الدماغ.. مصنع خفي للإنسولين!
لطالما عُرف البنكرياس باعتباره العضو الوحيد القادر على إنتاج الإنسولين، الهرمون الحيوي الذي ينظم مستوى السكر في الدم. لكن أبحاثًا حديثة تكشف أن الدماغ البشري يملك بدوره مصانع متخصصة لإنتاج هذا الهرمون، تعمل مستقلةً عن البنكرياس.
هذا الاكتشاف ليس جديدًا تمامًا، فقد لاحظ باحثون في أواخر السبعينيات أن مستويات الإنسولين في أدمغة الفئران تفوق أحيانًا مثيلاتها في الدم بعشرات المرات. غير أن تلك الملاحظات وُضعت جانبًا، إذ رجّح المجتمع العلمي آنذاك أن كل ما يوجد من إنسولين في الدماغ مصدره البنكرياس.
اليوم، ومع تطور تقنيات البحث، تأكد أن الدماغ يضم ما لا يقل عن ستة أنواع من الخلايا المنتِجة للإنسولين، بعضها في الإنسان وبعضها الآخر في القوارض فقط.
خلايا الدماغ المنتجة للإنسولين
أول نوع من هذه الخلايا هو الخلايا الدبقية العصبية، وتوجد في مناطق مسؤولة عن التعلم والذاكرة. المدهش أنها تُنتج الإنسولين استجابة لمستويات الغلوكوز، في سلوك يشبه خلايا بيتا في البنكرياس.
توجد خلايا سليفة عصبية تفرز الإنسولين إلى جانب دورها في تكوين خلايا عصبية جديدة، وخلايا أخرى في البصلة الشمية المسؤولة عن معالجة الروائح، وإن كان دور الإنسولين هناك ما زال غير واضح.
أما في منطقة تحت المهاد، فقد أظهرت دراسة عام 2020 أن الخلايا العصبية الحساسة للإجهاد تُنتج الإنسولين، وأن انخفاضه يؤدي إلى تراجع هرمون النمو وضعف النمو الجسدي لدى الفئران.
في الضفيرة المشيمية، المنطقة المسؤولة عن إفراز السائل الدماغي الشوكي، رُصد إنتاج الإنسولين أيضًا. هذا السائل يوزع الإنسولين مباشرة في بطينات الدماغ ومنها إلى مراكزه المختلفة، بينها مركز التحكم في الشهية. دراسة نُشرت عام 2023 أوضحت أن تعديل مستويات الإنسولين في الضفيرة المشيمية قد يُعيد برمجة شبكة الشهية ويُثبط الإحساس بالجوع.
كشفت دراسة أخرى أن خلايا عصبية في الدماغ المؤخر تُنتج الإنسولين وتؤثر في السلوك الغذائي بتقليل تناول الطعام.
مع أن الإنسولين الدماغي لا يضبط سكر الدم كما يفعل البنكرياسي، فإن دوره في حماية الدماغ يتضح يومًا بعد آخر. ويشير بعض العلماء إلى أن ألزهايمر يمكن النظر إليه بوصفه سكري من النوع الثالث، إذ يُظهر الدماغ في هذه الحالة مقاومة للإنسولين تُعيق استخدامه للغلوكوز بكفاءة، ما يؤدي إلى فجوة طاقية تقارب 20% ويضعف الوظائف الإدراكية.
بيّنت تجارب محدودة أن استنشاق الإنسولين عبر الأنف قد يحسن الأداء المعرفي لدى بعض مرضى ألزهايمر، لكنه ليس حلًا شاملًا، إذ تظل المستويات المرتفعة من الإنسولين الدماغي، خاصة عند النساء، مرتبطة بضعف إدراكي في بعض الحالات.
ما زال هذا المجال البحثي في بدايته. والسؤال الكبير الذي يطرحه العلماء: هل كان الدماغ هو أول من أنتج الإنسولين، أم أن البنكرياس سبقه، أم أن التطور منح العضوين هذه القدرة كلًا على حدة؟
قد تعيد الإجابة كتابة فصول من قصة تطور الإنسان، وتفتح الباب أمام مقاربات علاجية جديدة لأمراض استعصت طويلًا مثل السكري وألزهايمر.
المصادر:
الكاتب
تيماء القلعاني

ترجمة
تيماء القلعاني
