منذ اكتشاف الديناصورات العملاقة القديمة، كافح العلماء للإجابة على هذا السؤال: ما الذي سبب انقراضها؟ النظرية السائدة هي أن كُويكبًا اصطدم بسطح الأرض أدى إلى إبادتها، غير أن هناك نظرية بديلة أخرى مطروحة مثل اختناق الكوكب نتيجة سلسلة انفجارات بركانية أدت إلى خلق بيئة غير ملائمة لعيش تلك الديناصورات.

ولكن ماذا لو وجد شيء آخر تقع عليه هذه المسؤولية؟

توجد نظرية مثيرة وهي اقتراح فيزيائي أن سبب انقراض الديناصورات قد يعود إلى شيء أكثر بدائية وهو تغير في قيم الفيزياء نفسها. فقد تعود إلى ثابت هابل وهو معدل تمدد الكون.

لحساب معدل التمدد الكوني، نستطيع أن نقيس المسافة والسرعة للمجرات القريبة والنجوم الزائفة والمستعرات العظمى. وهناك طريقة أخرى لحساب معدل تمدد الكون بالنظر في خلفيات الموجات الصُغرى للكون التي تُظِهر لنا معدل التمدد في مهد الكون قبل استقراء تلك الموجات ليومنا هذا.

لكن نتائج تلك الطرق مختلفة جدًا عن بعضها، بيد أن الكون في النهاية يتمدد بشكل متسارع، بغض الطرف عن بعض الأخطاء التي لم نُلمّ بها بعد، هذا التباين في النتائج يحتاج إلى بعض التوضيح بنظريات جديدة مثل نظرية الطاقة المظلمة التي أثبتت أنها غير كافية بعد.

يرى البروفيسور لياندروس بيريفولاروبولوس من جامعة ايوانينا باليونان أن التوفيق بين التعارض في نتائج معدل التمدد نتيجة طرق القياس المختلفة قد يوضح لنا لماذا انقرضت الديناصورات.

في ورقة بحثية بعنوان «هل كارثة هابل مرتبطة بانقراض الديناصورات؟»، افترض بيريفولاروبولوس أن قوة الجاذبية زادت بقدر 10٪؜ خلال مئة مليون سنة، انتهت تلك الفترة من خمسين مليون سنة.

يقول: «آليات الفيزياء التي قد تُسبِب انتقال الجاذبية متأخر جدًا متضمنة انتقال نظرية المُوتِر القياسي من الدرجة الأولى من الفراغ الزائف المبكر المتوافق مع قيمة الثابت الكوني إلى الفراغ الجديد مع طاقة فراغ منخفضة أو منعدمة، التي ذكرها في الورقة البحثية وبدورها لم تُراجع حتى الآن».

إن فكرة الفراغ الزائف مثيرة للاهتمام إلا أنها مفزعة في الحقيقة، إذ إنها قد تعني نظريًا انهيار الكون على نفسه متضمنًا كل شيء على الإطلاق.

تميل الأشياء في الكون إلى أن تكون في وضع الاستقرار، والذي يتحقق بامتلاكها مقدارًا ضئيلاً من الطاقة. الفراغ يحتوي على الحد الأدنى من الطاقة وبالتالي يكون الأكثر استقرارًا على الإطلاق.

لكن توجد فرضية تعرف باسم “الفراغ الزائف”، وهي عبارة عن فراغ موضعي يظهر على أنه في مستوى منخفض في الطاقة، ولكنه في الواقع ليست كذلك، فللوهلة الأولى قد يبدو الفراغ الزائف على أنه فقاعة موضعية مستقرة، ولكنها قد تنهار عند التعرض لفراغ حقيقي، بما أنه فراغ زائف يسقط في حالة أكثر انخفاضاً للطاقة.

تخيل أمامك واديًا يخفي أسفل سطحه الرقيق واديًا آخر أعمق منه. لنقل إن الفراغ الزائف هو الوادي الأصغر وأن هذا السطح الرقيق الفاصل قد ثُقب، بالتأكيد سوف ينهار الوادي الأصغر إلى الوادي الأكبر، في هذه الحالة سيكون الفراغ الحقيقي. في أسوأ الظروف سيؤدي هذا لانهيار كوننا كله، ولكن طبقًا لنظرية بيريفولاروبولوس فقد حدث هذا الانهيار بالفعل في فقاعة فراغنا الزائف وأدى إلى تغير في قوة الجاذبية.

يعتقد البروفيسور أن مقدار التغير في الجاذبية هذا أدى إلى تغير في خصائص المستعرات العظمى وكل الأشياء في كوننا المنظور وهو ما قد يفسر هذا التباين في قياسات تمدد الكون في بداية تكونه وحتى يومنا هذا.

أما موضوعنا انقراض الديناصورات، فقد أشار الباحث أن زيادة 10٪؜ في قيمة الجاذبية سوف تسبب تمزقًا في سحابة أورت، وهي فقاعة ضخمة تضم مليارات أو حتى ترليونات من الأجسام المتجمدة في أقاصي مجموعتنا الشمسية، وأدى حدوث هذا التمزق إلى إرسال تلك الأجسام في طريقنا بمعدل متزايد. وهي ملاحظة في اعتقاده قد نلمسها في سجلاتنا الجيولوجية.

يقول بيريفولاروبولوس: «الزيادة المفاجئة في ثابت الجاذبية بمقدار 10٪؜ التي حدثت قبل أقل من مئة مليون سنة قد تفسر هذه الزيادة الملحوظة في مقدار معدل الاصطدام بالأرض والقمر التي تبدو أنها زادت بمقدار الضعف أو ثلاثة أضعاف خلال المئة مليون سنة المنصرمة وتبدو أنها مرتبطة بحدوث انقراض العصر الطباشيري الثلاثي الذي محى حوالي 75٪؜ من الحياة على الأرض بما فيها الديناصورات».

وأكمل: «إذا حدث مثل هذا الانتقال في الجاذبية فيجب أن يترك أثره في بقعة شاسعة في بيانات الفيزياء الفلكية والجيوفيزيائية. تأثير التدفق لأجسام بأبعاد قد تصل إلى الكيلومتر زاد بمقدار الضعف في المئة مليون سنة الفائتة مقارنة بالمتوسط طويل المدى».

نستطيع أن نرى أن النظرية مثيرة للاهتمام وشائقة جدًا من حيث المبدأ، ولكننا نلاحظ أنها تحاول جعل الواقع يناسب النظرية. مبدئيًا التغير في الجاذبية سوف يؤثر على ديناميكية سحابة أورت ويؤدي هذا لاصطدامات بين النيازك التي بدورها تضعهم في مرمى النظام الشمسي الداخلي.

أضاف عالم الفلك بين مونتنت من جامعة نيو ساوث ويلز بأستراليا: «إنه في هذه الحالة سوف نرى تأثيرات على تغير مدارات الكواكب مثلها مثل ذلك التأثير على جيولوجيا الأرض و المريخ والزهرة».

وانتهى إلى أنه: «لا توجد دلائل جيولوجية تدفعنا إلى الاعتقاد بصحة هذا الادعاء»، وأشار إلى أن اصطدام كويكب شيكسالاب مع الأرض هو من قتل الديناصورات، وكان كُويكبًا وليس مجرد مذنب متجمد من جسم كان في طريق الأرض قادمًا من سحابة أورت، إذ كان متوقعًا أن يكون هناك كُويكب واحد كل خمسة وعشرين جسمًا.

يُدرك بيريفولاروبولوس نفسه أن الدلائل على نظريته غير كافية، ولكنه يرى أن هناك طرقًا كثيرة لتأكيد أو دحض النظرية. وأكمل: «تعتمد درجة حرارة الأرض بشدة على قيمة الجاذبية وتعتمد أيضا على سطوع الشمس، وبالتالي فإن أي زيادة في الجاذبية ستؤدي إلى زيادة في درجة حرارة الأرض. إذن، أي بحث دقيق في أي تغير في درجات الحرارة الأرض غير الموثقة خلال المئة وخمسين مليون سنة السابقة قد يؤدي إلى وضع قيود قوية على فرضية تغير الجاذبية أو قد يكشف عن أدلة ممكنة لهذا الحدث».

يعتقد بيريفولاروبولوس أنه من خلال هذا أو من خلال الدراسة المتعمقة لدوران المجرات المحلية نستطيع استنباط ما إذا كانت الديناصورات انقرضت بسبب كُويكب قُذف علينا بسبب تغيرات أساسية في قوة الجاذبية في كوننا المجاور.

اقرأ أيضًا:

هل كان نيزك سبب انقراض الديناصورات، أم أنها كانت مهددة بالانقراض قبل سقوطه؟

كويكب مظلم كان وراء تشكل فوهة تشيكشولوب وانقراض الديناصورات

ترجمة: محمود سامي

تدقيق: بدور مارديني

المصدر