؛ إذ امتلأت خوذته بالماء أثناء عمله خارج المحطة. تتجاوب ناسا الآن مع حوادث تسرب المياه بسرعة؛ فقد أضافت حشوات إلى بذلات الفضاء الغاية منها امتصاص السوائل وأضافت أيضًا أنبوبًا مهمته تأمين بديل آخر للتنفس في حال امتلاء الخوذة بالماء.

أنتجت ناسا عدة آلات لتقليل الحاجة إلى المشي في الفضاء نذكر منها الروبوت المشابه للبشر روبونوت 2. انضمت هذه الآلة الذكية لطاقم المحطة بدءًا من عام 2011، ومع ذلك أُعيدَت إلى كوكب الأرض لإجراء إصلاحات عليها بعد اكتشاف خلل فيها عام 2018. يوجد أيضًا على متن محطة الفضاء الدولية عدة أذرع آلية خارجية تعالج مشكلات الصيانة عن بعد، مثل المعالج الذكي المصمم لغايات محددة والمعروف أيضًا بديكستر والذراع الآلية كانادارم 2 التي يبلغ طولها 57.5 أقدام.

ما أجزاء محطة الفضاء الدولية؟

تبلغ مساحة المحطة الفضائية –من ضمنها مصفوفاتها الشمسية الكبيرة- مساحة ملعب كرة قدم أمريكي بما في ذلك أطراف الملعب وتبلغ كتلتها 9,253,350 رطلًا (419,725 كيلوغرامًا) دون وزن المركبات الزائرة. يحتوي المجمع الآن على غرف ملائمة للعيش أكثر من منزل تقليدي بست غرف نوم. ويحتوي على حمامين ومرافق صالة رياضية ونافذة كبيرة بزاوية 360 درجة. شبه رواد الفضاء أيضًا غرفة المعيشة في المحطة الفضائية بمقصورة طائرة بوينج 747 جامبو.

نُقِلَت محطة الفضاء الدولية إلى الفضاء قطعة إثر قطعة وبناها تدريجيًا في مدار الأرض رواد فضاء يسبحون في الفضاء وروبوتات. استخدمت معظم البعثات مكوك الفضاء التابع لناسا لحمل القطع الثقيلة رغم إطلاق بعض الوحدات الفردية لصواريخ معدَّة لاستخدام واحد فقط. تشمل محطة الفضاء الدولية وحدات تربطها نقاط تقاطع تحتوي على أماكن معيشة ومختبرات بالإضافة إلى دعامات خارجية توفر الدعم الهيكلي وألواح شمسية تؤمن الطاقة.

أُطلقَت الوحدة الإنشائية الأولى (روسيا زاريا) في 20 نوفمبر 1998 على صاروخ بروتون. بعد أسبوعين انطلقت رحلة مكوك الفضاء STS-88 وهي تحمل الوحدة الإنشائية NASA Unity/Node 1 module.

أجرى رواد الفضاء عمليات سير في الفضاء خلال الرحلة STS-88 لربط جزئي المحطة معًا، وفي وقت لاحق نُقلَت أجزاء أخرى من المحطة على الصواريخ أو في حجرة شحن المكوك الفضائي. تضمنت بعض الوحدات والمكونات الرئيسية الأخرى ما يلي:

  • الجمالونات وغرف الهواء المضغوط والألواح الشمسية (التي أُطلقَت على مراحل منذ بناء محطة الفضاء الدولية). ونُقلِت محولات الرسو في عام 2017 لمركبة فضائية تجارية جديدة.
  • Zvezda الروسية التي أُطلقت عام 2000.
  • وحدة مختبر ديستني التابع لناسا وأُطلقَت عام 2001.
  • الذراع الآلية كانادارم 2 التي أطلقَت عام 2001. وقد استُخدِمت فقط للسير في الفضاء وإجراء الإصلاحات التي يجري التحكم فيها عن بعد. وتُستخدَم حاليًا لتثبيت سفن الشحن الفضائية مع المحطة الفضائية، تلك المركبات الفضائية التي لا يمكنها استخدام الموانئ الأخرى.
  • نقطة الربط (العقدة) هارموني 2 التابعة لناسا التي انطلقت عام 2007.
  • مرفق كولومبوس المداري (الذي أطلقته وكالة الفضاء الأوروبية عام 2008).
  • الذراع الآلية ديكستر (أطلقتها وكالة الفضاء الكندية عام 2008).
  • وحدة التجربة اليابانية (كيبو) التي أطلقَت على مراحل بين 2008-2009.
  • نافذة كوبولا أو العقدة 3 أطلقت في 2010.
  • وحدة ليوناردو الدائمة متعددة الأغراض التابعة لوكالة الفضاء الأوربية التي أطلقتها الوكالة من أجل الإقامة الدائمة في عام 2011 على الرغم من أنها كانت تُستخدَم قبل ذلك لنقل البضائع من المحطة وإليها.
  • وحدة نشاط بيغلو القابلة للتوسيع (أطلقَت الوحدة الخاصة عام 2016).
  • غرفة معادلة ضغط الهواء نانو روكس بايشوب التي جرى إطلاقها عام 2020.
  • ناوكا وحدة مختبر متعددة الاستخدامات (أطلقَت عام 2021).

من يزور أيضًا محطة الفضاء الدولية؟

إلى جانب مكوك الفضاء وسويوز، تزور العديد من المركبات الفضائية الأخرى محطة الفضاء الدولية. تزور المركبات غير المأهولة (التابعة لروسيا) المحطة زيارات منتظمة. واعتادت مركبة النقل الآلية في أوروبا ومركبة النقل اليابانية H-II زيارة محطة الفضاء الدولية أيضًا حتى انسحاب برامجها.

بدأت ناسا في تطوير مركبة فضائية تجارية للشحن إلى المحطة الفضائية ضمن برنامج خدمات النقل المداري التجاري الذي استمر من عام 2006 إلى عام 2013. وبدءًا من عام 2012 زارت سبيس دراغون –أول مركبة فضائية تجارية- محطة الفضاء الدولية. وتستمر الزيارات اليوم مع مركبة الفضاء دراغون في إطار برنامج خدمات إعادة الإمداد التجاري التابع لناسا.

تحطيم أرقام قياسية في الفضاء

حققت محطة الفضاء الدولية العديد من الإنجازات البارزة على مر السنين ، بالنسبة للطاقم:

  • أكبر عدد من الأيام المتواصلة حققه أمريكي وبلغ 340 يومًا وحدث عندما انطلق سكوت كيلي في مهمة مدتها عام واحد إلى محطة الفضاء الدولية بين عامي 2015 و2016 جنبًا إلى جنب مع رائد الفضاء الروسي ميخائيل كورنينكو. أجرت وكالات الفضاء مجموعةً شاملةً من التجارب على رواد الفضاء شملت دراسةً على التوائم شارك فيها كيلي وتوأمه على الأرض رائد الفضاء السابق مارك.
  • أطول رحلة فضائية لامرأة وبلغت 328 يومًا قضتها رائدة الفضاء الأمريكية كريستينا كوخ بين عامي 2019 و2020 على متن المحطة الفضائية.
  • أطول مدة قضتها امرأة في الفضاء: مرةً أخرى قضت بيجي ويتسون 665 يومًا في الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية.
  • أكبر لقاء نسائي في الفضاء: حدث هذا اللقاء في أبريل 2010 عندما التقت عدة نساء من مهمتين فضائيتين في محطة الفضاء الدولية. وشمل ذلك التجمع تريسي كالدويل دايسون (التي وصلت على متن مركبة الفضاء سويوز في مهمة طويلة الأمد) ورائدتي الفضاء في ناسا ستيفاني ويلسون ودوروثي ميتكالف ليندنبرغر واليابانية ناوكو يامازاكي اللواتي وصلن على متن مكوك الفضاء ديسكفري في مهمتها القصيرة STS-131.
  • أكبر تجمع فضائي بلغ 13 شخصًا خلال مهمة المكوك STS- 127 التابعة لوكالة ناسا على متن المكوك إنديفور في عام 2009.
  • أطول مدة سير فردي في الفضاء بلغت 8 ساعات و56 دقيقةً خلال بعثة STS-102 التي هدفت لبناء محطة الفضاء الدولية في عام 2001. شارك في التحدي رائدا الفضاء في ناسا جيم فوس وسوزان هيلمز.
  • أطول مدة سير روسية في الفضاء بلغت 8 ساعات و13 دقيقةً مشاها الروسيان ألكسندر ميسوركين وأنتون شكابلروف أثناء البعثة رقم 54 من أجل إصلاح هوائي محطة الفضاء الدولية.

اقرأ أيضًا:

ما رائحة الفضاء؟

كيف يتواصل البشر على محطة الفضاء الدولية ؟

ترجمة: طارق العبد

تدقيق: سماح عبد اللطيف

مراجعة: آية فحماوي

المصدر