يعتقدُ العلماء أنَّ الأزواجَ مثليي الجنس قد يتمكنون يومًا ما من إنجاب أطفال متعلقين جينيًا بكلا الأبوين معًا.

يقول د.غاي رينغلر، وهو طبيب حاصل على شهادة البورد في كل من طب التوليد وطب النساء وعلم غدد الصم التناسلية والعقم: «لقد ساعدتُ العديد من الأزواج مثليي الجنس على مر السنوات على إنجاب أطفالهم الخاصّين بهم، من خلال إجراءات تناسلية مساعِدة، إذ يسمح التبرع بالبيوض وإعارة الأرحام لزوجين رجلين بالحصول على أطفال متعلقين جينيًا بأحد الأبوين فقط بالإضافة إلى المتبرعة بالبيوض، لكن ليس كلا الأبوين معًا، وينطبق الأمر نفسه على امرأتين شريكتين والمتبرِّع بالنطاف، وسئِلتُ عدّةَ مراتٍ من قِبل الكثير من الأزواج مثليي الجنس إنْ كانوا يستطيعون إنجاب أطفال يحملون “توليفة” من كلا الشريكين؟»

ويتابع: «فكّرت جديًّا بهذا السؤال من وجهتَي نظر علمية وطبية لفترة طويلة، وتستمر التطوّرات في البحث الجيني بجعلنا أقرَب لليوم الذي سيكون فيه الجواب على هذا السؤال هو “نعم”»

على مر التاريخ، تم إنجاب الأطفال من رجال ونساء معًا، لذلكَ اعتقد النشطاء المعادون للمثليين منذ عقود أنه ليس بإمكان رجلين أن ينجبوا طفلًا بيولوجيًا، وكذلك الأمر بالنسبة لامرأتين، ولكن على كل حال، ما زال العلم قيدَ التطوّر وقد يتمكن في النهاية من تغيير كل ذلك.

ويعمل البحث العلمي حاليًّا على تطوير تقنيات إلقاح حديثة، فتُظهر دراستان علميتان مستقلّتان من جامعتي جورج واشنطن وكامبردج تقنية جديدة تستخدم الخلايا الجذعية لإنتاج خلايا عِرسية (جنسية)، ما يعني إمكانية إنتاج بيوض من خلايا ذكرية، ونطاف من خلايا مؤنثة، وطُبّقت هذه الدراسة على خلايا ضمن الزجاج، ولم تطبق بعد على البشر.

فأثبتَ البحث العلمي على الخلايا الجذعية في جامعة كامبردج ومعهد ويزمان إمكانية تحويل خلايا الجلد البشرية والأرومات الليفية إلى خلايا جذعية جنينية يمكن برمجتها لتشكيل خلايا جنسية بدئية، والتي قد تتابع لتتحول إلى بيوض أو نطاف، وقد وجد الباحثون العلميون إمكانية تحول الخلايا الجنسية البدئية الفأرية إلى بيوض ونطاف قادرة على إعطاء أجنة فئران، وقد تطلّب ذلك تجارب عديدة، لكنّه أدى للحصول على معرفة هائلة، ومع إثبات القدرة على إلقاح تلك الخلايا الجنسية الناضجة بواسطة بيوض أو نطاف فئران أخرى من نفس الجنس، تَظهر نتيجة إمكانية مجيء اليوم الذي يتمكن فيه العلم التناسلي من إنتاج جنين من خلايا رجلين أو امرأتين.

كما قالت د.سونيا سوتر من جامعة جورج واشنطن: «إنّ الطريقة الوحيدة لإثبات فعالية هذه التقنيات وسلامتها تكمن باستخدام الخلايا الجنسية داخل الزجاج لمحاولة إنتاج أجنّة مرئية ضمن شروط مضبوطة، عندما -وإذا- اعتبرنا الأمر بالسلامة الكافية لإنجازه؛ وأخبر د. جورج ندكويه، المدير الطبي لعيادة الخصوبة الأولى في لندن “زيتا ويست”، لهافينغتون بوست: «توجد استخدامات محتملة لهذه التقنيات، والتي قد تكون مفيدة برأيي، فبالنسبة لرجل لا يملك أية نطاف، أو امرأة لا تنتج بيوضًا، إذا استطعت استخدام أي من خلاياهما لإنتاج نطاف أو بيوض، فقد أمنت لهم وسيلة علاج، وقد تمتلك هذه التقنية منافع إذا استخدمت للمعالجة بهذه الطريقة خصّيصًا»

بالمقابل، بحث كالوم ماك-كيلار، محاضِر في الأخلاقيّات البيولوجية والكيمياء الحيوية في جامعة إدنبرة في سكوتلندا، عن إمكانية إنجاب ذكرين لطفل خاص بهما يومًا ما، باستعارة تقنيات استخدمت لاستنساخ النعجة “دوللي”، فستستخدم هذه التقنية -التي يتفق العلماء على كونها بعيدة في المستقبل- بيضة امرأة، وستزال المادة الجينية ضمنها وتستبدل بالحمض النووي لأحد الذكرين، ومن ثم سيتم إلقاح البيضة “المذكّرة” تلك بنطفة من الذكر الآخر، وتقوم امرأة أخرى بحمل الطفل داخل رحمها حتى أوان الولادة.

ويعترف ماك-كيلار أن الفكرة ستأخذ “عدة سنوات” على الأقل قبل أن تصبح ممكنة، ولكنه أضاف أن العلماء قد جربوا هذه التقنية على الفئران وعملوا على تطويرها، ولكن يناقش باحثون آخرون في المجال نفسه أن التقنية أبعد منالًا من عدة سنوات فقط، كما أشار ماكسويل ميلمان، وهو بروفيسور في الأخلاقيات الطبية البيولوجية في كلية الطب التابعة لجامعة كيس ويسترن ريزيرف، قيام صانعي “دوللي” بالكثير من المحاولات حتى تطور أحد الأجنة المصنوعة فقط إلى نعجة سليمة، بالإضافة إلى العديد من التساؤلات المثارة حول صحة “دوللي” بينما تتقدم بالعمر، وقال: «قد يدور جدال شديد على أنّ خطرَ الفشل، أو أسوأ من ذلك؛ إنتاج أجنة أو ولدان “متوحشة” قصيرة العمر، أكبر بكثير من تبرير إجراء التجارب البشرية في المستقبل القريب»

كما يشير ريتشارد بولسون، رئيس قسم علم الغدد الصم التناسلية والعقم في جامعة جنوب كاليفورنيا، إلى مشكلة محتملة، وهي أنه إذا استخدمت صبغيات (Chromosomes) نطفة رجل لتشكيل بيضة “مذكرة”، فإنها قد تتعارض مع النطفة الملقِّحة التابعة للرجل الآخر، لأن كلتا النطفتين قد تحتويان على ما يسمى الجسيم المركزي؛ وهو عضيّ يتواجد فقط في النطفة المذكرة ويوجّه الانقسام الجنيني، ويضيف بولسون: «كطريقة أذكى يمكن أخذ خلية جسمية عادية، بدل النطفة، من أحد الرجلين وتلقيحها بنطفة الآخر».

بالإضافة إلى أن الإجراءات المشروحة قد تؤدي إلى أمراض وراثية، فيقول شيرمان سيلبر، مدير مركز العقم التابع لجامعة سانت لويس، أن العلماء يعملون على اقتفاء عدد من المتلازمات الجينية المتعلقة بظاهرة تسمى “التعلّم بالطبع”، والتي تحدث عندما يرث الطفل مادته الجينية من صبغيات معينة تابعة لأحد الأبوين فقط، ويشرَح أنّ الاستنساخ يمكن أن يتجنب السيناريو السابق، باعتبار أنه يحث خلية بالغة، أي مكتملة بجينات من كلا الأبوين، على التطور إلى جنين.

وبالطبع تَطرح الاقتراحات السابقة العديد من القضايا الأخلاقية، بما يتضمن أخلاقية العبث بالتوالد البشري والمادة الجينية البشرية، والتي طرحت نفسها في البدء عندما قام الاستنساخ بظهوره الأول بالنعجة “دوللي” عام 1996، وبالتالي قد تستدعي هذه الإجراءات مجموعة جديدة من المشاكل الاجتماعية التي قد تشمل المثليين.

وعلى الرغم من صدور دراسات تدعم قدرة المثليين على تربية أطفال خاصّين بهم، كدراسة في عام 1994 نُشرت في دورية الإنجاب البشري وجدت أن أطفالًا مولودين لأمهات عازبات أو مثليات لم يتأذوا بنتشئتهم اللانمطية، إلا أن العديد من الناس ما زالوا يشككون بذلك، ويعتبرون الدراسات الداعمة لإنجاب المثليين معيبة.

وأخيراً، يعتقد العديد أنه من المهم حلّ النقاشات حول التقنيات الإنجابية والأبوّة المثلية بشكل منفصل.