يصيب الفيروس المسبب لكوفيد-19 الخلايا عادةً عبر الارتباط مع مستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2، ولكن مع ذلك بعد فحص أدمغة أشخاص متوفين كانوا مصابين بكوفيد-19، وجد الباحثون أجزاءً من الفيروس داخل الخلايا العصبية وخلايا الحاجز الدموي الدماغي التي تفتقر إلى ذلك البروتين المستقبل.

تساءل العلماء بعد هذا الاكتشاف عن كيفية وصول الفيروس إلى هذه الأنسجة غير المواتية له، وتشير دراسة حديثة نُشرت في 20 يوليو الماضي إلى أنه قد ينتقل الفيروس إلى الدماغ عبر أنابيب دقيقة تمتد من الخلايا المستضيفة المصابة.

يقول عالم الفيروسات فايبهاف تيواري من جامعة ميدويستيرن، الذي لم يشارك في البحث: «إن هذه الدراسة مشوقة فعلًا، فقد توصل الباحثون إلى أن الفيروس قد ينتقل على الأرجح عبر الأنابيب النفقية الدقيقة».

تعد الأنابيب النفقية الدقيقة تراكيب دقيقةً شعريةً تنمو من سطح جسم الخلية، وتمتد إلى الخلايا المجاورة عبر اختراق الأغشية الخلوية. تتكون الأنابيب النانوية من بروتين الأكتين، وهي تُنتَج عندما تتعرض الخلايا إلى الإجهاد، الذي قد ينجم بدوره عن انخفاض مستوى الأكسجين أو الإصابة بعدوى. بإمكان الخلايا المتصلة بأنابيب نانوية تبادل الحمض النووي الريبوزي والمغذيات والعضيات إضافةً إلى الفيروسات.

وجدت عالمة الأحياء الخلوية كيارا زورزولو من معهد باستورفي دراسة سابقة، أن بعض الفيروسات قادرة على استغلال الأنابيب النانوية للانتقال من خلية إلى أخرى، ولأن الفيروس المسبب لكوفيد-19 قادر على إصابة نطاق متنوع وواسع من الخلايا، توقعت كيارا أنه قد ينتقل بالآلية ذاتها.

تقول زورزولو: «إن هذا الفيروس عدائي جدًا، فهو يصيب معظم أنواع الخلايا ويتفشى في الدماغ على نحو سريع جدًا، لذا نظن أن آلية الأنابيب النانوية هي الطريقة المحتملة لانتقاله».

استنبت الباحثون لاختبار هذه الفرضية خلايا من سلالة Vero E6، التي تُعد نموذجًا للخلايا الطلائية الجلدية، واستنبت فريق الدراسة أيضًا في تجربة منفصلة خلايا من سلالة SH-SY5Y. تمثل هذه الخلايا نموذجًا للخلايا العصبية البشرية وتفتقر إلى مستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2، ومثلما توقعنا، تمكن فيروس كوفيد-19 من إصابة الخلايا الطلائية، ولكنه عجز عن إصابة الخلايا العصبية.

رصد الباحثون بعد استنبات الخلايا الطلائية المصابة بالفيروس إلى جانب الخلايا العصبية، بروتينات الفيروس داخل الخلايا العصبية بعد مرور يوم واحد فقط. علاوةً على ذلك، وجد الباحثون أن الفيروس تمكن من الانتقال من الخلايا الطلائية المصابة إلى السليمة حتى بعد إعاقة مستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2.

استعان الباحثون بتقنية معتمدة على المجهر البؤري الفلوري والمجهر الإلكتروني فائق البرودة، وتتضمن التقنية تجميد العينات وقذفها بالإلكترونات، ما يتيح التقاط صور ثلاثية الأبعاد للجزيئات الدقيقة.

تمكن العلماء في هذه الحالة من رصد أنابيب نانوية نفقية ممتدة بين الخلايا، وتحتوي على بروتينات الفيروس وحمضه النووي الريبوزي. تضمنت الأنابيب النانوية النفقية أيضًا حويصلات محاطةً بطبقة مزدوجة من الغشاء، وهي تراكيب تنتج الحمض النووي الريبوزي الفيروسي.

يرى الباحثون أن هذه النتائج تحمل أدلة قوية على أن الأنابيب النانوية النفقية كانت تمثل قنوات لانتقال الفيروس، ما أتاح له تجاوز الحاجز الدموي الدماغي والوصول إلى الدماغ.

يوافق تيواري على أن هذه الدراسة بينت آلية محتملة لإصابة الخلايا العصبية بفيروس كوفيد-19، ولكنه يشير إلى أن باحثي الدراسة لم يقدموا أدلة على إمكانية انتقال العدوى من الخلايا الطلائية التي تحتوي على مستقبل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين 2 إلى الخلايا الطلائية التي تشكل الحاجز الدموي الدماغي، وأنهم لم يثبتوا قدرة خلايا الحاجز الدموي الدماغي على إنتاج الأنابيب النانوية النفقية ونقل الفيروس إلى الخلايا العصبية.

قال تيواري: «هل تستطيع خلايا الحاجز الدموي الدماغي إنتاج هذه الأنابيب؟ لم يجب باحثو الدراسة عن هذا السؤال».

في هذا الصدد، يقول عالم الأعصاب أفيندرا ناث من معاهد الصحة الوطنية الأمريكية، الذي لم يشارك في الدراسة: «في حين أن العديد من الخلايا تنتج الأنابيب النانوية النفقية في زرعات المختبر، إلا أن ذلك قد لا يحدث في داخل الجسم الحي».

تضيف عالمة الكيمياء الحيوية مالجورزاتا كلوك من معهد هيوستن ميثوديست للبحوث الطبية، التي لم تشارك في الدراسة: «نحتاج إلى المزيد من الأبحاث قبل الجزم بأن هذه الآلية مسؤولة فعلًا عن انتقال فيروس كوفيد-19 إلى الدماغ البشري أو الحيواني، بيد أن هذا ليس أمرًا سهلًا، إذ إن الأنابيب النانوية النفقية تراكيب قصيرة الأجل وقد يصعب رصدها في أثناء عملها».

تتطلب دراسة الأنابيب النانوية النفقية البشرية استخراج نسيج عالي الجودة من أشخاص متوفين، ما يجعل إيجاده صعبًا، ويجب أيضًا تصوير عينات النسيج بدقة عالية جدًا، وبما أن الأنابيب النانوية النفقية تتكون من بروتين الأكتين فقط، فإن عدد المؤشرات الحيوية المختصة بهذه التراكيب قليل جدًا، ما يُصعب دراستها وتمييزها من النتوءات الخلوية الأخرى التي تتكون من الأكتين.

لم يتمكن العلماء نتيجةً لذلك من توثيق انتقال العدوى الفيروسية عبر الأنابيب النانوية النفقية داخل الجسم الحي، ويقول تيواري إن الدراسات الوحيدة التي تضمنت الأنابيب النانوية داخل الجسم الحي أُجريت على العيون وليس الدماغ.

أشارت ناث أيضًا إلى أن دخول الفيروس إلى الدماغ قد لا يمثل جانبًا مهمًا من مرض كوفيد-19، ومع أنه رصد الفيروس في أنسجة الدماغ، فقد لا يكون مسؤولًا عن الأعراض العصبية المصاحبة للمرض، لأن كميات الفيروس التي رُصدت في أدمغة الأشخاص الذين عانوا أعراضًا عصبية ليست كبيرة، بخلاف كميتها في الأنسجة الرئوية. يقول ناث: «إن كمية الفيروس الصغيرة في الدماغ لا تفسر تسببه بالأعراض العصبية من مرض كوفيد-19».

خمن باحثو الدراسة أنه في حال كان فيروس مرض كوفيد-19 ينتقل إلى الدماغ أو الأنسجة الأخرى عبر الأنابيب النانوية فعلًا، فإن منع إنتاج هذه الأنابيب قد يمثل إحدى طرائق إيقاف الانتشار المبكر للفيروس وتخفيف حدة المرض عمومًا.

يقول زورزولو: «نحتاج حتمًا إلى إيقاف انتشار الفيروس أولًا، كي نمنعه من التسبب بالضرر في مختلف أنحاء الجسم».

اقرأ أيضًا:

يستطيع فيروس كورونا الجديد أن يغزو الدماغ

الإصابة بفيروس كوفيد-19 قد تؤثر في الدماغ مدة غير معروفة

ترجمة: رحاب القاضي

تدقيق: ميرفت الضاهر

مراجعة: نغم رابي

المصدر